عدد ابريل من "الدرب" لسان حال حزب البعث قطر موريتانيا

سبت, 04/02/2016 - 19:48

تهنئة

بمناسبة أعياد نيسان يسر طاقم الدرب العربي أن يزف أحر التهاني إلى كل الرفاق في الوطن العربي و في المهجر و إلى الشعب العربي و أن يعيد نيسان و الأمة قد تجاوزت هذه المحنة التي تمر بها . و كل عام و البعث بخير. 

 

وزير التعليم العالي.. منتوج فرنسي.

في احتفال كبير بالسفارة الفرنسية في نواكشوط -  حضره لفيف عريض من الشخصيات الموريتانية المحبة لفرنسا، ومن بينهم وزير التعليم العالي حاليا، أقر هذا الأخير ، بدرجة عالية من الزهو ، وفي غمرة النشوة بوجوده إلى جانب السفير الفرنسي ، أنه " منتوج فرنسي"، لأنه  " حظي بأطول فترة دراسية في هذا " البلد الجميل" دامت تسع سنوات دون انقطاع. ولحسن حظ السيد الوزير أن جميع الذين حضروا هذا الحفل لم ينغصوا عليه   هذا الشرف العظيم" ، ولربما غبطوه عليه.  طبعا، لا مشاحة في أن يحضر السيد الوزير هذا الحفل ، وليس مطلوبا منه، موضوعيا، غير ذلك، طالما أنه مغمور بحب فرنسا وممتن لها . ولكن، ما يؤخذ على السيد الوزير هو أنه كان في وسعه أن يتخير أحسن الألفاظ وأنسب تعبير يضمنه ولهه بفرنسا وعشقه لذلك البلد مع الاحتفاظ بما يليق به كوزير للتعليم العالي في بلد ذي سيادة . وحين يقر وزير " عامل"   للتعليم العالي، أي وزير مكلف بصناعة النخب في بلده، أنه منتوج لدولة أجنبية، فهذا يعني أنه " مصنع" للنخب  لصالح تلك  الدولة، أي مسؤول عن انتاج  قيمها وثقافتها  ولغتها  في أدمغة مواطني بلده. فالسيد الوزير ، إذن، هو وزير موريتاني  بالجنسية، وفرنسي بالهوى والولاء والمضمون والأهداف ، دون  ريب.   هذا التصريح ، على هذا النحو الشائن، من شخصية  على هذه الدرجة  في سلم رجالات بلده ، في هذه الحقبة من تاريخها،  و بهذه ( البدائية، أو السذاجة، أو الوقاحة )   يكتسي أكثر من دلالة   غاية كلها في الإيذاء النفسي والمعنوي، وتبعث على الخوف الشديد على مستقبل البلاد، ليس كهوية، فهذه مهدورة  على أيدي كافة الأنظمة التي تعاقبت على البلاد، وإنما  كوجود  مادي للسلطة السياسية  وما ينبغي لها من هيبة  ورهبة،  التي يبدو أن السيد الوزير نسي ، في حضرة  السفير الفرنسي، أنه يمثلها ، حتى وان تحدث بصفة شخصية. ألم يكن في اللغة  الفرنسية، التي تحدث بها،   لفظ، غير عبارة " منتوج" ، يناسب مقامه  فيعبر به عن حالة الشعور بحرارة التفاعل الانساني مع الثقافة الفرنسية  التي عاشها وجدانيا  في سنوات دراساته العليا، دون أن يجرح معاني السيادة الوطنية  ويغتال النزر القليل من معاني الهوية والتاريخ  لبلده ومواطنيه؟ فصيغ التعبير عن التفاعل  الانساني كثيرة ، ولها ألفاظ انسانية رفيعة في اللغة الفرنسية  ذاتها.  ما لم يهتم به السيد الوزير ، وهو شيء خطير ومؤذ، أن ثمة فرقا شاسعا بين العرفان والوجدان.  فالعرفان بالجميل لفرنسا على ما قدمته من تعليم  وعلوم للسيد الوزير شيء، وتحلل الذات الثقافية والحضارية  للسيد الوزير، وبحكم المسؤولية ، لشعب ووطن، في الوجدان والذات والذاكرة الفرنسية شيء مختلف.  هذا على صعيد  مجال سنة التبادل بين الشعوب و الحضارات والثقافات  البشرية.  أما  فيما يخص فرنسا، بوصفها دولة استعمارية  للموريتانيين، فكان الأحرى  بالسيد الوزير  التحلي بقليل من الوطنية، وألا يلغي  من شخصه ، كوزير للتعليم العالي لبده، ذاكرة الشعب الموريتاني إزاء بلد  احتل جغرافيته  واغتال هويته  ونهب ثرواته وأهان انسانه بالسخرة والأعمال الشاقة  وبخس قيمه  ودنس مقدساته. هذه هي فرنسا ، العدو الاستعماري، في الذاكرة الجمعية للأحرار ، على الأقل، من الموريتانيين.  ومن الإهانة  القصوى  للشعب الموريتاني، لأحيائه وشهدائه، بشتى عناوينهم، أن يتحدث وزير " وطني" و " مثقف" ، لا شك في ذلك، بهذا الأسلوب  المنافي لمفهوم السيادة  الوطنية أولا، والناسف لمفهوم الذات الثقافية والحضارية لشعب بأكمله، ثانيا.  والأكثر خطورة، من ذلك كله، أن السيد الوزير ، مثله مثل كل النخب المتحللة حضاريا، يعاني  من اغتراب الذات في الآخر ، وهذه الأدمغة المغتربة  لا تمتلك مقومات الوجود المعنوي، و تأسيسا عليه لن تكون أهلا لإنتاج الوطنية ورجالها..  

 

