حين فرضت قيم المجتمع الموريتاني وتقاليده على المرأة ان ترفض تعدد الزوجات ومنحتها الحق، بل وحرضتها، على مغادرة بيت الزوجية اذا ما اتخذ زوجها عليها «ضرة»، واعتبار بعض الفقهاء تعدد الزوجات «اهانة لكرامة
المرأة»، كان لا بد ازاء سد هذا الباب فتح نافذة للتنفيس عن نزوات الرجال ورغباتهم التي قد تتجاوز الاكتفاء بواحدة، فانتشرت ظاهرة الزواج السري (العرفي)، التي وجدت من وضعية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية أرضية خصبة لها، حيث يتسع يوما بعد يوم البون الشاسع بين غنى الأغنياء وفقر الفقراء. صارت النساء الفقيرات بضاعة رائجة لدى الأغنياء في عالم الزواج السري، الذي ينتهي غالبا بمصائب وخصومات ونزاعات، قد لا تكون مصالح فض النزاعات الأسرية في وزارة شؤون المرأة قادرة على حلها، مما يقتضي اللجوء إلى القضاء الذي تعج أروقته بعشرات النساء اللواتي انجبن أطفالا تنكر لهم آباؤهم واصبحن يجابهن حقيقة مرة وهي ان معظم القضاة الموريتانيين يتعاطون مع الزواج السري على انه غير شرعي.
لكن بعضا من القضاة بدأ مؤخرا يتفهم ظروف المرأة ووقوعها ضحية لنزوات وغرائز رجال استغلوا حاجتها المادية وفقرها المدقع، وهروبها من الانزلاق في متاهات الفاحشة وعالم البغاء الذي انزلقت فيه أخريات تحت وطأة الحاجة التي لا ترحم. رغم عدم وجود احصائيات دقيقة عن نسبة انتشار الزواج السري في موريتانيا، فإن المعلومات المتوافرة لدى مصالح النزاعات الأسرية والمحاكم تكشف عن ان الخلافات الناتجة عن الزيجات السرية تفوق أحيانا المشاكل الناجمة عن الطلاق والنفقة وحضانة الأطفال.
ويربط العديد من الباحثين الاجتماعيين بين انتشار ظاهرة الزواج السري في المجتمع الموريتاني وانتشار الطلاق بشكل كبير، اذ تعتبر نسبة المطلقات الأكبر بين النساء اللواتي يتزوجن سرا، وهو أمر تبرره أرقام الطلاق التي كشفت عنها مؤخرا احصائيات رسمية أوضحت انها بلغت في المجتمع الموريتاني أزيد من 37%، تتزوج منهن نسبة تصل الى 70% بعد طلاقهن الأول، وهي زيجات ثلثها سري وعرفي. كما ان ارتفاع نسبة الأسر التي تعيلها نساء في المجتمع الموريتاني والبالغة 29% من بين جميع الأسر الموريتانية، تبرر اقدام العديد من النساء على الزواج السري تحت وطأة حاجتهن الى توفير ما ينفقن به على الأسر التي يتولين اعالتها. ويعتقد بعض الباحثين ان 85% من النساء اللواتي يتزوجن سرا، هن اما أرامل أو معيلات الأسر، أغلبهن مطلقات تخلى عنهن أزواجهن السابقون وتركوا لهن أطفالا.
هذا فضلا عن فتيات من أوساط فقيرة لجأن إلى الزواج السري تحت وطأة الحاجة المادية لأسرهن، وهربا من بيع أجسادهن في سوق البغاء. وهؤلاء عادة ما يقعن فريسة سهلة لكبار المسؤولين ورجال الأعمال، الذين يغدقون عليهن وعلى أسرهن بكرم زائف، سرعان ما ينتهي عن ظهور أول بوادر الحمل، لتبدأ رحلة معاناة أخرى تعيشها الفتاة.
قنبلة موقوتة يرى الباحث الاسلامي محمد المهدي ولد البشير ان انتشار الزواج السري في موريتانيا يعتبر من مظاهر التخلف، ويجسد فكرة ميتة نبتت في هذه الأرض القاحلة، ولم تأت من الغرب، مؤكدا «ان بعض الفقهاء الموريتانيين يسعون الى تشجيع هذه الظاهرة السيئة، ظنا منهم انهم يحسنون صنعا.
