تابعنا في تكتل القوى الديمقراطية، جوانب من زيارة السيد محمد ولد عبد العزيز الكرنفالية لعاصمة الحوض الشرقي وانبيكت الاحواش، في 3 من مايو 2016 التي اختار لها – كما هي عادته – فصل الصيف، الذي هو أكثر فصول السنة حرا وقسوة، خاصة في الولايات الشرقية حيث معظم المواطنون مشغولون بالبحث عن الزرع والكلأ؛ وشهدنا - كغيرنا - على تعطيل عمل الحكومة والإدارة ودواليبها، لأكثر من أسبوع في التحضير لهذه الخرجة العبثية الجديدة، بإشرافٍ وتأطيرٍ من الجنرالات والوزير الأول ومعظم أعضاء حكومته والموظفين بمن فيهم السفراء، وتبديد إمكانيات هائلة بما فيها ممتلكات عمومية كان الأولى صرفها على المواطن الفقير الذي تطحنه سياسات النظام؛ كل ذلك من أجل شيء واحد، هو حشر المواطنين المجلوبين من الولاية ومن خارجها عدة أيام، حتى يقفوا تحت حر الشمس وفوق الأرض الملتهبة، للاستماع إلى خطاب السيد محمد ولد عبد العزيز.
ولا شك أن من تابعوا هذه الزيارة واستمعوا إلى الخطاب قد أصيبوا بخيبة أمل كبيرة، وإن لم تكن الأولى في مثل هذه الزيارات. إذ خلا الخطاب من أي شيء مفيد، فلا إنجازات تُعلن، ولا مبادرات سياسية تفتح الباب أمام حلول ناجعة عبر الحوار الجاد والصريح، أو إجراءات اقتصادية واجتماعية، تصوِّب المسار الخاطئ للنظام، أو تحسّن من حال المواطنين المقهورين، بفعل المرض والجهل، والظلم المتمثل قبل كل شيء في ارتفاع الأسعار وعلى رأسها المحروقات، أو لفتة إصلاح للتعليم أو الصحة أو الزراعة أو الصيد .....
وبدلا من ذلك، أثبت السيد محمد ولد العزيز أنه لا يتغير وأنه متفرد بالسلطة، متمسك بثوابته التي جاء من أجلها، ومن أجلها يحيى ومن أجلها يموت، وهي جمع المال وتكديسه هو ومحيطه والزمرة المتنفذة به؛ كما أثبت أنه لا يعير المواطن أي احترام، مما يؤكده ترديده لشعارات: الحكم الرشيد، ومحاربة الفساد، واتباع الشفافية، والقضاء على المخدرات، واستتباب الأمن، والبعد عن الشبهات: كالاتفاق مع القاعدة في المغرب العربي؛ هذا في الوقت الذي يعرف "الذْويبْ الْ تلْ ولاته" أن الهدف الحقيقيّ من قليل الإنجازات - على عَرجها – هو التربّح الشخصي، عبر العمُلات وكراء التجهيزات الخاصة، والصفقات المشبوهة، وأن معظم تلك الصفقات يتم بالتراضي، كما يعرف "الذويب" الغرض الحقيقي من الزيارات الرئاسية للصين ولأوروبا، والهوية الحقيقية لمن اشتروا المدارس، وأراضي الملعب الرياضي ومدرسة الشرطة، ومَن وُزعت عليهم أراضي البناء في لكصر وبين العاصمة والمطار الجديد، وشقي طريق المقاومة، وأراضي جهاز الإرسال، كما يعرف أن أكبر مبالغ سُرقت من خزينة الدولة كانت في هذا العهد وبالمليارات، كما يعرف أن تجار المخدرات لو حوربوا لقضي عليهم؛ فلما ذا إذن ترديد شعارات يعرف الجميع أنها زائفة؟
وكان ما تميز به هذا الخطاب التأكيد على أزمة القيم التي ترسّخت في هذا العهد، بالبذاءة ضد المعارضة وزعمائها والتجني عليهم، مما يجعل من المتحدث سخرية للقاصي والداني، خاصة عندما يجهد نفسه لإلصاق تهم الفساد بزعمائها، وهم الخارجون مع أنصارهم عن دائرة السلطة منذ أن تسلمها ضباط الجيش. كما طُبع الخطاب بالتناقض الواضح، فهو لا يرغب في الرئاسة، ولكنه يتمسك بها في نفس الوقت، وهو يحمي الديمقراطية ولكنه يسد طريق الحكم أمام المعارضة، ويمنع التناوب السلمي على السلطة.
ومع ذلك يستوجب الخطاب تعليقات يمكن إجمالها في الجوانب التالية:
الوحدة الوطنية
التلاعب بالاقتصاد
الحوار والتلاعب بالدستور
الاستفتاء على الدستور
أولا: التلاعب بالوحدة الوطنية
ذكر السيد محمد ولد عبد العزيز في خطابه أن الوحدة الوطنية مقدسة ولا ينبغي المساس بها، ولكن ذلك لم يمنعه من الدوس عليها، عندما هاجم بعبارات بذيئة وعنصرية شريحة غالية من المجتمع، تعرضت في تاريخها للكثير من الظلم والاضطهاد، ألا وهي شريحة الحراطين.