ما ذا ينتظر العرب من إيران..؟

يتحدث القرآن الكريم ، في فواتح سورة الأنبياء،  عن مشهد عجيب يتمثل في صدود الناس وانغمارهم في الغفلة والإعراض عن تدارك   مصيرهم  برغم اقتراب الساعة وأهوال الحساب ، الذي ستعرض فواتح سورة الحج الموالية  نماذج من  مشاهده  الرهيبة. فيقول تعالى في السورة الأولى { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه  وهم يلعبون لاهية قلوبهم... الآية].  أما في السورة الثانية، فيقول جل وعلى {   يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل معرضة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد... الآية]. هذه الآيات  التي تتحدث عن الغفلة والإعراض عن  تدبر المصير برغم قربه وعظمة أهواله  ذكرتنا،  ولله المثل الأعلى، بوضعية العرب اليوم   ، نخب وأنظمة، الذين  يصدون صدودا عن تدبر أمرهم  قبل أن تحل ، أو تكتمل  على الأصح ، قارعة  المؤامرة  الكونية التي تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية  وروسيا ، بتخطيط من الكيان الصهيوني وإيران برغم أهوالها الماحقة للوجود العربي، بشرا وحضارة ودينا.  وإذا كان الكيان الصهيوني والولايات المتحدة  قد تحدد موقف الجماهير العربية منهما، فإن روسيا  لم تنتبه النخب العربية إلى خطورة نزعتها العدوانية  المتصاعدة ضد العرب، عندما تدخل في تحالف استراتيجي مع  دولة الملالي .   فإيران ، تحت قيادة الدجالين أبناء أبي لؤلؤة الجدد،  هي أعلى  تجسيد للشعوبية في عصرنا ، وأخطر ما فيها أنها  تزحف على أمتنا تحت عباءات سوداء  تدعي  التشيع لآل البيت  وتضمر  تفتيت العرب  شيعا يقتل بعضهم بعضا ، ليسهل عليها بسط نفوذها على جغرافية الأمة العربية وتبعث عليها حضارة فارس التي انهارت أمام الاسلام.  لقد كان كثير من النخب العربية  مأخوذ، في ثمانينيات القرن الماضي، بسحر شعارات الخميني وآياته الشيطانية  وأهداف ثورته الصفوية  الشعوبية المرتبطة بتفكيك أواصر الشعب العربي وتفتيت المسلمين بالنفخ في جحيم المذهبية  . وكان بالإمكان تلمس العذر في "الجهل"  لتلك النخب، يومئذ. غير أنه بعد 2003، لم يعد ثمة  سبب في تمادي  هذه النخب  في دعمها لإيران  ، بعد أن كشفت،  بكل غطرسة، عن سلوكها العدواني وعن مشاريعها التوسعية  على حساب العرب. فتصريحات زعمائها ، على أعلى مستوى، لا تترك مجالا  لأي عذر. فعمائم الحقد الأسود ، في كل يوم، يصعدون وينزلون من الشاشات الدولية ، كالطواويس، يتباهون  بالسيطرة على اكثر من  قطر عربي  ، ويهددون ما تبقى بإمكانياتهم الكامنة في الأقطار الأخرى لتفجيرها وتخريبها عند الحاجة.  ولا ندري تلك الوسيلة السحرية ،الأكثر إيصالا وتبليغا من المشاهد والوقائع اليومية لأفعال إيران المنكرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين  والأحواز . وبرغم هذا المستوى من الوضوح للعدوانية الإيرانية ضد العرب ، المنذرة بالهلاك الجماعي ، ما زال بعض حكام العرب ونخبهم يتشيعون لإيران ويلتمسون لها المعاذير  ويرسمون لها أبهى الصور  في مخيلاتهم المشوشة،  وينسبون لها من المحامد ما  لا تدعيه لنفسها.  ومن السخف أن هذه النخب العربية لا تريد النظر في الدلائل والبراهين والوقائع الصادرة من إيران ذاتها، والتي تدينها وتكذب مزاعم هذه النخب. فإيران ، في ظل نظام ولاية الفقيه، لا تنظر إلى العرب وباقي المسلمين إلا كساحة حرب مفتوحة  ضد ما تعتبره، علنا، خليطا مركبا وعارضا من البشر الذين لا يستحقون الحياة. إن خطر إيران بات يشكل أكبر تهديد وجودي للوطن العربي  من كيرمسين، على الساحل الغربي لموريتانيا، حتى الأحواز العربية. وهذا لم يعد ينفع فيه التلبيس على الجماهير العربية والمسلمين عبر العالم، بالقول إن هذه أوهاما  في أذهان البعثيين ، كما كان يتردد  في الماضي إبان القادسية الثانية، قادسية الشهيد صدام حسين. فإيران فتحت شهيتها  لافتراس الأمة العربية بدعم من أمريكا والكيان الصهيوني؛ والوقت يمر بسرعة فلكية في صالح القوى الدولية المتآمرة ضد أمتنا .  ثم ما قيمة  القوة  والعقل والثقافة والعلاقات الدبلوماسية  والأحلاف إذا لم تفض إلى رؤية واضحة وتدبر رصين في مشهد الأحداث العالمية المتسارعة  على جثثنا ، والتي تجري في طريقها لتشكيل حقائق  وصياغة وقائع جديدة في جغرافية الوطن العربي برمته ، من العراق وحتى موريتانيا. أفلا يتدبر العرب أقوال وأفعال روسيا وأمريكا وإيران والكيان الصهيوني، الذين يريدون من العرب  ( إما معدومين فعلا) أو  مجرد وجود في حكم المعدوم، حيث يخلقون لهم من اسباب الفناء أكثر مما يبقون لهم من مقومات الوجود ؟. فماذا ينتظر العرب ، بعد، من إيران أم  كتب عليهم  أن يظلوا كقطيع الجواميس  إزاء العمل الجماعي  لسباع البراري الجائعة: تتكالب السباع على الثور فتأكله ثم تنام، فيجفل القطيع قليلا ثم يلتفت خلفه ليتفرج على مصيبته، وهكذا مرة تلو المرة، حتى آخر ثور.. .                  

 

شكرا لكم.. ولكن ᴉᴉ

الإجرام والمجرمون يكسبون ، كل يوم، مزيدا من مساحة القيم والأخلاق في بلادنا ، وفي العالم.

فعالم الجريمة ، في حقبتنا، شبكة واحدة من الخيوط المتشابكة عالميا ، المنسوجة على منوال شبكة بيت العنكبوت ، الذي يتسم ، في ذات الوقت، بالوهن والقوة. فخيوط  العنكبوت ، في بنيانها، ضعيفة وفي فاعليتها هي أقوى بنيان وأشده مناعة ومقاومة، لمهارة صنعة حبكه . فالمرونة الشديدة التي يتمتع بها بنيان العنكبوت تؤهله لمواجهة كل تحد خارجي، وتعطيه خاصية ، غير اعتيادية،  في إرباك الضحية واستدراجها وامتصاص جهدها ، دون جدوى. والطريف، في هذا البنيان الشبكي، هو قدرته على تكبيل الضحية بأقصى درجات النعومة، فلا تعود تستطيع الخروج لأنها لا تهتدي سبيل الخروج. وهكذا هو حال شبكات الجريمة المنظمة ، التي تنتشر في المجتمعات دون أن ينتبه إليها أحد ، حالها حال العناكب التي تنسج بيوتاتها في المنازل والمطابخ والمكاتب ... بلا  استفزاز. اما ضحايا شبكات الجريمة  المنظمة، هي الأخرى، فكلما دخلوا إلى عمق هذه الشبكات ، ازدادوا توغلا في وحلها إلى حد استحالة الخروج منها  أبدا؛ يستوي في ذلك المواطن العادي ورؤساء الدول والحكومات. فكما تتحكم العناكب ، بخيوطها الواهنة في ظاهرها،  في ضحاياها، فكذلك توقع شبكات الجريمة المنظمة  أعضاءها والمنتسبين إليها في أحبولاتها ، فلا يستطيعون التملص منها ، ولا إلى أهلهم يرجعون ، مهما فعلوا بعد ذلك . ومن أخطر شبكات الجريمة ، في العالم اليوم،  شبكات المخدرات التي انتشرت في العالم وامتلكت كل أنواع القوة ، وحظيت بكل أساليب التمويه والتخفي. ومن السذاجة الاعتقاد أن العالم ، بدوله وجيوشه وأجهزته العلنية والسرية ، مع ما  توفره التكنلوجيا من دقة متناهية في الكشف والرصد والمتابعة ، من السذاجة، إذن، أن يكون عاجزا عن مواجهة هذه الشبكات الاجرامية . غير أن ما يقبله العقل هو أن شبكات الجريمة  ( المخدرات تحديدا) أصبحت تمتلك السلطة السياسية والقضائية والتشريعية والأمنية والكارتلات التجارية والاقتصادية العملاقة  في بعض بلدان العالم، أو أن أفراد هذه الشبكات يحتلون، على الأقل، المواقع الحساسة  جدا في أغلب أنظمة دول العالم ، وبالتالي تظهر هذه الشبكات بهذه القوة "الخارقة".