والحقيقة ان هذا الزواج مشكلة يستوجب حلها تضافر كثير من الجهود، وليس حلا لمشكلة بسيطة، انه نتيجة حتمية لانتشار الطلاق في هذه البلاد، ولاضاعة الآباء لأبنائهم حيث تجد أمهم المسكينة نفسها مرغمة على اتباع كل السبل لتوفير أسباب الحياة لهم».
أما الباحثة الاجتماعية تربة بنت عمار فترى ان انتشار ظاهرة الزواج السري في المجتمع الموريتاني يعتبر «مسألة مريبة ومربكة ولها أبعاد شبه غامضة، وتطرح تساؤلات متعددة، هل هي مجرد مرحلة جنينية من مراحل التعدد؟ أم هي ردة فعل خجولة من الرجل الموريتاني الذي ظلت تطوقه من الأمام والخلف صيغة عقد النكاح الأكثر شيوعا وسطوة في موريتانيا (لا سابقة ولا لاحقة)؟ أم نتيجة للكبت الذي عانى منه الرجل؟ والكبت يولد الانفجار كما هو معروف، فأعلن ثورته السرية على الزوجة الواحدة، لكي يستمتع قليلا ولو خلسة بعيدا عن أعين الرقباء....». ع
واقب وخيمة وتضيف ان الزواج السري «مسألة لها أبعاد خفية ونتائج ليست محمودة العاقبة، فهي أصبحت بمنزلة القنبلة الموقوتة القابلة للانفجار في كل وقت وآن، وفي كل أسرة تنعم بالرخاء والهناء، خاصة في العاصمة نواكشوط وكبريات المدن». وتفند الباحثة ما يمضي اليه البعض من القول ان ظاهرة الزواج السري المنتشرة في المجتمع الموريتاني هي احدى نتائج التخلف الاقتصادي وانتشار الفقر والأمية. وتقول ان «السرية (الاسم المحلي للزواج العرفي) بامتياز هي أكثر ما يشغل بال سيدات الطبقة الأرستقراطية، اللواتي صارت كل منهن تتوجس خيفة ان يصبح زوجها بطل قصة تراجيدية، تبدأ بحديث السيدات في الصالونات وأوقات الفراغ الكثيرة مرورا بقاعات المحاكم وانتهاء بلفظ أطفال أبرياء الى الشارع».
الشرع والفقهاء الغريب ان بعض الفقهاء المحليين أجازوا الزواج السري، وهو ما اعتبره الباحث في القضايا الاسلامية محمد المهدي خطأ قاتلا، داعيا الى اشراك الباحثين الاجتماعيين والقانونيين وعلماء النفس في المعالجة بدلا من تركها لعلماء الدين. وردا على اباحة بعض الفقهاء المحليين لممارسة الزواج السري، يقول الباحث "اذا كان لا بد من سرد مذاهب الأئمة في زواج السر، فأقول انهم اتفقوا على حرمته - وان اختلفوا في تحديد ماهيته - تبعا لاختلافهم في اشتراط اعلان الزواج اعلانا عاما أو الاكتفاء بمجرد الاشهاد، وقد اشترط علماء المذهب المالكي وهو المذهب السائد في موريتانيا والمغرب العربي، الاعلان العام للزواج، وأفتوا بان كل زواج يوصي فيه الزوج الشهود بكتمانه ولو عن زوجته، يعد من زواج السر الذي لا يجوز فكانوا بذلك أقرب الى تجسيد مقاصد الشرع والنظر الى مآلات الأفعال، بينما اكتفى الجمهور بالحد الأدنى: الاشهاد دون النظر الى مقاصد الشارع".
زاوج صوري ويمضي الباحث مستطردا في سرد سلبيات الزواج السري وما يجلبه على المجتمع من ويلات ومصائب وهو زواج قريب من الصوري يلبي بعض مقاصد الزواج الشرعي. ويخلص الدكتور محمد البشير الى ذكر بعض النتائج الوخيمة للزواج السري وهي: اضاعة النسل، استغلال المرأة، انعدام العدل، الغدر والخيانة، تمسك الزوج بعصمة مشكوك فيها لان الزوجة الأولى تملك الطلاق، تقطيع الأرحام ان كان زواج السر بدون علم والد المرأة أو ابنها، رفع معدل الطلاق وما يستتبعه من مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية وخلقية.
البحث عن «أب ضائع» تناضل بعض المنظمات المهتمة بقضايا المرأة ضد هذه الظاهرة، وتتابع بعض منها ملفات شائكة في العدالة لنساء وأطفال من ضحايا الزواج السري، من بينها قصة فاطمة، التي فشلت «منظمة الدفاع عن حقوق النساء المطلقات»، حتى الآن من اعادة حقوقها اليها، أو قناع القضاة بنسبة ابنتها الى أبيها. ف اطمة فتاة في الرابعة والعشرين من عمرها، كانت تدرس في الصف الخامس ثانوي، وعلى وشك التحضير لشهادة الثانوية العامة، تقيم في حي فقير بالعاصمة، مع أمها واخوتها الصغار.
ارتبطت بزواج سري مع رجل ناهز الستين من عمره. كان الزوج السري يأتي كل مساء ليأخذها الى شقته ويعيدها في منتصف الليل. وتحت وطأة تهامس الجيران وحديثهم عن البنت واتهامها بالانحراف، اضطرت الأم ان تخبر جارتها بالحقيقة وتكشف لها عن كون ذلك الرجل الذي يصطحب «فاطمة» كل مساء هو زوجها. ذات مساء كان الزوج في سيارته ينتظر «فاطمة»، عندما مرت احدى الجارات، ومازحته قائلة «انت نسيبنا فلما لا تنزل وتسلم علينا ونكرم ضيافتك»، الأمر الذي اغضب الزوج الذي سارع الى فسخ العقد بحجة انه يريد تجنب المشاكل. بعد شهر ونيف من الطلاق اكتشفت الفتاة انها حامل. سارعت للاتصال بالزوج الذي انكر علاقته بالجنين متهما فاطمة بالزنى. مضت الأيام ورزقت فاطمة طفلة أسمتها على والدتها «أم المؤمنين»، لتبدأ رحلة جديدة قوامها البحث للطفلة عن أب، فلجأت المسكينة الى مصلحة النزاعات الأسرية في وزارة المرأة التي استدعت الزوج فانكر معرفته بتلك المرأة وهدد ان هو استدعي ثانية، فأحيل الملف الى المحاكم.
مضت خمس سنوات وفاطمة وأمها والطفلة الصغيرة يجاورن كواليس قصر العدالة أملا في الحصول على العدالة.الزواج السري في موريتانيا دعارة مقنعة الأحد, 02 تشرين2/نوفمبر 2014 16:03 طباعة البريد الإلكتروني حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط الزواج السري في موريتانيا دعارة مقنعة حين فرضت قيم المجتمع الموريتاني وتقاليده على المرأة ان ترفض تعدد الزوجات ومنحتها الحق، بل وحرضتها، على مغادرة بيت الزوجية اذا ما اتخذ زوجها عليها «ضرة»، واعتبار بعض الفقهاء تعدد الزوجات «اهانة لكرامة المرأة»، كان
لا بد ازاء سد هذا الباب فتح نافذة للتنفيس عن نزوات الرجال ورغباتهم التي قد تتجاوز الاكتفاء بواحدة، فانتشرت ظاهرة الزواج السري (العرفي)، التي وجدت من وضعية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية أرضية خصبة لها، حيث يتسع يوما بعد يوم البون الشاسع بين غنى الأغنياء وفقر الفقراء. صارت النساء الفقيرات بضاعة رائجة لدى الأغنياء في عالم الزواج السري، الذي ينتهي غالبا بمصائب وخصومات ونزاعات، قد لا تكون مصالح فض النزاعات الأسرية في وزارة شؤون المرأة قادرة على حلها، مما يقتضي اللجوء إلى القضاء الذي تعج أروقته بعشرات النساء اللواتي انجبن أطفالا تنكر لهم آباؤهم واصبحن يجابهن حقيقة مرة وهي ان معظم القضاة الموريتانيين يتعاطون مع الزواج السري على انه غير شرعي. لكن بعضا من القضاة بدأ مؤخرا يتفهم ظروف المرأة ووقوعها ضحية لنزوات وغرائز رجال استغلوا حاجتها المادية وفقرها المدقع، وهروبها من الانزلاق في متاهات الفاحشة وعالم البغاء الذي انزلقت فيه أخريات تحت وطأة الحاجة التي لا ترحم. رغم عدم وجود احصائيات دقيقة عن نسبة انتشار الزواج السري في موريتانيا، فإن المعلومات المتوافرة لدى مصالح النزاعات الأسرية والمحاكم تكشف عن ان الخلافات الناتجة عن الزيجات السرية تفوق أحيانا المشاكل الناجمة عن الطلاق والنفقة وحضانة الأطفال. ويربط العديد من الباحثين الاجتماعيين بين انتشار ظاهرة الزواج السري في المجتمع الموريتاني وانتشار الطلاق بشكل كبير، اذ تعتبر نسبة المطلقات الأكبر بين النساء اللواتي يتزوجن سرا، وهو أمر تبرره أرقام الطلاق التي كشفت عنها مؤخرا احصائيات رسمية أوضحت انها بلغت في المجتمع الموريتاني أزيد من 37%، تتزوج منهن نسبة تصل الى 70% بعد طلاقهن الأول، وهي زيجات ثلثها سري وعرفي. كما ان ارتفاع نسبة الأسر التي تعيلها نساء في المجتمع الموريتاني والبالغة 29% من بين جميع الأسر الموريتانية، تبرر اقدام العديد من النساء على الزواج السري تحت وطأة حاجتهن الى توفير ما ينفقن به على الأسر التي يتولين اعالتها. ويعتقد بعض الباحثين ان 85% من النساء اللواتي يتزوجن سرا، هن اما أرامل أو معيلات الأسر، أغلبهن مطلقات تخلى عنهن أزواجهن السابقون وتركوا لهن أطفالا.
