بداية ثمانينات القرن الماضي أعطى القائد معمر القذافي توجيهاته للشركة الليبية للاستثمارات الخارجية لتكثيف استثماراتها في الدول العربية، دعما لاقتصاديات العرب وتشجيعا للاستثمار البيني.. حينها كان القذافي يعلق آمالا كبيرة على الدول العربية (الأنظمة طبعا)، سبيلا لتعزيز التعاون العربي- العربي الذي يُقرب يوم الوحدة التي كانت حلم القذافي الأول.
لم يدر بفكر الزعيم القذافي أنه كان ضحية مؤامرات يحيكها القادة العرب أو بعضهم على الأصح، لانتزاع مواقف سياسية منه أو تحييده عن قضايا معينة.. يقول الملك الحسن الثاني في كتابه "ذاكرة ملك" إنه اضطر لتوقيع اتفاقية "وجدة" الوحدوية مع ليبيا، ليس حبا في الوحدة وإنما لتحييد القذافي عن مسألة النزاع الصحراوي.
ولك أن تقيس على هذه الواقعة ما شاء الله لك ان تقيس من مبادرات واتفاقيات وقرارات، وقعها هؤلاء مع القذافي وجنوا ثمنها وحدهم على حساب الرجل ودولته.
بعيدا عن الشق السياسي في الموضوع، وعودة إلى قضية الاستثمارات، -ونكتفي هنا بالمغرب الشقيق مثالا لا حصرا- فقد بدأت الاستثمارات الليبية تغزو المغرب منذ العام 1981، وتضاعفت وتيرتها عام 2009 وشملت مختلف القطاعات من فنادق وسياحة وعقارات وموانئ، وطاقة ومعادن، وتقول الإحصائيات إنه برحيل معمر القذافي كانت «العربية الليبية للاستثمارات الخارجية» تملك 5.95 % من مجموعة «أونا» أكبر شركة مغربية، كما أن شركة ليبيا للنفط القابضة تمتلك %10 من سوق الطاقة المغربي و30 % من شركة «بتروكاب» البحرية المغربية، وتملك كذلك وتدير 182 محطة للتزويد بالوقود منها ست محطات بالموانئ البحرية المغربية، ومحطات لتزويد الطائرات بالوقود في عشر مطارات مغربية ومصنع لتصنيع الزيوت. (العدد 11956من جريدة الشرق الأوسط).
كما قامت شركة «لافيكو» الليبية للاستثمارات الخارجية بافتتاح أول فندق في الدار البيضاء، تحت اسم «كنزي تاور هوتل»، ويضم 28 طابقا.
وشكلت مساهمة «لافيكو» خلال التسعينيات من القرن الماضي في بناء برجي «توين سإنتر» العملاقين في الدار البيضاء، بشراكة مع مجموعة «أونا»، أبرز مشروع استثماري ليبي في المغرب. وتم تحويل أحد برجي «توين سانتر» من طرف «لافيكو» إلى فندق شاهق، ليصبح بذلك أعلى فندق في المملكة (الصورة).
لا يعد تخصيصنا للمغرب في هذه المعالجة استهدافا للمملكة دون غيرها، ولا محاولة للتشهير بالعرش "العلوي" بل لأن للمغرب خصوصيته الفريدة بين جميع الدول العربية والأجنبية التي كانت بها استثمارات ليبية، خصوصية نابعة من "شطارة" العرش وحكومته في الاستحواذ على المال أي مال، بغض النظر عن مصدره ولمن يعود، في رحلة مع الجشع لا ينتهي أحد فصولها حتى يبدأ فصل جديد، رحلة رفعت بصاحب الجلالة إلى مصاف أثرياء العالم (46 مليار دولار قيمة ثروته الشخصية).
تقول التقارير الصحفية التي نشرت ما بين 2011 و2013 أن المغرب (الرسمي) قرر الاستحواذ على أملاك ليبيا دفعة واحدة، مستفيدا من حالة التشظي والفوضى الأمنية والسياسية التي تسيطر على المشهد، وفي ظل غياب أي سلطة يمكنها أن تسائل المغرب أو تتقفى آثار ثروة الشعب الليبي، التي أودعها لشقيقه المغربي، دعما للتنمية وتشجيعا لاقتصاد بلد يترنح بسبب قيود واشتراطات المؤسسات المالية وفساد النظام الذي يحكمه.
حاول "النظام" التي استولى على السلطة في ليبيا عام 2011 والمعروف بـ"المجلس الانتقالي" أن يخاطب المغاربة في شأن الاموال الليبية لكن محاولة هذا النظام الخديج ولدت ميتة بسبب تصامم العرش "العلوي" ورفضه التعاطي مع سلطات طرابلس.
تحولت استثمارات ليبيا أثرا بعد عين، فقد اعتبرها "أمير المؤمنين" غنيمة وقعت في يده دون أن يخوض في سبيلها نزالا.. هي هدية "إلهية" إذن لرئيس لجنة "القدس" وحامي حمى "الإسلام والمسلمين"، ستُراكم على جبل أمواله التي جمعها بطرق شتى، منها المباح وغير المباح، والسري والعلني، وما بين هذا وذاك.. وإن يسرق فقد سرق اخ له من قبل..
رحم الله القذافي فقد كانت ضحية لمؤامرات العرش "العلوي" المغربي حيا- عبر اتفاقية وجدة "الوحدوية" مع الحسن الثاني- وميتا بعد استحواذ الملك محمد السادس على استثمارات الشعب الليبي المودعة لديه، أمانة لصالح الشعب المغربي الأصيل، الذي كان وسيبقى شعبا شقيقا، وجارا عزيزا، رغم محاولات الملوك جعْل أعزته أذلة.. وكذالك يفعلون..
سيدي محمد ولد ابه