تشهد العلاقات الموريتانية المغربية – على المستوى السياسي - فى السنوات الأخيرة كثيرا من الاضطرابات و التجاذبات السلبية و التى يصعب للمواطن البسيط فى كلا البلدين فهمها نظرا لما فيها من تعقيدات و سوء تقدير بما فى ذلك النزول إلى أدنى مستويات الكلمات المستعملة فى الحديث عن هذا الوضع المتأزم بين البلدين و الملاحظ أن أسباب هذه الأزمات فى علاقات البلدين دبلوماسيا كثيرة و متراكمة حسب المتتبعين و هو ما يثير عدة تساؤلات فى مستويات متعددة و إن كان من الصعوبة بمكان الإجابة عليها حتى من طرف المختصين فى العلاقات الدولية و فى الشأن العام العربي العربي، و العربي الإفريقي، و هو ما نراه فى غير محله سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي فى ظل مساعي موريتانيا تنظيم قمة ناجحة لجامعة الدول العربية فى نواكشوط لأول مرة و بحضور معظم إن لم نقل كل رؤساء الدول الأعضاء فى الجامعة العربية و هو حلم يراودنا و لكن ما أدريك ما الحلم و علاقته بالواقع. و من بين الأسئلة التى تواجهنا فى هذه الأزمات الآنية مَن يقف وراء هذا التصعيد فى العلاقات الموريتانية المغربية؟ و لصالح مَن تأزم العلاقات مع المغرب؟ هل موريتانيا و قادتها وسيلة من وسائل اللعبة السياسية فى أيدي دولة الجزائر و قادتها؟ و بصيغة أخرى هل تعي موريتانيا بأهمية و مكانة علاقاتها التاريخية بمستوياتها المختلفة مع كل من المغرب و الجزائر؟ و هل فى مصلحة المغرب أن تقبل الدخول خطأ فى مكائد اعداءها فى مواجهة مفتوحة و حتى بشكل غير مباشر مع جارتها موريتانيا بما يربط بينهما من روابط تعلو على المصلحة الخاصة؟ و ما علاقة ذلك كله بتنظيم قمة الجامعة العربية بموريتانيا و نسبة نجاحها؟ هل من مصلحة موريتانيا قيام دولة صحراوية على حدودها مع الجزائر و المغرب فى ظل الخريطة الجيو سياسية الإقليمية و الدولية الراهنة؟ و التى من المحتمل إن قامت ستكون ندا و عدّوا من أكبر الأعداء على الدولة الموريتانية سياسيا و تنافسيا؟ و ما مدى عقلانية مساندة موريتانيا لقيام دولة صحراوية فى هذه الظروف المحلية و الإقليمية الصعبة حيث ترتفع الأصوات داخليا من أوضاع الحراطين و أراضي الموريتانيين فى ضفة النهر، و مشاكل سياسية داخلية متراكمة؟ هل لا تخشي موريتانيا من عودة العصي من وراء ظهرها على حين غفلة منها؟ أسئلة من بين أخرى مجرد محاولة لإعادة التفكير جديا فى بعض المواقف و الاتجاهات التى قد لا تخدم موريتانيا و موريتانيون بقدر ما تساهم فى المستقبل القريب بزيادة التوتر و تعقيد المشاكل فى وجه الموريتانيين و موريتانيا، فى الوقت الذى يكونون فيه ساهموا بقسط كبير فى حل مشاكل دولة من دول الجوار بشكل مباشر أو غير مباشر. لا شك أن المغاربة و الموريتانيون على قدر كبير من الوعي بأهمية علاقاتهم التاريخية الموغلة فى القدم و التى لا تحتاج إلى إقامة أو تقديم دلائل و براهين للوقوف على مختلف جوانب هذه العلاقات عبر التاريخ من القديم إلى المعاصر مرورا بالوسيط و الحديث، و لعل ما فى ثنايا الحوليات التاريخية العامة و المصنفات الجغرافية و الموسوعات الأدبية و كتب التراجم و السير و حتى المخطوطات و غيرها ما يؤكد على أهمية هذه العلاقات التاريخية السياسية الدبلوماسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية على الرغم مما كانت تمر به بين حين و آخر من سوء تفاهم أو تقدير حسب المناخ العام السائد فإنها لم تعرف على مر العصور التاريخية انقطاعا بمعنى الكلمة و ذلك بفعل ما ذا يا ترى؟ لا شك بفعل قادة و رؤساء و رجال حكماء استطاعوا تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، و فهموا معنى الجوار و التجاور و فقهوا مساعي شعوبهم و عملوا على تحسين و تحصين حقوق الجوار و تمكنوا من التصاهر و حافظوا على مصالحهم الإقتصادية و غيرها فعمدوا إلى سياسة تحكيم العقل و التريث و بُعد النظر فكانت من نتائجها انتشار الأمن على طول الطرق و مسالكها الرابطة فيما بين بلاد المغرب الأقصى و السودان الغربي عبر موريتانيا و بحرص و متابعة أهم القبائل الصنهاجية التى كانت منتشرة فى هذه المجالات و الفضاءات الجغرافية الشاسعة حيث كانت معظم هذه القبائل تنتجع من جبل أطار إلى وادى أم الربيع.
و مع مرور الوقت تطورت و ازدهرت هذه العلاقات سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا بفضل متانة العلاقات الاقتصادية و عائداتها على ساكنة ضفتي الصحراء شمالا و جنوبا فزاد ذلك تقاربا بين شعوبها و أصبحت قنوات التواصل و الاتصال أكثر انفتاحا مما مضى، فكان ذلك عاملا من عوامل التبادل و التعاون على مستويات متعددة منها سبيلا للمثال تدخل المغاربة بطلب من أطراف الأزمة التى كانت فى الجنوب الغربي الموريتاني عهد شر ببة على ضفة النهر، و هو ما استفاد منه أطراف الأزمة فى والو و كايور فى مرحلة من مراحل تاريخهما.
لسنا ممن لديهم خبرة دبلوماسية و لكن يحق لمن له إلمام بالعلاقات التاريخية المغربية الموريتانية أن يتأسف حين يسمع بعض التصريحات التى تصدر من هنا و هناك و هي أشبه أن تصدر من أناس عاديين لا خبرة لهم، لأن من هذه التصريحات ما يمس سلبا بمصالح مهمة لفئات عريضة من المجتمع سواء تعليمية أو اجتماعية و حتى تجارية و التى لا يشك أحد فى أهميتها. نعتقد أن هذه الأزمة إن صحت فلا يمكن أن تكون إلا رياح عابرة أمثال غيرها من الأزمات التى كانت تعرفها دول (إمبراطوريات) السودان الغربي مع دول (ممالك) المغرب الأقصى عبر التاريخ، و عليه فإن بعض الكلمات الجارحة و المصطلحات الغير الوازنة لسانيا لا يمكن أن تساعد على تخفيف حدة الصراع الخفي الغير المعلنة عنه رسميا حتى بعد هدوء الجو العام فى الأيام القادمة.
و ليس لدينا أخيرا إلا الرجاء بعودة العلاقات المغربية الموريتانية إلى مسارها الصحيح خدمة للشعبين الشقيقين فى إطار الاحترام المتبادل بعيدا عن تأثيرات سلبية خارجية. على أساس هذه الملاحظات السريعة لماذا التوتر و التأزم بدل التهدئة و التفاهم فى ظل حوار الأشقاء مراعاة للمصلحة العامة. عسى أن يهدينا الله سواء السبيل.