وهذه القوة " الخارقة" تشبه، في الأسلوب وليس في الأهداف، تلك القوة التي كانت لدى بعض الحركات السياسية  السرية، في الدول غير الديموقراطية، التي يتولى بعض منتسبيها  مراكز قيادية متقدمة في الأجهزة الأمنية  في الأنظمة  الاستبدادية. فحين تقرر هذه الأنظمة اعتقال قيادات هذه الحركات السياسية أو مداهمة بعض أنشطتها فجأة ، فإن عناصر تلك الحركات ، في الأجهزة الأمنية، تعطي المعلومات على الفور لقياداتها السياسية المستهدفة، فتأخذ هذه القيادات الحيطة  وتتصرف في الزمان والمكان المناسبين لإخفاء  ما هو أساسي من وثائقها وعناصرها. وحتى عندما يقع ، أحيانا، الإبلاغ عن نشاط لهذه الحركات السياسية  في مكان [ ما]  أو يتم اعتقال بعض أفرادها فإنه،  في العادة، يقع في يد قيادات في الأجهزة الأمنية تابعة سياسيا لتلك الحركات  وتقوم بتبديل المعلومات أو تحريفها ، وتدس في تحقيقاتها ما من شانه أن يشوش  على المحاكمات ، ويعطل مفعول   منجزات الأمن. وهذا  التشابه، في مغالطة الأجهزة وإرباكها، مع الاختلاف في الأهداف والغايات، بين طرفي التشبيه، هو ما يفك لغز قوة شبكات المخدرات التي تخترق دول العالم ، يمينا وشمالا، ، طولا وعرضا، وكأن أفرادها من جنس الجن أو كائنات خارقة من غير بني آدم. هنا، يحسن بنا  أن نقدم الشكر البالغ والامتنان العظيم لأجهزتنا الأمنية التي ضبطت كمية مرعبة من أنواع المخدرات في شهر فبراير الماضي. إنه شكر مستحق. ولكن يبقى عمل الحكومة والقضاء ، عندنا، في أشد درجات الغموض والشبهة من جهة الحكومة، وعدم الاستقلال والأخلاق بالنسبة للقضاء. إذ من السخف والاستخفاف بعقول الناس أن تضبط كميات من المخدرات بقيمة عشرات  الملايين  أو المليارات من الأوقية ، ثم تحصر لائحة الاتهام في اشخاص عاديين ( مؤجر زورق، مؤجر سيارات...). فمثل هذه الكميات الكارثية لا يقدر عليها إلا الحيتان على المستوى الوطني والدولي. كذلك فإن عمليات الحرق التي تجري، دائما، في غياب  الأطراف الوطنية  الفاعلة في المشهد الوطني، وفي غياب منظمات أو أجهزة دولية  مختصة  ، تزيد الالتباس والشبهة في  ما يحدث ويقال في ملفات المخدرات برمتها. فالمواطنون، مثلا، يتندرون بالقول إنما تحرقه السلطات هو كميات  من بسكويت ( كويطه) وعلب كوكاكولا منتهية الصلاحية . أما الكوكايين  فلا يجرؤ كائن من كان على حرقه ᴉᴉ.

 

مع  الموضوعية في الإعلام.. والتضامن  " في الصميم"..

خطوة   السلطة العليا  للسمعيات  البصرية " الهابا" الأخيرة المتعلقة بإنذار ( قناة المرابطون) وتعليق برنامج " في الصميم" الذي يبث أسبوعيا في هذه القناة يقتضي منا موقفا مبدئيا  وآخر سياسيا عمليا إزاء وسائل الإعلام المستقلة في البلاد. أما الموقف المبدئي ، في هذه القضية، فهو تضامننا مع قناة المرابطون ومع مقدم برنامج " في الصميم"،  الإعلامي أحمدو الوديعة. فلا مجال للتنازل ، مهما كان الأمر، عن المكاسب التي حققها الشعب الموريتاني  وقواه الحية على طريق حرية التعبير ، ومن ثم لا عذر في التضييق على الإعلاميين الذين عانوا ، ويعانون، إلى الآن من كل أنواع التهميش والاستخفاف  وحجب المعلومات  عنهم . فبرغم ما بات يمثله الإعلام ، في العالم، من  دور محوري في تنمية الشعوب وخطورته على تشكيل الرأي العام  وتوجيه اتجاهاته، ما تزال السلطات الموريتانية تتعاطى  مع الإعلام بعقلية ماضوية  تتسم بالاستهتار ، ولا تعطي أهمية لما ينشره من معلومات  عن كافة دواليب الدولة وسير مؤسساتها، إلا في حالة  المنع أو التضييق. أما التعاطي الإيجابي  فهو أمر خارج عن بؤرة اهتمام صانع القرار في البلاد. بل يكاد المرء يعتقد أن  السلطات الموريتانية تتعمد سلوكا مهينا للإعلام المستقل . فحين تكشف التحقيقات في هذا الإعلام عن أوجه النقص والتقصير، أو غياب الأمانة في مرفق من المرافق الحكومية ، أو من طرف مسؤول من مسؤوليها، فإن السلطات – بدلا من التحقيق في تلك التحقيقات و التقارير الإعلامية  للتأكد من مدى مصداقيتها  -  تعمل على إهمالها وتسخيفها في أعين الرأي العام الوطني. وإذا أضفنا إلى هذا السلوك غير الديموقراطي  واللامسئول  مسالة  المنع من الوصول إلى المعلومة الرصينة  بشتى الذرائع لقضم ما تحقق ، للشعب الموريتاني، من مكاسب في مجال الحريات العامة ، فإن الأمر ينذر بخطر الانتكاسة ؛ وقد ينذر بخطر زحف الاستبداد السياسي " الناعم" على كل المكاسب الديموقراطية، واحدة بعد الأخرى.  أما في مقلوب الصفحة، فثمة موقف سياسي؛ إذ يتوجب  أن يدرك رجال الإعلام المستقل في موريتانيا ضرورة  الموضوعية التي هي ملح الإعلام. فمن الملاحظ وجود  نمط من التخندق السياسي والحزبي  للفضائيات والإذاعات والمواقع.  صحيح أن بعضها يبذل جهدا لإخفاء ذلك  ويتوسل مناورات في تحقيق انجاح التعمية على التوجه الحزبي والسياسي له. ولكن المتتبع لا يخطئه. فمثلا قد يستضيف برنامج معين مئات الشخصيات المعبرة عن وجهات نظر مختلفة، ولكن تتبعه احصائيا، يعطي  نسبة عالية من هذه الشخصيات تمتح من معين إيديولوجي واحد، ان لم يكن من حزب واحد أو من تخومه  ومقترباته. كما يمكن رصد الانحياز السياسي ( الماكر ) في اختيار المواقيت  و الأخذ في الاعتبار تباين القيمة السياسية للأحداث المقدمة للنقاش  لهذا الضيف أو ذاك.  فحين تكون الساحة السياسية راكدة، مثلا، يستدعى البرنامج  شخصيات للحديث عن أحداث لا تكتسي أهمية كبرى، قد تكون تاريخية متجاوزة. بينما يجري التركيز على طيف واحد في الأحداث الشيقة أو المصيرية، خصوصا تلك المرتبطة بحياة الناس العاديين، أو تلك التي تتطلب تشكيل رأي عام وطني  حيالها . ما نريد الوصول إليه، في هذه الوخزة النقدية، هو أنه  لابد ان يتحمل إعلامنا نصيبه من المسؤولية في تنقيته من الحزبية الخفية والانتقائية في المعالجات الاخبارية، لأن المواطن من حقه الحصول على الخبر الصحيح أولا، قبل مزجه بالتحليل والقناعات السياسية والمردودية الحزبية.. ولأن أصحاب القناعات المختلفة عليهم واجبات تجاه الإعلام ولهم فيه حقوق.