كما أن حديثه عن الأراضي الزراعية، وكونها – مثل بقية الثروات – ملك للموريتانيين جميعا، مغالطة وحق أريد به باطل. فالممتلكات الخاصة يمكن للدولة – فعلا - مصادرتها واعتبارها ذات نفع عام في إطار سياسة شاملة وتشاور مع المالكين ومقابل تعويض مجز، ولكن انتزاع أراض زراعية على الضفة من أصحابها الذين ظلوا يزرعونها عبر التاريخ، ومنحها لخصوصيين آخرين، جريمة نكراء، وظلم بيّن في حق هؤلاء، بل هو تهديد جدي للوحدة الوطنية وللسلم الأهلي.
ثانيا : التلاعب بالاقتصاد
خلال خطابه، حرص السيد محمد ولد عبد العزيز على استعراض سيل من الأرقام المتداخلة وغير الدقيقة – كعادته - قدمها لتكون برهانا على نجاعة سياساته الاقتصادية (أرقام الاستيراد، عائدات النفط، الفائض من الميزانية..) ولا يعدو ذلك أن يكون محاولة للتغطية على الأزمة الاقتصادية متعددة الأوجه التي يتخبط فيها البلد ويعاني منها المواطن بسبب سياساته الارتجالية. ففي السنوات السبع الأخيرة، تدفقت على الخزينة العمومية أموال طائلة بفضل الارتفاع غير المسبوق في أسعار مواردنا الأولية، وخاصة الحديد والذهب والنحاس، ولم يمنع ذلك شركة "اسنيم" من الوقوع في أزمتها المشهودة والتفريط في شركاتها الفرعية، حتى لا تتعرض للإفلاس. وهذا غيض من فيض من المشاكل الاقتصادية التي جرنا لها النهب الممنهج والتسيير الارتجالي والمزاجي للسيد محمد ولد عبد العزيز.
كما أن هذه الأرقام التي ذكر لم تنعكس بشكل إيجابي على حياة المواطنين.
ثالثا: الحوار والتلاعب بالدستور
في خطابه، هاجم السيد محمد ولد عبد العزيز المعارضة بكافة أطيافها، واصفا إياها بأبشع النعوت ومتهما إياها بالخيانة، مما يظهر أن حديثه عن الحوار مجرد مهزلة. وكما كنا نحذر، بدا جليا أنه يريد الحنث باليمين الذي أداه على القرآن الكريم، والبقاء في الكرسي، من خلال التلاعب بالدستور عبر مسخرة جديدة، أسماها "حوارا بمن حضر"، وبدفاعه عن وزرائه الذين دعوا لخرق الدستور وطالبوه بالترشح لمأمورية ثالثة، وهذا يدل على أن الأمر صادف هوى في نفسه، هذا إن لم يكن ذلك تم بإملاء منه.
رابعا الاستفتاء على الدستور
كان السيد محمد ول عبد العزيز، يردد على مسامع زواره منذ سنة أنه يريد التخلص من مجلس الشيوخ، وهذا ما أعلنه في النعمة، ليكون الجرادة التي يُفطر عليها. إنه يتخلص من هذا المجلس بعد أن فقد شرعيته منذ أربع سنوات بانتهاء صلاحية ثلثه ثم الثلثين الباقيين، حتى يُشرّع له ما يريد، كما فعل بالجمعية الوطنية قبله، مما ألصق الإشابة بنصوص القوانين المحلية، كتلك المتعلقة بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، واتفاقيات دولية ومعاهدات، حيث هي صادرة عن مجالس منتهية الصلاحية. ولما ذا لا يحل محمد ولد عبد العزيز جميع المجالس الأخرى الاستشارية التي لا تجتمع ولا تشتغل، وتكلف دافع الضرائب أموالا طائلة؟.
وما الفائدة من المجالس المحلية المزمع إنشاؤها، في ظل تعطيل جميع السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية، والبلديات، وقيام فرد واحد محلها هو السيد محمد ولد عبد العزيز؟
وختاما بقيت تساؤلات يطرحها الرأي العام ولم تلق إجابات خلال مهزلة النعمة منها، على سبيل المثال لا الحصر:
ارتفاع الأسعار وخصوصا المحروقات والمواد الاستهلاكية الضرورية، رغم انخفاضها عالميا،
التعامل مع قضية حُمى البحث عن الذهب، التي انكب عليها المواطنون من كل حدب وصوب، وتربحت منها الحكومة، دون تقديم خدمات بالمقابل.
استشراء البطالة، وخصوصا في صفوف الشباب عموما وحملة الشهادات خصوصا،
هذا فضلا عن فضائح عابرة للقارات، ما زالت أصداؤها تتردد مثل فضيحة تسجيلات أكرا، ورصاصة 13 اكتوبر، وعمولات كينروس، التي تحقق فيها وزارة العدل الأمريكية.
نواكشوط، الخميس 29 رجب 1437/ 5 مايو 2016
الدائرة الإعلامية للتكتل