كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "إني لأهش للصبا أنها تأتيني من ناحية أخي زيد " .
أبكي... وهل يشفي البكاء غليلا وقد انتوى عنا الحبيب رحيـــــلا
أبكي... وليس من البكا بد وان كان المصاب على القلوب جليلا .
فقدت موريتانيا فجر14/ يوليو /2016 علما من أعلامها الوطنية ورمزا فذا من المدافعين عن لغة القرآن الكريم ، والحضارة العربية الإسلامية ، صاحب المحامد الجمة والمكارم التي لاتحصى ذلكم بحق هو القائد الكبير والنبراس الاجتماعي الملهم ، والقدوة الحسنة : التراد ولد ديداه الذي وهب حياته لشعبه ووطنه في وقت كانت فيه هذه البلاد مختطفة من طرف ثلة من الشيوعيين والافرنكفونيين ، مما نتج عنه استبعاد جل المواطنين الموريتانيين من وظائف الدولة ، والنظرإليهم بازدراء من طرف الإدارة و القائمين عليها ، كما يقول الخليل النحوي في كتابه " بلاد شنقيط المنارة والرباط " :
(فلو أن شيخ محظرة طرق باب إحدى المؤسسات الكبيرة في العاصمة ـ وكثيرا مايحدث ذلك ـ لما وجد أفضل من وظيفة بواب أوحارس أوفراش أوحامل بريد ، ذلك أن نظم الوظيفة العمومية وطرق العمل ومناهجه ولغته ـ وهي أشياء موروثة عن الإستعمار ـ لاتضع في حسابها هذه الفئة من المواطنين التي لاتحمل مؤهلات ورقية وكان المستعمريسم علماء المحاضرفي أوراق الحالة المدنية بالأمية. وهكذا أقبل شباب المحاضر على الدولة يطلبون في كنفها لقمة العيش وماء الوجه) .
نعم في هذا الوقت بالذات كان الفقيد : التراد ولد ديداه ، الذي تشبع بالدين الاسلامي الحنيف في بيت علم وورع استلهم الإيثار منه ، وحبب الإيمان إلى قلبه ، قبل أن يتضلع من الفرنسية ، حتى دل عليه :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا
قدأخذ على عاتقه مسألة التعريب وخصوصا في المؤسسات التعليمية من أجل تأهيل ودمج عشرات الآلاف من طلبة المحاظر ومن ثم ولوجهم إلى وظائف الدولة ، وقد تم ذلك بالفعل ، وباستمرار وأصبحوا وزراء ومدراء وقضاة وأساتذة .. يتفاضون رواتب من الدولة ، وكان هذا أكبر صدقة جارية ، وقد تعرض بسبب هذا الموقف للاعتقال عدة مرات ، والحكم عليه بعشر سنوات .
وبما أن "عبادة الرجال منافع المسلمين " فإن فقيدنا رحمه الله قد فتح منزله على مصراعيه في العاصمة انواكشوط في السنوات العجاف ، لطلبة العلم الوافدين من الأرياف والمدن الداخلية ، ومع ذلك جعل من نفسه منهلا للوراد ، واليتامى والمساكين وابن السبيل
قد كنت لي جبلاً صعباً ألوذ به ... وكنت تصحبنا بالرحم والديــن
من لليتامى؟ ومن للسائلين؟ ومن ... نعني ويأوي إليه كل مسكين؟
لقد بكاه الرجال والنساء بحرارة ، لأنه كان قائد مسيرة الشهامة ، والاباء والمروءة والكرم والنبلوعلو الهمة ، والإرتقاء بالنفس والإهتمام بالمصالح العامة ، والسماحة والمؤاساة والقول الحسن ، والأخلاق الحميدة والفعل الجميل .
ملاذ الناس إن عظم الدواهي= وغيث إن تتابعت المحال
و أبلغهم و أحسنهم مقالا =و أصفحهم و حق لك المقال
“أبوك خليفة ولدته أخرى =و أنت خليفة ذاك الكمال”
ومع هذه الخصال كلها كان الفقيد رحمه الله ركنا مكينا لمجتمعه الخاص يأوي إليه عند الشدائد والملمات ، وكان يقوم بإصلاح ذات البين ، لذلك اعتبره الجميع من أهم أعيان مجتمعه ، مع ماحظي به من تقدير عند الطبقة السياسية .
سَلْ عنه وانطق به وانظُر إليه تَجِدْ ... مِلء المسامِعِ والأفَواهِ والمُقَلِ .
وقد كان رحمه الله متمسكا بالسنة النبوية ومستعدا ليوم القيامة ، ويعتبر أن ألأساس في كل عمل هوالاخلاص لله تعالى ، والاستقامة والدوام على فعل الخير، والاعتماد على الله ، وكان رحمه الله يحرص على مجالسة العلماء والصالحين ، وكان منفقا في سبيل الله ، ورحيما بالضعفاء .
لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه ... حلو شمائله عفيف المئزر
ترك وراءه فراغا كبيرا ، لكن تاريخه المجيد بقى خالدا ، فجزاه الله عنا خيرا وأسكنه فسيح جناته مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم .