في المستهل، لا ضير من أن نتحدث قليلا عن أسلوب الاحتجاج بالحذاء، لمعرفة مدى أصالته، ورسوخه في منظومة الاحتجاج السلمي، ثم لنتحدث بعد ذلك عن أخلاقية الفعل الذي قام به المناضل الفبرايري الشيخ باي ولد الشيخ محمد، لأعود إن سنحت الفرصة في مقال لاحق للحديث عن جوانب أخرى متعلقة بموضوع حذاء 30 يونيو.
والآن سوف أستعرض بعضا من النماذج الاحتجاجية بواسطة الحذاء/الأحذية، لأنني لمست التدليس عند العديد ممن تحدث عن الموضوع من خلال المقارنة الوحيدة لحادثة مشابهة، وهي حادثة الزبيدي، ويعرضها بعض ممن يود تجريم احتجاج الشيخ باي ـ بمن فيهم القاضي الذي حكم عليه ذلك الحكم الجائر بـ 3 سنوات نافذةـ ومكمن التدليس هو أنها الحادثة الوحيدة، وهي ـ والحقيقة كذلك ـ موجهة لغاصب محتل، بينما لا توجد حالة مشابهة هنا تستدعي تبرير ما فعل الشيخ باي!
والأمر يكون مقبولا لو لم تكن هناك عشرات حالات الاحتجاج بالحذاء على النحو التالي:
12 اكتوبر 1960: ضرب السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي نيكيتا خروتشوف بفردة حذائه منصة مجلس الأمن الدولي احتجاجا على خطاب الرئيس الفلبيني الذي طالب بوقتها بتحرير دول أوروبا الشرقية من سيطرة الاتحاد السوفيتي. 14 ديسمبر 2008: الصحفي العراقي منتظر الزيدي يرمي فردة حذائه الأولى تجاه بوش الابن قائلا: هذه قبلة وداع من الشعب العراقي أيها الكلب، ثم يلقي بالثانية قائلا: وهذه من الأيتام والأرامل والأشخاص الذين قتلتهم في العراق. 2 فبراير 2009 وأثناء إلقاء رئيس الوزراء الصيني وين جياباو كلمة في جامعة كامبريدج البريطانية ألقى أحد المحتجين فردة حذائه عليه. 5 فبراير من نفس الشهر: لقي نفس المصير السفير الاسرائيلي بيني داجان أثناء محاضرة له في جامعة ستوكهولم. 7 ابريل من نفس العام: صحفي هندي سيخي يدعى جارنيل سينغ يلقي حذاء على وزير الداخلية الهندي تشيدا ميرام الذي انحنى لتفاديه، وقال مبتسما: اقتادوه بعيدا، الأمر لا يستحق! أكتوبر 2009: طالب تركي يرشق رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس الذي كان يحاضر في جامعة اسطنبول، وهتف الطالب: يا صندوق النقد الدولي.. يا لص.. اخرج من تركيا " 1 ديسمبر 2009: منتظر الزيدي يتعرض للرشق بحذاء صحفي عراقي يدعى سيف الخياط، والزيدي طلب من الحرس عدم التعرض للصحفي! 22 فبراير 2010: وفي مدينة اشبيلية رشق سوري من أصل كردي رئيس الوزراء التركي أردوغان أثناء زيارة رسمية لاسبانيا. في 2010 النائب الإخواني أشرف بدر الدين يخلع نعله محاولا ضرب نائب الحزب الوطني الحاكم في مصر نشأت القصاص بسبب تحامله على الإخوان. في 2011 عاطل عن العمل يرشق الرئيس الإيراني أحمدي نجاد. في 2012 أحمد العرموط أحد المتظاهرين الغاضبين يرشق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح خلال مغادرته فندق ريتز كارلتون بنيويورك. في 2012 وأثناء الحملة الانتخابية للرئاسيات في مصر المواطن المصري أحمد حازم يرمي المرشح الرئاسي أحمد شفيق بفردة حذاء قديمة. فبراير 2013: الشاب السوري عز الدين الجسام يقذف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بحذائه أثناء زيارته لمصر، هاتفا: قتلتم إخواننا! مارس 2013 يرشق رجل الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف أمام محكمة كراتشي. سبتمبر 2013 مجموعة من معارضي التقارب الايراني الامريكي ترشق الرئيس