 

 

لماذا البعث.. وما ذا خسر العالم بغيابه؟؟.

يوم أقدم الصهيوني المجرم، جورج  بوش الحقير، على غزو العراق بالاشتراك مع بريطانيا وإيران و" إسرائيل" كان العالم يغرق، بشكل غير مسبوق، في أقصى درجات الارتعاب من الولايات المتحدة الأمريكية ومن آلتها العسكرية  الرهيبة. وعملا على تقديم الولاء للبرابرة الجدد والبراء من قواعد القانون الدولي وقيم الانسانية، تسابقت حكومات العالم ومؤسساته الدولية والأحزاب السياسية والصحافة والإعلاميون ، عبر كوكبنا، في شتم الرئيس القائد صدام حسين وسب حزب البعث  وشيطنته على النحو الذي يرضي الفرعون الجديد للعالم. وما تزال ذاكرة الناس طرية  بتلك الطريقة المقرفة التي ظهر بها بوش ليلة العدوان على الشعب الذي علم البشرية أبجديات الحضارة .. لقد أعطى لشعوب العالم سوءة مؤخرته وهو يلعب مع كلبه، في حدائق البيت الأسود الأمريكي، في إشارة منه  أنه زعيم عصابة أشرار وليس رئيس دولة . فهذا الحقير – تحت فرط الشعور بجنون القوة العسكرية لبلاده -  كان لسان حاله يقول للعالم : فجر غد يدخل العالم عصر البربرية الأمريكية الخالصة. وبرغم تلك الغطرسة  التي تقشعر منها الأبدان، لم يجرؤ زعيم دولة في العالم أن يقول لبوش [ لا] إلا القائد صدام حسين وإلا أبطال البعث في كل أقطار الأمة، الذين لم يفزعوا ولم يستكينوا؛  فبقوا وحدهم يخوضون ملحمة الانسانية في وجه الوحشية الأمريكية. وهكذا خاض البعث وحزبه غمار الجهاد نيابة عن البشرية وقدم من التضحيات  عشرات الالاف و من الدماء أنهرا، وهو ما يلبق به كحزب انساني حامل لرسالة القيم الخالدة . فكان بحق أهلا لملحمة الشرف صونا لمصير الانسانية من الوقوع في أحط  حقبه التاريخية.  ومنذ نجحت البربرية الأمريكية في احتلال العراق، لم تسكن سفينة العالم ، ولم تتمكن جهة فيه من اطفاء الحرائق التي أشعلها  الأمريكيون المتصهينون في مشارق الأرض ومغاربها. ولكنه بفعل مقاومة البعث والقوى الوطنية والقومية  انهزمت أمريكا ، وبدأت بعض الجهات الدولية ترفع  صوتها فوق صوت أوباما، وهي التي كانت تبلع لسانها وتشرق من ريقها أمام بوش، 2003.  واليوم ، تجتاز البشرية بخطى متسارعة نحو حرب دولية ، هي الأخطر في التاريخ ؛ إذا لم تتدارك أمريكا خطأها وخطيئاتها باحتلال العراق  بوضع حد للعملية السياسية العبثية الاجرامية  التي أقامتها  ورعتها في هذا البلد ، وإذا لم ترفع يدها عن حفنة العملاء واللصوص الذين يحكمون العراق باسم دجال إيران. لقد خسر العالم استقراره ودفع أثمانا هائلة بسبب  جريمة الاحتلال، ولن يعود الاستقرار إلا بابتلاع أمريكا ومن تعاون معها لحقيقة مرة ، وهي  أن البعث ممر اضطرار لإعادة الاستقرار إلى الأوضاع العالمية، وخاصة في منطقة الوطن العربي، منطقة الطاقة الدولية ومخزوناتها الاستراتيجية. فالبعث هو مفتاح  الحلول لأنه برهن ، خلال هذه المحن ، أنه يختزن طاقة كامنة ضخمة ، فكرية  وإعلامية، وتكنولوجية ، وسياسية، وعسكرية. إذ أن حزب البعث ، بجهاده الملحمي  الأسطوري، لم يكن يعبر عن تنظيم سياسي تقليدي ، كما اعتقد الأمريكيون، وإنما عبر  أصدق تعبير عن أكثر من ثلاثمائة مليون عربي ، وعن تاريخ مجيد تفاعل مع الحضارات الانسانية ، انجزت فيه الأمة العربية أشرق الصفحات الحضارية .. 

 

من قصيدة الدرب للرفيق الشاعر  الأستاذ الخليل النحوي

 

يــــا رفيقي في الــــــــــدرب صبـرا جميلاإن درب الكــــفــــاح درب قصي

في سبيــــل العلى همــــوم الأســــــــاريوالإهانــــاتُ والسبــــاب البذي

في سبيــــل العـــــلى يُضَــــرَّجُ حيبدم طاهر ويـُُـــــدفـــن حي

فــي سبيـــل العـــــلى تـئن فتــــاةليلها شاحب النجــوم شــــــجي

كلمــا استعطــفت صــــراخــــــا ، وأَََنتْسحرا ، واستهــل دمـــع عَصِي

جـــاوبتها الصخـــور صمـــــا وبكما :ليس إلا الصــــدى وإلا العِــــصِي

والرجــــال الملثـــــمـــون حضـــــورأَوَمــا في الملثــــمين حَيــــِي

أَوَمــــــــا في الحمي شريـــــــفٌ عفيفٌأوَ ما في العبــــــاد عبـــــد تقي

 

مغنية الحي لا تطرب..

