تُثير "أوراق بنما" أسئلة وجودية أبعد من مجرّد "تهرّب ضريبي" أو "شطارة بيزنس"، حول فكرة "العود الأبدي" لتحكم أقلّية في أقوات أكثرية، ليس لأربعة عقود أو أربعة قرون أو دهور، بل على ما يبدو منذ الأزل. تطرح القضية، في الوقت نفسه، تساؤلاً ساذجاً حول معنى التحوّلات الكبرى في تاريخ البشرية وما رافق ذلك من حروب مستمرّة، إذا كان الأمر سيصل حتى تاريخه إلى "نادٍ للفساد" يجمع أطيافاً لا يملأ فمها سوى التراب، من رجال السياسة إلى لاعبي كرة القدم. نعم، تطوّر الإنسان "داروينياً"، لكنه لم يتطوّر "إنسانياً"؛ ذلك أن "أنسنة" الإنسان لم تحن بعد على ما يبدو منذ خروجه من "مرحلة الغابة"، إذ ظل محكوماً بذهنية "شريعة الغاب"، ما يبعث الأسى على "شرائع" الأنبياء والفلاسفة والمفكرين التي ذهبت أدراج الرياح حول روح المحبّة والقوانين والاجتماع، وحول أرض أقل فساداً، وبالتالي أقل خراباً. هنا والآن، لم يعد لتساؤل فولتير الفلسفي مثلاً: "من أين جاء الشر في العالم؟" أي معنى، ذلك أن الشر جاء إلى العالم من خلال هذا الإنسان، وأن "الإنسان فاسد فساداً كلياً"، وما "أوراق بنما" سوى مثال جديد وناصع على موت "الضمير" الإنساني. يا فَسدة العالم اتحدوا!