لست مراقبا عن قرب تفصيلي لكل ما يحصل في العالم العربي من تطورات ثورية لكني -تقريبا- أحظى برؤية للصورة الخارجية المجملة بوضوح يمكنني من التمييز، أنها ليست في مجملها جيدة ومن التسرع الحكم عليها بالسيئة رغم ما يبدو من قتامة الصورة، و أفترض أو أكاد أجزم أن هناك جملة من "الإِنَات" (جمع إِنْ ..) هي التي تحدد مسار ومستقبل العالم العربي .. وسأورد بعض "الإنات" التي أظنها ترجح مستقبلا جيدا للثورة العربية. • إن كانت الثورات العربية التي قامت ورفعت شعارا يمكن اختصاره في الشعار المصري الشهير (عيش، حرية، عدالة اجتماعية) وهو شعار مفارق لأي منطق تحزبي أو طائفي أو عرقي، إن كانت هذه الثورات التي قامت أو التي في طريق القيام ستحتفظ بهذا الشعار وتقربه وتقاربه ستضمن سقفا مرجعيا واضحا يجعل الإنسان بشكل عام معنيا بقضية هذه الثورة ... إنّ أهمية السقف المرجعي البسيط غير المعادي لطائفة أو عرق أو قبيلة مما يستبعد حصول نزاع بيني . • إن كانت الثورات العربية التي بدأت باعتماد وسيلة السلمية قادرة على العودة إلى تلك الوسيلة بطريقة أو بأخرى أو التخفيف من نفوذ المجموعات المسلحة في حال ما كان العنف الثوري لازما (المثال السوري) ... : من المخيف بشكل مريع كون سوريا تحولت إلى بنك ضخم للمجموعات المسلحة التي تنادت من كل مكان لفرض اجنداتها ولعل أغلبها لا يعي تماما منطقية ما يريد للذات وللآخر ، وأكاد أجزم – وهو ما تجاوزته الأحداث فيما بعد – أن ثورة سوريا لو استمرت على نهجها السلمية لما مات منها ما مات حتى اليوم ، وكي لا أكون موغلا في التبسيط – دون أن أدعي كبير قدرة تحليلية - فلا شك عندي أن هناك عوامل عدة لكل هذا الشحن المسلح والعنيف في سوريا وليس فقط تحول الثورة السورية إلى المسار المسلح والعنيف .. لعل من بين تلك العوامل تفكك المعارضة والغياب الكبير للوعي السياسي في المجتمعات العربية عموما وفي المجتمع السوري الذي – عن طريق ثورته - يحاول العودة من نفق الخمسين عاما من الاستبداد ، ولكن تحول الثورة إلى ثورة مسلحة فتح الباب كاملا على مصراعيه لكل هذه التشكيلات المسلحة المتضاربة في التوجه والهدف . • إن وجدت شخصيات فكرية (مفكرين وفلاسفة) واعية بضرورة لعب أدوار المثقف العضوي وقادرة على مواكبة وفهم وإفهام التحولات الكبرى والخطيرة التي تشهدها المجتمعات والمنطقة العربية ... • إن انطلقت الثورات من الأسس والقيم الانسانية في تبيين أهمية وأولوية الانسان حيث هو في تصوراتها بغض النظر عن دينه أو عرقه أو طائفته ، وأن القطيعة التي سترسمها هي مع الاستبداد وحكم الطوائف والعساكر (المماليك) • إن ميزت هذه الثورات بين حلفائها الحقيقيين (حلفاء مبادئها) والحلفاء المرحليين والحلفاء المستحيلين . لا يمكن الاقتناع بجدية داعمين مستبدين لثورات ضد الاستبداد إلا إن كان لهؤلاء الداعين دوافع أخرى ستكون بعيدة عن مساعدة شعوب في نيل حريتها الأمر الذي سيكون مشجعا لشعوب هذه الاستبداديات في المطالبة بالمطالب نفسها ، غالبا ما تتدخل هذه الاستبداديات لحرف مسار الثورة إلى مسارات لها علاقة بالحالة الدينية أو العرقية أو الطائفية (المثال السوري) ، والأمر ينطبق على العالم ودوافعه وفلسفاته . أكاد أجزم أن الوعي السياسي ووضوح الرؤية ضروريان لأي ثورة قد تحظى "بالإنات" السابقة وأجزم أن للثورة أساليب ليست في السياسة اليومية المعاشة، فتركيز البراغماتية السياسية في المقادير الثورية يكاد يكون صفرا وذلك عائد لسبب بسيط أن للثورة – دائما - أعداء دائمون خصوصا ألئك الذين يتساقطون لالتقاط الثمرات التي تتساقط من النظام وهو برأيي بداية صناعة مساحة لما يسمى بالثورة المضادة .