تجتاز موريتانيا ظروفا صعبة على أكثر من صعيد، بخلاف ما تسعى دوائر سياسية وحكومية إلى إخفائه والتغطية على تداعياته الاقتصادية والاجتماعية المفجعة. وهذا ما يؤكده الصراخ الأخير لممثلي الصناديق الدولية، زيادة على تفاقم الفوضى الأمنية  والقلق الساسي. فالظرفية الدولية ، وما يعتريها من تعقيدات ويتشابك فيها من مخرجات ومدخلات ، تلقي بنذر اقتراب الاعصار. فلا شيء يحول بين موريتانيا والدخول في نادي الدول غير المستقرة، لا سمح الله. فخلال السنوات القليلة الماضية لم تكف مراكز البحث والدراسات  والندوات  في البلاد، وكذلك أحاديث السياسيين والمفكرين ، على المستوى الوطني، عن الحديث عن  صورة غير مشرقة ، بل عن وجود مخاطر عديدة وجدية تهدد كيان البلاد. ويستوي في هذه النظرة المتشائمة من هم مع النظام ومن هم ضده، وان اختلفوا في الجهة التي تتحمل المسؤولية، في ذلك. وبطبيعة الحال، لا إمكانية، ولا فائدة كبيرة، من  تقديم جرد شامل لتلك المخاطر. فالجميع ، مواطنون ونخب، يعرفونها لأنها مما هو معيش في حياة الناس ، لا يتطلب إعمال الذهن. فسوء التسيير وتفشي الرشوة  وتحكم الزبونية ، والتفاوت المرعب في الدخل بين المواطنين، وما يترتب عليه من تفكك أسري  ، وتفسخ منظومة القيم الاجتماعية ، والتشرذم الفئوي، وظهور اقتصاديات  سريعة النمو ،مربحة و غير مصنفة ، في البلاد. فضلا عن تهرئ الجهاز الإداري  وما ينخره من تسيب وفوضوية وغياب المسؤولية ، كل ذلك وغيره أدى إلى تدهور للأوضاع : من قبيل الوهن العضوي في البنية الأمنية العمومية، الهروب المتواتر والمنظم للصوص الحرابيين  والمتطرفين من السجون ، انتشار البطالة المخيف بين كل فئات الشباب المؤهلين وغير المؤهلين، ارتفاع الأسعار المذهل في المواد الضرورية لحياة الناس، تدني الأجور وهلاك الاقتصاد الخاص ، انهيار أسعار الحديد في الأسواق العالمية، توقف الحيوية في الأسواق الشعبية، اخفاق المنطقة الحرة ، بشمال البلاد، في اجتذاب رساميل أو استثمارات أجنبية  أو خبرة  فنية وتنظيمية  أو تكنلوجية، وافتقار البلاد لمؤسسات اقتصادية متماسكة  وفاعلة، عمومية وخصوصية، و جود مؤشرات على هروب رأس المال الوطني  من وجه الضرائب المرهقة في دورة اقتصادية محتضرة. وتأتي هذه الوضعية التي لا يتمناها أحد بالتزامن مع انكفاء الإخوة  في الخليج العربي بسبب الحروب التي فرضتها عليهم إيران بالاشتراك مع قوى خفية وعلنية ، دولية وإقليمية. إن هذه الظروف تجعل من موريتانيا بؤرة جذب لكل السلبيات ، وخصوصا للاقتصاديات المشبوهة ، التي تزدهر في تربة الفقر والبطالة والظلم الاجتماعي والتأزم السياسي. ولعل في   الاعلان المتكرر  عن ضبط  كميات من المخدرات في البلاد ، وفي مناطق مختلفة منها ، وموقع البلاد في منطقة الساحل والصحراء الملتهبة ،  ما يكفي للخشية من فتح أبواب جهنم الخمسة على موريتانيا : شبكات المخدرات، شبكات الإرهاب الدولية، شبكات مهربي المهاجرين، شبكات الاتجار في السلاح ، فضلا عن تمكن المخابرات الإيرانية، منذ ثلاث سنوات، من التغلغل  في الجسم المجتمعي ،وبالنتيجة الحتمية  ستتحكم هذه المجاميع المافيوزية والاستخبارية في المجتمع والدولة عبر السيطرة  على مؤسسات الحكومة والبرلمان والقضاء.  وعندها يسيخ السم في الجسم، فلا يعود في الإمكان انقاذ البلاد. إن الظرفية تقتضي ، من أجل استمرار وجود موريتانيا على الحدود المعروفة الآن، وقبل إطلاق صفارة تفجير الصاعق، ، حصول غطاء سياسي مشترك ( اجماع وطني ) بين كل القوى المجتمعية ، فيه يحكم نظام منتخب حقا، بعيدا عن تأثير الجيش،  في وجود معارضة  قوية وشريك فعلي في إدارة الدولة، دون السلطة. وإلا قد يكون النظام الحاكم ، اليوم، هو آخر نظام لموريتانيا بحدودها الموروثة عن الاستعمار، كما قال،  ذات مرة،  أحد السياسيين المخضرمين، الموالين لنظام الحكم الحالي.            

شعب الجزائر.. كنت مفخرة الجهاد .. وتظل ملاذ الأحرار.

في الزمن الرديء ، يهبط مؤشر القيم إلى أدنى مستوى له ، كما الشأن في مؤشرات البرص في أوقات الأزمات والكساد الاقتصادي. والزمن العربي، في هذه الحقبة من تاريخ أمتنا، هو من أسوء حقبها المتناهية في جذور التاريخ البشري.. فإذا ما استثنينا حقب انقسام الأمة بين امبراطوريتي  فارس وبزنطة ، قبيل ظهور الاسلام، الذي انتشل العرب من وهدة الهبوط الحضاري ، فإنما تمر به الأمة العربية ،الآن ، هو من أقسى أزمنتها خطرا على وجودها القومي ، وعلى تاريخها وهويتها. فالصراع الدولي بين قوى العالم يدور كله ، على الأقل في جانبه التدميري ، في جغرافيا الوطن العربي، ويستتبع ذلك أن ما يتدمر هو حضارة الأمة العربية ومنجزاتها التاريخية  المادية والرمزية، فضلا عما يتعرض له العرب من إبادة شاملة على أيدي هذه القوى  البربرية. في ظل حاضر قاتم، يتميز بالتشرذم الاجتماعي وتمزق الأوصال القومية للعرب، وتشوه فيه مجاميع الارهاب صورة الاسلام الناصعة، فإن أي فعل قومي ، في مثل هذه الظروف، يجري احتسابه ، من أحرار الأمة، بأضعاف أضعاف قيمته الفعلية في الظروف العادية. ومن هنا، جاء ابتهاج الشعب العربي، في كل اقطاره، وتقديره التلقائي لفعل الشعب الجزائري العظيم ، الذي ناصر الفريق الفلسطيني لكرة القدم على حساب الفريق الجزائري، وعلى أرض الجزائر الطاهرة. لقد كان الأمر ، حقا، مذهلا في دلالاته القومية والانسانية، إلى الحد الذي اسال دموع حرائر موريتانيا إجلالا وتعظيما لشعب الجزائر. و العجيب ، متى كان  يستكثر فعل من أفعال العظمة والمعاني على شعب الجزائر، ويدوي في الأوساط الجماهيرية  على هذا النحو الهستيري، لولم يكن في ظروف قومية وانسانية مختلة اختلالا مريعا. لأن من يعرف الشعب الجزائري واطلع على تاريخه الملحمي الجهادي المجيد – الذي دام لأكثر من مائة وثلاثين سنة، وقدم فيه أكثر من مليون ونصف المليون شهيد في سبيل العزة الوطنية والكرامة القومية – لا يستكثر أي فعل من أفعال النخوة والعزة  من هذا الشعب. ذلكم شعب الجزائر العظيم  الذي نهض، عبر أجيال كثيرة في هذا التاريخ الملحمي، تحت التربية الثورية الوطنية والقومية والاسلامية والانسانية، وبنى أعظم مجد ،  مسطر في سجل الانسانية، بالجهاد والكفاح والتضحيات الجسيمة ضد الاستعمار الفرنسي الاستيطاني البغيض، دون مهادنة حتى طرد علوج الإفرنج ، وطهر الجزائر من دنسهم بدماء الشهداء الزكية. ومن يستغرب هذه الضيافة القومية من شعب الجزائر لفريق فلسطين يجهل كل الجهل هذا الشعب ، في تاريخه وفي عنفوانه القومي التليد . واستمعوا إلى ابن باديس  إذ يقول: ( ... وما كان الله ليجعل هذه الرسالة العظيمة لغير أمة عظيمة إذ لا ينهض بالجليل من الأعمال إلا الجليل من الأمم  والرجال.).. وهو القائل (  إذا قلنا العرب فإننا نعني هذه الأمة الممتدة من المحيط الهندي شرقا إلى المحيط لأطلسي غربا، والتي تنطق بالعربية وتفكر بها وتتغذى من تاريخها وتحمل مقدارا عظيما من دمها وقد صهرتها القرون في بوتقة التاريخ حتى أصبحت أمة واحدة...).