هذا فضلا عن فتيات من أوساط فقيرة لجأن إلى الزواج السري تحت وطأة الحاجة المادية لأسرهن، وهربا من بيع أجسادهن في سوق البغاء. وهؤلاء عادة ما يقعن فريسة سهلة لكبار المسؤولين ورجال الأعمال، الذين يغدقون عليهن وعلى أسرهن بكرم زائف، سرعان ما ينتهي عن ظهور أول بوادر الحمل، لتبدأ رحلة معاناة أخرى تعيشها الفتاة. قنبلة موقوتة يرى الباحث الاسلامي محمد المهدي ولد البشير ان انتشار الزواج السري في موريتانيا يعتبر من مظاهر التخلف، ويجسد فكرة ميتة نبتت في هذه الأرض القاحلة، ولم تأت من الغرب، مؤكدا «ان بعض الفقهاء الموريتانيين يسعون الى تشجيع هذه الظاهرة السيئة، ظنا منهم انهم يحسنون صنعا.
والحقيقة ان هذا الزواج مشكلة يستوجب حلها تضافر كثير من الجهود، وليس حلا لمشكلة بسيطة، انه نتيجة حتمية لانتشار الطلاق في هذه البلاد، ولاضاعة الآباء لأبنائهم حيث تجد أمهم المسكينة نفسها مرغمة على اتباع كل السبل لتوفير أسباب الحياة لهم». أما الباحثة الاجتماعية تربة بنت عمار فترى ان انتشار ظاهرة الزواج السري في المجتمع الموريتاني يعتبر «مسألة مريبة ومربكة ولها أبعاد شبه غامضة، وتطرح تساؤلات متعددة، هل هي مجرد مرحلة جنينية من مراحل التعدد؟ أم هي ردة فعل خجولة من الرجل الموريتاني الذي ظلت تطوقه من الأمام والخلف صيغة عقد النكاح الأكثر شيوعا وسطوة في موريتانيا (لا سابقة ولا لاحقة)؟ أم نتيجة للكبت الذي عانى منه الرجل؟ والكبت يولد الانفجار كما هو معروف، فأعلن ثورته السرية على الزوجة الواحدة، لكي يستمتع قليلا ولو خلسة بعيدا عن أعين الرقباء....».
عواقب وخيمة وتضيف ان الزواج السري «مسألة لها أبعاد خفية ونتائج ليست محمودة العاقبة، فهي أصبحت بمنزلة القنبلة الموقوتة القابلة للانفجار في كل وقت وآن، وفي كل أسرة تنعم بالرخاء والهناء، خاصة في العاصمة نواكشوط وكبريات المدن». وتفند الباحثة ما يمضي اليه البعض من القول ان ظاهرة الزواج السري المنتشرة في المجتمع الموريتاني هي احدى نتائج التخلف الاقتصادي وانتشار الفقر والأمية.
