خرج ميثاق الحراطين ليخلد للمرة الثالثة ذكرى مسيرته الأولى.. كلُّ ما فعله هؤلاء الذين يحملون على كواهلهم تاريخاً من الظلم و الإضطهاد هو أنهم خلّدوا مسيرتهم الأولى، بالضرب في شوارع نواكشوط و كأنهم يسيرون إلى غاية، كلّما اقتربوا منها نفرت من أمامهم، على غرار أمنية الشيخ ولد مكيّ في “النخلة و امْبِامِ”. إن حل مشكلة لحراطين لن تكون بسير السواني في شوارع نواكشوط.. و لن تكون بأن تزاحم مناكب “العبيد” مناكب “الأسياد” في زقاق “كابيتال” البائسة.. فحرية المرء لا ينالها بـ”رجليه” و لا بـ”منكبيه”.. و النضال من أجل الحرية ليست في أن يعلن إقطاعي على صفحته على الفايس بوك أو تويتر أنه سيحضر “مسيرة الميثاق”. لقد حضر المسيرة من ملّاك العبيد و الإقطاعيين أكثر ممن حضرها من المكتوين بنار العبودية و التهميش.. و كان الأمر مجرد سانحة للتغطية على “الإستعبادية” بواجهة تضامن شكلي، يغشي جوهر النضال و يمَوّهه و يضبّبه بما يقتل روحه بسكين باردة. ثلاث سنوات، هي عمر ميثاق لم يقدم للحراطين إلا مسيرة سنوية، يرفع فيها شعارات تأسر نفوس العبيد و لكن عن “الثورة” على مستعبديها.. لم يقدم فيها إلا أقراص تنويم للمتطلعين للحرية و الانعتاق.. أو منديلا ثلجيا يمسح به الرُّحَضَاء عن جسد العبودية المحموم. إن الميثاق البائس أصبح أشبه بتجمع لقبيلة جديدة إسمها “لحراطين” ترفض التهميش، كما يرفضه غيرها من بعض قبائل البيظان، و تطالب بنصيبها من “حصاة القسم”.. أما “العبودية” و “الاسترقاق” و مطالب الحرية و الانعتاق فكان حضورها باهتاً. إن كلمةً واحدةً غضبى تنفجر بركاناً من حنجرة بيرام الجهورية، فيتطاير شررها ليحرق حديقة الأعشاب البرية، أبلغ في الدفاع عن حقوق الأرقاء من آلاف مسيرات الميثاق وركضها في شوارع المدن الخرساء. بيرام و منظمته إيرا يضحون بأراوحهم و أجسادهم في سبيل الحرية.. و يقرأ لسان حالهم المقطع الأول من قصيدة سميح القاسم: مرتفع الهامة أمشي.. منصوب الهامة أمشي.. في كفي قطفة زيتون و على كتفي نعشي.. قلبي أحمر.. قلبي بستان فيه العوسج.. فيه الريحان أما “الميثاق” فيكتفون بقراءة المقطع الأخير: و أنا أمشي و أنا أمشي .. وأنا أمشي .. و أنا و أنا .. و أنا أمشي ” إن الإستعباديين لن يتخلوا عن “عبيدهم”.. و الدولة لن تتخلى عن حمايتهم، و لا عن عنصريها.. لأن “الميثاقيين” ساروا من “مسجد المغرب” حتى “ساحة إبن عباس”.. و لأنهم جمعوا السيد و العبد و الأمير و الغفير و “سواد العين و بياضها”.. إن تكن موريتانيا “عينا” فهي عين بيضاء كلها، تم تغييب “سوادها” و جعله طلاء لأظافر القدمين.. و لن يتأتى لها أن تكون ذات بؤبو (سواد العين) و صُلبة (بياضها) دون خطاب ثوري، يضع أصبعه في هذه العين “الاستعبادية” فيفقأها. تحيا إيرا.. و الحرية لبيرام و ابراهيم ولد بلال. و لابد من صنعاء “الحرية” و إن طال السفر..! حنفي ولد دهاه