هذا، هو شعب الجزائر المتصالح مع ضميره وتاريخه المشرف ، يا عرب، الذي لم ينحن لغير الله ولم يطأطئ رأسه لجبار في الأرض، وقد عشق صعود الجبال ولم يعش يوما بين الحفر، بخلاف أشباه الرجال  وأنصاف النساء الذين رضوا لعق أحذية الأجنبي والمحتل..  فتحية تبجيل وتعظيم لشعب الجزائر ، شعب المعاني الخالدة ، وتحية له وهو يؤدي واجبه القومي والانساني  إلى أشقائه في فلسطين المحتلة . فالف .. ألف تحية، يا شعب الجزائر، وكفى..  

      

في وزارة الداخلية.. فضيحة أم بطولة ؟.

تناولت وسائل الاعلام  الوطنية المستقلة ، على نطاق واسع، نبأ اعتقال الأمين العام لوزارة الداخلية في موريتانيا على خلفية تلقيه رشوة من شركة بريطانية في صفقة ذات صلة بمتعلقات انتخابات ماضية في البلاد. الزوبعة كانت اعلامية  أكثر منها شيئا مثيرا للرأي العام الوطني، الذي تعود على تعاطي المسؤولين في البلاد  بالرشوة ، حتى باتت شأنا عاديا، بل أكثر من ذلك يعتبرها المواطن، في سخرية غاضبة أو بغضب ساخر ، ابتكار وطني ل " قيمة مضافة" في العمل الاداري لمجمل المرافق الحكومية . فما عاد المواطن ، في موريتانيا، يعتقد بإمكانية انجاز خدمة في مرافق الدولة إلا بتقديم رشوة تتناسب مع نوعية الخدمة المطلوبة  من الدولة.  ولكن الجديد ، هذه المرة، أن  أبطال الرشوة " الوطنيون" وفرسان سرقة المال العام تجاوزوا حدود البلاد و "مثلوا" الشعب الموريتاني في دركات الانحطاط والنذالة على المستوى الدولي.  بيد أن عدم اهتمام الرأي العام الوطني بقصة " فضيحة" أو " بطولة"  السيد  ( ماسينا ) وفريقه من مغاوير الاحتيال  ،الذي تلقى الرشوة من شركة أجنبية، يعود إلى أن الشخصيات الوطنية ، في المرافق الحكومية وشبه الحكومية ، التي يتواتر المواطنون على انحرافها وفسادها الاداري وعدم نزاهتها في التسيير وتلقيها الرشى دون خجل ولا وجل، هي نفسها الشخصيات الأكثر حظوة في الترقي الوظيفي والتصعيد إلى مسؤولية الادارات والمشاريع الأكثر " دسما" في البلاد. فإلى الآن، لم يفصل موظف في الحكومة أو في إدارة عمومية على خلفية  إدانته من المواطنين  بسبب تعاطيه للرشوة معهم. بل إن وسائل الاعلام المستقلة كثيرا ما تؤشر على وجود الفساد والرشوة في إدارات الدولة ، دون أن تهتم أجهزة الرقابة بالموضوع. وبخلاف ذلك، فإن الدولة عودت المواطنين على أن الأشخاص الذين تثار حولهم شبهات الفساد يجري ترفيعهم في سلم الوظيفة والمسؤولية.  وحين يبلغ الأمر درجة الاحراج للسلطة ، فإنها تقوم بعملية بتر مؤقتة  لشخص من منصبه حتى ينسى الرأي العام القضية ، ثم يعود، من جديد، إلى منصب أرفع من منصبه السابق، تماما كما تفعل بعض السحالي التي تفصل  بعض ذيلها للتمويه عند استشعار الخطر، ثم يعود الذيل من جديد. فالشعب الموريتاني ، او المتابعون للشأن العام منه، يعرفون أن جميع الشخصيات التي حامت حولها شبهة خيانة الأمانة ظلت موضع حظوة وتبجيل على مر تاريخ الأنظمة العسكرية المتعاقبة على البلاد، منذ اطاحة نظام المرحوم المختار ولد داداه.  وتأسيسا على هذا التاريخ لا يعتبر الرأي العام الوطني قضية اعتقال الأمين العام  لوزارة الداخلية إلا رمادا لبعض الوقت في عيون  أصحاب الاعلام، والأهم من ذلك امتصاصا للحرج الذي سببه هذا الشخص ومعاونوه في الأوساط الدولية. وإذن، ليس فينا من سيستغرب عودة السيد ماسينا وشركاؤه ،في الرشوة الدولية وقبلها الرشى المحلية ، معززين مكرمين، إلى سدة وزارات سيادية، "عقابا" لهم على خيانة الأمانة . فاللهم لا شماته.  

 

عبق نيسان .. ينتشر.