وتقول ان «السرية (الاسم المحلي للزواج العرفي) بامتياز هي أكثر ما يشغل بال سيدات الطبقة الأرستقراطية، اللواتي صارت كل منهن تتوجس خيفة ان يصبح زوجها بطل قصة تراجيدية، تبدأ بحديث السيدات في الصالونات وأوقات الفراغ الكثيرة مرورا بقاعات المحاكم وانتهاء بلفظ أطفال أبرياء الى الشارع». الشرع والفقهاء الغريب ان بعض الفقهاء المحليين أجازوا الزواج السري، وهو ما اعتبره الباحث في القضايا الاسلامية محمد المهدي خطأ قاتلا، داعيا الى اشراك الباحثين الاجتماعيين والقانونيين وعلماء النفس في المعالجة بدلا من تركها لعلماء الدين.
وردا على اباحة بعض الفقهاء المحليين لممارسة الزواج السري، يقول الباحث "اذا كان لا بد من سرد مذاهب الأئمة في زواج السر، فأقول انهم اتفقوا على حرمته - وان اختلفوا في تحديد ماهيته - تبعا لاختلافهم في اشتراط اعلان الزواج اعلانا عاما أو الاكتفاء بمجرد الاشهاد، وقد اشترط علماء المذهب المالكي وهو المذهب السائد في موريتانيا والمغرب العربي، الاعلان العام للزواج، وأفتوا بان كل زواج يوصي فيه الزوج الشهود بكتمانه ولو عن زوجته، يعد من زواج السر الذي لا يجوز فكانوا بذلك أقرب الى تجسيد مقاصد الشرع والنظر الى مآلات الأفعال، بينما اكتفى الجمهور بالحد الأدنى: الاشهاد دون النظر الى مقاصد الشارع". زاوج صوري ويمضي الباحث مستطردا في سرد سلبيات الزواج السري وما يجلبه على المجتمع من ويلات ومصائب وهو زواج قريب من الصوري يلبي بعض مقاصد الزواج الشرعي.
ويخلص الدكتور محمد البشير الى ذكر بعض النتائج الوخيمة للزواج السري وهي: اضاعة النسل، استغلال المرأة، انعدام العدل، الغدر والخيانة، تمسك الزوج بعصمة مشكوك فيها لان الزوجة الأولى تملك الطلاق، تقطيع الأرحام ان كان زواج السر بدون علم والد المرأة أو ابنها، رفع معدل الطلاق وما يستتبعه من مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية وخلقية. البحث عن «أب ضائع» تناضل بعض المنظمات المهتمة بقضايا المرأة ضد هذه الظاهرة، وتتابع بعض منها ملفات شائكة في العدالة لنساء وأطفال من ضحايا الزواج السري، من بينها قصة فاطمة، التي فشلت «منظمة الدفاع عن حقوق النساء المطلقات»، حتى الآن من اعادة حقوقها اليها، أو قناع القضاة بنسبة ابنتها الى أبيها.
فاطمة فتاة في الرابعة والعشرين من عمرها، كانت تدرس في الصف الخامس ثانوي، وعلى وشك التحضير لشهادة الثانوية العامة، تقيم في حي فقير بالعاصمة، مع أمها واخوتها الصغار. ارتبطت بزواج سري مع رجل ناهز الستين من عمره. كان الزوج السري يأتي كل مساء ليأخذها الى شقته ويعيدها في منتصف الليل. وتحت وطأة تهامس الجيران وحديثهم عن البنت واتهامها بالانحراف، اضطرت الأم ان تخبر جارتها بالحقيقة وتكشف لها عن كون ذلك الرجل الذي يصطحب «فاطمة» كل مساء هو زوجها. ذات مساء كان الزوج في سيارته ينتظر «فاطمة»، عندما مرت احدى الجارات، ومازحته قائلة «انت نسيبنا فلما لا تنزل وتسلم علينا ونكرم ضيافتك»، الأمر الذي اغضب الزوج الذي سارع الى فسخ العقد بحجة انه يريد تجنب المشاكل. بعد شهر ونيف من الطلاق اكتشفت الفتاة انها حامل. سارعت للاتصال بالزوج الذي انكر علاقته بالجنين متهما فاطمة بالزنى. مضت الأيام ورزقت فاطمة طفلة أسمتها على والدتها «أم المؤمنين»، لتبدأ رحلة جديدة قوامها البحث للطفلة عن أب، فلجأت المسكينة الى مصلحة النزاعات الأسرية في وزارة المرأة التي استدعت الزوج فانكر معرفته بتلك المرأة وهدد ان هو استدعي ثانية، فأحيل الملف الى المحاكم. مضت خمس سنوات وفاطمة وأمها والطفلة الصغيرة يجاورن كواليس قصر العدالة أملا في الحصول على العدالة.
وكالات