لم تكد تمض ثلاثة عشرة سنة على استقلال موريتانيا في الـ 28 نوفمبر 1960 حتى انضمت إلى الجامعة العربية في العام 1973، مكانها الطبيعي الحضاري و التاريخي. و هو الانضمام الذي تم من دون الخضوع لأي اختبار حول اشتراطات الانتماء ودلالات التكامل و الترابط العضوي في دائرة اللغة و الجغرافيا و الخلفية المعتقدية و النشأة والتاريخ ذلك أنه من حيث:
1. اللغة:
عرفت موريتانيا عند أهل المشرق قبل نشأة جامعة الدول العربية و منظمة العالم الإسلامي باسم بلاد "شنقيط" حاضنة القلاع العلمية الشامخة و الأدبية (ولاتة، تشيت، ودان، شنقيط) الرفيعة حيث يقول عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين عن احد ألمع سفرائها في المشرق محمد حمود ولد اتلاميد:" كان أولئك الطلبة الكبار يتحدثون بأنهم لم يروا ضريبا للشيخ الشنقيطي في حفظ اللغة ورواية الحديث سندا ومتنا عن ظهر قلب"، كما يقول محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار المصرية (إنه العلامة المحدث الذي انتهت إليه رئاسة علوم اللغة والحديث في هذه الديار "الديار المصرية" لاسيما علم الرواية للحديث الشريف وأشعار العرب المخضرمين، كما كان أعلم المسلمين بأسرار اللغة العربية والواقفين على المخطوطات ومرجعا في تقرير الأحكام اللغوية)·
2. العلوم الشرعية:
وهي الأرض التي انطلقت منها جحافل نشر الإسلام السمح في الغرب الإفريقي و انطلقت منها باتجاه المغرب و شبه الجزيرة الابيرية حركة المرابطين ليقود على أرضها و بعد تردي أحوال الأندلس، زعيمُها القائد الفذ أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إحدى أبرز المعارك الكبرى الفاصلة في التاريخ الإسلامي يسانده جيش أندلسي بقيادة المعتمد بن عباد صاحب أشبيلية و إلحاق هزيمة كبيرة بجيش قشتالي مسيحي بقيادة الفونسو السادس ملك قشتالة وليون.
3. الموقع الجغرافي:
إن موريتانيا ذلك المنكب البرزخي للوطن العربي وحارسة إطلالته على المحيط الأطلسي هي الامتداد الجغرافي الطبيعي والتاريخي الحي اللذين لا انفصام فيهما.
4. المواقف و الأدوار السياسية الثابثة في دعم قضايا الأمة و توطيد مكانتها:
لم تنقطع يوما موريتانيا بقياداتها المتعاقبة و أجيال أطرها المتتالية التي ظلت حاضرة بقوة في كل مفاصلها ومنذ تاريخ الانضمام وقد مضت عليه ثلاثة و أربعون سنة، عن الحضور و المشاركة و تسجيل المبادرات القيمة و المواقف المؤثرة، و لعب أدوار بارزة و حيوية تجلت تعبيراتها باستمرار في مجمل القضايا و على كل المستويات من الصياغة اللغوية و السياسية و القانونية و الفنية للمخرجات والقرارات إلى السعي العملي الحثيث لتجسيدها وتطبيقها على أرض الواقع و منها المتعلق أساسا بتقريب ذات البين في حياد أدهش الجميع و قدر دوره في تذليل العديد من العقبات أمام التفاهم العربي و رفع مستويات التكامل و التعاون و التبادل التجاري و الاقتصادي و رفع المستوى الثقافي وتقليص الهوة سعيا إلى ردمها بين المناهج التربوية من خلال السعي إلى توحيد مضامين التعليم خدمة للتطور العلمي و تحقيقا للتكامل الفكري و الثقافي. وهو الدور الذي شمل أيضا المواقف الثابتة من:
· قضية الاجماع العربي المركزية "فلسطين" مطالبة و سعيا إلى قيام الدولة على كل التراب المغتصب و إعلان القدس الشريف مسرى النبي و ثالث الحرمين الشريفين عاصمة لها،
· الوقوف دون تردد أو تخاذل إلى جانب الأشقاء في دول المواجهة أثناء كل الحروب التي خاضتها ضد الكيان الصهيوني الغاصب ودعمها سياسيا و معنويا و ماديا و بعرض مشاركة الجنود،
· و دعم و مناصرة الأشقاء العرب في نزاعاتهم المشروعة ضد دول متعدية على أجزاء من حرمات بلدانهم الترابية،
· و التمثيل المشرف و الحازم للأمتين العربية و الإسلامية كل ما اقتضى الأمر ذلك في المحافل الدولية عبر فرض اللغة العربية وتبني قضاياها العادلة بدون استثناء.
و ما تعيين الأمم المتحدة لموريتاني مبعوثا و وسيطا بين الأطراف المختلفة في اليمن الشقيق إلا إدراكا منها بتلك الخلفية محل إجماع كل الأشقاء العرب و قدرته من خلال الالمام بنقاط التلاقي و دوافع الوفاق و ثقتها في أنها ستؤتي أكلها لإحلال سلام ينشده الكل في واقع الحال ولا ينتظر فيه إلا الكلمة السواء و الموقف الوسطي الفاصل.
ويأتي انعقاد القمة في دورتها 27 بنواكشوط تتويجا طبيعيا و استحقاقا مشروعا وحقا لا خلاف عليه يكفله الدور المعلوم والإرادة القوية لقيادة البلد و تصميمها على جعلها قمة استثنائية فاصلة تتحقق معها آمال إصلاح ذات البين والتوحد العضوي و التكامل الاقتصادي و العلمي و استثمار قواسم اللغة و التاريخ و التراث و الأدب المشتركة.