يطل علينا نيسان.. شهر العزة والخير، يتهادى بين الأحداث الكبرى ، التي تهجم على العالم ، بعدما تآمر ذئاب الخيانة والعمالة والعلوج على نيسان وعلى أفضال نيسان. فالإنسانية – يا نيسان- من بعدك معذبة والشعوب في شقاء ، والدماء تسيل مسيل الأنهر في كل مكان. والنيران تلتهم حتى الذين اشعلوها عليك ، وسعوا ، معاجزين للقدر، لطمس قيمك واجتراح سمعتك و سرقة ذكرك الطيب. فنكروا فضلك وبخسوا قدرك ، فكانت القارعة التي يتهاوى فيها الجميع.  نيسان.. يا عبق الأرض ويا  أعلى قمة في امجاد الشعوب والأمم، و يا من أجمع عليك الدهر وأهله كل المكائد، وتجمع ضدك كل معادن الخبث والخسة: هلم يا نيسان من رحم كل ماجدة  وفجر نطف البطولة  وخصب بيوض الشهامة. فقد أزفت الساعة  وعاش أبناؤك في بؤس بلا هجوع ، تحت سياط كل عميل حقير ، جزوع منوع. إيه.. يا نيسان  في غيابك ذهبت الآمال وتبددت الأحلام ، وحلت محلها صرخات الألم ودموع الفجيعة ، وتحولت المبادئ إلى مغرم والخيانة والعمالة  والاستسلام والهزيمة  والاسترزاق للنظم الفاسدة إلى مغنم ، وتاهت الدنيا في مهاوي الرذيلة.. انتفض يا نيسان من تحت الرماد  وانشر عبقك بين الركام لتبعث أمة أقسم التاريخ عليها  من الكرام  [ لها في أجفن العليا مقام.. وعن آثارها أخذ الأنام وإن جحدت مآثرها اللئام]. انهض يا نيسان .. فأنت البعث عنوان كل مجد وموقظ كل الهمم .. تعاف الذل وتأبى الاستعباد وتأنف من الدنية.. قدمت الشهداء تترى، آباء وأبناء وأحفاد ، كلما خبت معركة شرف ، سعرت أخرى ، وكلما طغى العدو وتجبر مرغت أنفه في سقر وخصيت فحوله بين البشر، فكان عبرة لمن اعتبر. فعد يا نيسان في أبهى حلل النصر وزمجر كالرعد العاصف لتنسف جرذان العار من بغداد وجلق ، فأنت أهلها  إذا نزلت بساحة فساء صباح الأوغاد. ففي غيبتك عن بغداد انفرط عقد الوحدة الوطنية لشعب الرافدين، وتسلطت عليه قطعان العملاء، فتحولت حياته إلى بلوى وأسواقه ، التي لطالما عمرتها بصنوف النعم، إلى مجازر ومسالخ للبشر ، واستحالت مساجده وحسينياته إلى مصانع لغلاة الطائفية ونثر ما في جوفها من حمم الفتن والشر . فعد يا نيسان ، كما أنت دائما لأم للجراح، فقد حرق الحقد الأكباد وتاقت إلى العدل الآمال ، وفي كل يوم تسيل الدماء وفي كل حيز تزهق الرواح. فانشر نسائم عبقك  في الأماسي والصباح...    

أبيات من قصيده قيلت في ميلاد البعث للشاعر كمال ناصر

الدرب والظلمة الرعناء تغشـــاه ***** والشعب ضل على التاريخ مسراه

يلج في التيه والأوهام تنهشــــه ***** كأنما التيه معفود بدنيـــــاه

يجزي الضحايا على ساح الفدا شرفا ***** وليس يجديه في العليا ضحايــاه

تطلع الشعب في أعماق حيرتـــه ***** وراح يسأل عن أسرار بلـــواه

كيف السبيل الى التاريخ نبعثـــه ***** حيا.. نعيد الى التاريخ مهنـــاه

أين الطريق الى آفاق وحدتنــــا ***** تردّ للكبر منا ما فقدنــــــاه

أين الحقيقة ضاعت كيف ندركهـا ؟ ***** حتى نشيد منها ما هدمنــــاه

تطلع الشعب في أعماق حيرتــه ***** مستنهضا من ركام الدهـر ذكراه

مستنفرا من حناياه طلائعــــه ***** في حومة البعث يلقاها وتلقـــاه

من غضبة الشعب كنا من تمـرده ***** من جرحه الثرّ جئنا من شظايـاه

ومن تطلعه عبر الدجــى سطعت ***** عقيدة البعث تحميه وترعــــاه

كنا ببال العلى منذ الوجــود رؤى ***** فجسد الشعب منا ومض رؤيــاه

كنا الضمير له فأنهد يرهقنــــا ***** حتى تفجر عنا ما تمنــــــاه

 

مؤتمر نواكشوط.. وجذور الإرهاب الثلاثة..

انعقد، قبل أيام ، مؤتمر عالمي في نواكشوط تحت عنوان " دور علماء السنة في مكافحة الإرهاب".  وبصرف النظر عن تحفظنا على هذا العنوان ، الذي تفوح منه رائحة الطائفية التي تعمل من أجلها أكثر القوى الدولية والإقليمية  بين العالم الاسلامي. برغم هذا التحفظ، فإن العالم يعيش ، منذ احتلال العراق، حريقا كونيا عظيما ، أشعلته أمريكا وإيران والكيا الصهيوني وحلفاؤهم ، ولم يفلحوا لحد الآن في إطفائه. وهذه الحرائق ، لها أوجه متعددة، من بينها الثورات التي اندلعت ، بعد 2011 ، في بعض الأقطار العربية،؛ والتي استطاعت الدوائر الغربية حرفها نحو العنف والعبثية  لتدمير تلك الأقطار، واستباحة مقدراتها وسرقة ثرواتها . ويجمع العالم على وضع عنوان واحد لهذه الحرائق ، بقوة الغرب، هو الإرهاب الإسلامي . ومن المعلوم أن الإرهاب ، من حيث هو ارتكاب العنف ضد الأبرياء، هو ظاهرة انسانية قديمة قدم الانسانية ذاتها. فما جرى بين هابيل وقابيل هو إرهاب ؛ لأنه قتل على أساس باطل ، وأدى إلى تدمير حياة بشرية بدون وجه حق .وابتداء من تلك الحادثة ، لم يخل تاريخ البشرية من أعمال العنف ، حتى حسبه بعض فلاسفة الغرب  الأكثر شهرة وتأثيرا في العقل الغربي عموما ( هيجل)، ذا أهمية قصوى في تقدم البشرية . فالتاريخ ، بدون صراع، وبالتالي بدون عنف، ليس موجودا وليس مفيدا في النهاية. والإرهاب ، الذي وردت الإشارة إليه في القرآن الكريم ، حين أمر الله المسلمين بإعداد ما بوسعهم من قوة وما يدخل في نطاقها ليرهبوا  أعداء الله وأعداءهم، لا يعني ، بأي حال، أمرا بالقتل ولا باستخدام العنف تعديا على أرواح البشر، كما يفسره بذلك ، على حد سواء، غلاة المسلمين وغلاة اعداء الإسلام. فالإرهاب ، في اللغة العربية، لا يعني ممارسة القتل أو التدمير ، وإنما يفيد زرع الخوف في النفوس وتعبئة القلوب بالرعب. وهذا من السهل إحداثه دون ارتكاب القتل أو إراقة الدماء، بل يحصل بإضعاف معنويات العدو  ( العسكري) وتثبيط هممهم  حتى يحجموا عن مهاجمة  المسلمين، وييأسوا من إلحاق الهزيمة بهم ، لما شاهدوه من أدوات القوة والاقتدار في أيديهم. وبلغة زماننا الآن، فالحرب النفسية التي يقوم بها الاعلام الغربي ، بإشراف خبراء متخصصين ، على العدو ، مع إبراز صنوف  أسلحة الجيوش الغربية  وقدرتها التدميرية و أطرزتها المختلفة  ومستويات التعبئة العسكرية والجهوزية، هي من قبيل إرهاب العدو الذي دعا القرآن إليه المسلمين، قبل أربعة عشر قرنا. ولكن الإسلام ، اليوم، يوجد ، بحق، في مواجهة ثلاثة حرائق: الحريق الأول يتمثل في أنظمة حكم فاسدة ومفسدة ، مستبدة وظالمة لشعوبها، تجوعها وتضطهدها  وتستهين بمقدساتها ، التي لا يهمها منها إلا توظيفها واستغلال تأويل نصوصها  لمنع مواجهتها واقتلاعها، فضلا عن إخضاعها لأعدائها. ويلتحق بهذه الجبهة أصحاب الجبايات المالية من الفتاوي السلطانية، وكبار ضباط  الجيوش الذين تحولوا إلى برجوازية طفيلية ، كدست ثروات طائلة من أقوات شعوبها، وتعمل على حماية أنظمة الحكم الفاسدة حين تواجه السخط الشعبي . كما يدخل في هذا الماخور العهري نخب راضية ببعض فتات الحكام وكبار الضباط السمان.  والحريق الثاني ، يغذيه  تيار عريض من أصحاب العمائم البيضاء والسوداء ، الذين يخرجون على الأنظمة السياسية بدافع الاستيلاء على السلطة، فيوظفون الدين لدنياهم، مستغلين عواطف العامة ومستغفلين السذج . وهذا ما يسمى بالإسلام السياسوي، بمختلف حركاته وصحواته ومرجعياته. فيما يندلع الحريق الثاني من القوى الغربية، التي ارتكبت وترتكب من الجرائم ضد الانسانية ما لا يمكن وصفه و لا حصره بحق الملايين من العرب والمسلمين. فهذا الغرب الامبريالي لا يكف عن غزو بلاد العرب ، ويتآمر عليهم وينهب ثرواتهم ويدنس مقدساتهم  ، ويفرض عليهم كيانا مغتصبا في فلسطين، ويسلط عليهم مجاميع عملائه في العراق. وأي شيء أشد إذكاء للحرائق من فرض ذلك الكيان المسخ، ومن احتلال العراق في القرن الواحد والعشرين . هذا البلد الذي يعج بالعلماء والنخب من كل الاختصاصات، ومنه نشأت أولى حضارات العالم. وأي شيء أخزى من سكوت علماء " السنة" على تلك الجريمة، وأي شيء أرذل من مشاركة  "مرجعيات  الشيعة" في  احتلال بلدهم. إن هذه هي الجذور الثلاثة للإرهاب، بالأحرى للإحباط الذي يستبد بشباب العرب والمسلمين. وما لم ينظم مؤتمر دولي حقيقي يقر فيه الغرب بمسؤوليته في هذه الحرائق الإرهابية ، ويقر فيه بعض علماء  المسلمين بالتقصير في مسؤوليتهم إزاء أنظمة الخذلان والفساد، ويعترف فيه بعض آخر منهم بعمارة قلوب الشباب بالكراهية والعنف  والتوظيف السياسي لعلمه في أجندات  الدنيا، ما لم يتطهر هذا الخليط من قبيح صنعه، فليس في الأفق أية إجابة عملية لوضع نهاية لحرائق الإرهاب، أبدأ ، وسيبقى العالم يترنح لأجل مفتوح... 