الايراني حسن روحاني. اكتوبر من نفس العام: شاب سوداني يدعى أشرف زين العابدين يرمي نائب الرئيس السوداني نافع علي نافع بعد مقتل العشرات في تظاهرات مناهضة لرفع أسعار الوقود. في 2013: أطلق حقوقيون تونسيون حملة مليون رشقة حذاء ضد وزيرة المرأة التونسية سهام بادي بعد حادثة اغتصاب بشعة، وتم رشقها أمام مقر عملها. ابريل 2014 في فيغاس أليسون أرنست ترمي هيلاري كلينتون بحذائها. ابريل 2014 ايضا: مفلح محاسنة المواطن الاردني يقذف حذاءه باتجاه رئيس الوزراء الأردني. 29 نوفمبر 2015: منظمة آفاز العالمية تنظم مظاهرة احتجاجية بمناسبة قمة المناخ في باريس بواسطة 22 ألف زوج حذاء بعد فرض فرنسا قانون الطوارئ، وبابا الفاتيكان يشارك بزوج من أحذيته في تلك التظاهرة. 30 يونيو 2016: المناضل في حركة 25 فبراير الشيخ باي ولد الشيخ محمد يرمي الوزير الناطق باسم الحكومة بحذائه، ويهتف: الوزير الكذاب.. الوزير الكذاب. .................................. هذه نماذج فقط أحصيتها ؛ تؤكد تكرس الاحتجاج بواسطة الأحذية في كل الدنيا، رغم الناعبين الذين أصموا بصراخهم تجريما وتقبيحا للفعل الاحتجاجي الشريف الذي قام به الشيخ باي. بقي أن أذكر بأن بريطانيا اعترفت بحق التظاهر بالأحذية، وصنفته ضمن الاحتجاجات السلمية!
بعد اتضحت الصورة ـ كما آمل ـ فظاهرة الاحتجاج بالأحذية ليست غريبة، ولا توجد منها حالة منتظر الزيدي وحدها لمقارنتها باحتجاج الشيخ باي مثلما وضحنا آنفا عبر استطراد 20 نموذجا، وبالتالي لم تكن تستوجب كل ذلك التشنيع والتجريم، فهي تدخل في إطار الاحتجاج السلمي المقاوم، فهي ليست عنيفة من ناحية لأنه يراد منها الرمزية، لا العدوان.
ومن ناحية أخرى، فهي مبررة أخلاقيا، بنفس تبرير الاحتجاج السلمي المقاوم نفسه، وأعتقد أن جدل شرعية وأخلاقية الاحتجاج السلمي المقاوم متجاوز.
وقد احتج "متثاقفون" خَيْمَهْلِيون* بأن فعل الشيخ باي غير أخلاقي لأنه "رمى من هو أكبر منه سنا بنعله"! والحقيقة أن هذا التبرير ينتمي للعذر الذي هو أقبح من ذنب، فمن غير اللائق أن يرخى العنان لمن هو أكبر سنا من الآخرين لفعل ما يحلو له دون اعتبار حق الاحتجاج عليه بأسلوب سلمي رمزي مقاوم لظلم وطغيان الحكومات والأنظمة المتسلطة مثل النظام الذي ينتمي له محمد الامين ولد الشيخ، ولي عودة ـ بإذن الله ـ لموضوع دوافع الرمي بالحذاء.
وهناك من أُخِذَ بنظرية توقير المسؤولين الحكوميين كالوزراء وغيرهم، واعتبر أن المساس بهيبتهم مساس بهيبة الدولة، وفي الحقيقة على هؤلاء ان يتعلموا أولا التمييز بين الدولة والنظام، ثم بعد ذلك نسمع منهم محاضرات عن المساس بهيبة الدولة التي تتجسد في رموز ثابتة نسبيا، لا شخوص زائلة ومتغيرة حسب المزاج، والرأي، وحتى الريح!
وللأسف عندما ذرف هؤلاء دموع التماسيح على "هيبة الدولة" من منظورهم، لم نسمع لهم حسيسا عندما يهان الإنسان ويظلم على هذه الأرض يوميا، في الإدارات، والشوارع، في المستشفيات، والأحياء المهمشة، والقرى النائية حيث لا مظهر لوجود دولة، وإنما نظام غاب يسحق فيه المتحكم القوي المقهور الضعيف.
لقد فرض حذاء الشيخ باي الثائر الالتفات لفرض الإحساس بهيبة الإنسان وحقه في انتظار ان تفرض هيبته أعمال نضالية أخرى.
سيد ولد محمد الامين
نواكشوط، 18 أغشت 2016
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* خَيْمَهْلِيون: نسبة إلى المتفاخرين بـ "خيمة أهلي"