 

الشباب الموريتاني في آنغولا.. بين الموت والاهمال ..

غريب أمر الحكومات الموريتانية .. فهذه الحكومات تتصرف بالبلاد والعباد تبعا لمنطق اللامنطق. فحين تتفشى الأوبئة في البلاد تتكتم هذه الحكومات عليها وتظل تكذب وتضلل المنظمات الدولية ، دون أن يكون في وسع هذه الحكومات فعل أي شيء للتخفيف من نتائج تلك الأوبئة. وحين يتعرض أبناء شعبها ، خارج البلاد، إلى خطر بيئي أو أخطار أمنية تظل الحكومات الموريتانية معتصمة بالصمت المطبق، كأنها غير معنية بأبناء الوطن في المهاجر. وفي هذا السياق المنافي لتقاليد الدول ومسؤوليات الحكومات، شهدت موريتانيا، منذ مطلع تسعينيات القرن المنسحب، هجرة كثيفة لشبابها إلى إفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية  واوروبا بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية واستفحال ظاهرة البطالة بين الشباب المتعلم وغير المتعلم . كما أن  انتشار مساحة الفساد والمحسوبية في الادارة الوطنية كان لهما دور بارز جدا في هجرة ذوي الكفاءات الشبابية من البلاد.  وبعكس ما  هو مألوف في الدول والحكومات الوطنية من اهتمام بهجرة أبنائها ودراسة أسبابه وانعكاساته على البلاد، اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وثقافيا، فإن الأنظمة الموريتانية تفردت بأعلى درجة في عدم الاهتمام واللامبالاة بهروب شباب البلاد وقوتها العاملة والمنتجة، وكأن لسان الحال  في حكامها يقول: نحن سعداء بفراغ البلاد من الشباب . والدليل ، وان كان الأمر لا يحتاج إلى دليل كالشمس الساطعة، أنه لم تنظم الحكومات الموريتانية المتعاقبة ، بعناوين مختلفة، أية ندوات علمية  ، أو تقوم بأية دراسات حول هجرة الشباب الموريتاني ، ولا حول الأوضاع التي يوجدون فيها خارج البلاد، ولا عن الاجراءات والتدابير الاقتصادية التي يجب اتخاذها لاستعادة قوة البلاد إليها. ومن غرائب الحكومات الموريتانية التي لا تأتي تحت حصر، أنها لا تتخذ أية إجراءات وقائية لحماية جالياتها في الخارج ، إلا عندما تقع الفأس في الرأس. فكثيرا ما نسمع ، في هذا العالم، أن حكومات وسفارات أطلقت تحذيرات لرعاياها وجالياتها بأن الدولة الفلانية  أو المنطقة ( كذا)خطيرة بسبب تفشي وباء أو لأسباب أمنية. وبالتالي يجب تجنبها أو اتخاذ اقصى درجات الحيطة والحذر. كما أن سفارات الدول تدخل في تواصل مباشر مع رعايا دولها ، بعد احصائهم ومتابعة تحركاتهم بدقة كاملة، للتدخل الفوري عند الحاجة. وحين يموت أحد أبناء جالياتها تقيم الدنيا و لا تقعدها بسبب التحقيقات لمعرفة أسباب فقدان أو موت هذه الرعية . أما حكومات موريتانيا في  راحة بال وطمأنينة ( وتسليم بالقدر ). فكما أنها غير مبالية بمن يموت داخل البلاد ، فكذلك لا تكترث بمن يموت خارجها؛ لأن ملك الموت واحد، و [ إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون].  وبهذا المنطق، يتواصل نزيف الموت في الشباب الموريتاني في دولة آنغولا ، تارة على أيدي العصابات واللصوص والسراق، وتارة بسبب الحميات الصفراء والحمراء... ففي اقل من أسبوع  فنى اكثر من عشر من فلذات أكبادنا ، بوتيرة كارثية  ومستمرة، دون أن تحرك الحكومة الموريتانية ساكنا في هذا الأمر. وقبل ذلك، تعرضت جاليتنا لأقسى التدابير الادارية، في هذا البلد، وتعرضوا للعنف الجسدي والمعنوي ونهب الممتلكات ، دون أن يشعر أبناؤنا بأن لهم وطن وأن وراءهم حكومة ودولة.  وحتى كتابة  هذه السطور الناحبة ، تتحدث الروايات أن الشباب الموريتاني يتعرض للتصفية الممنهجة في آنغولا من الحكومة هناك، ومن العصابات دون حماية و لا وقاية .. فإلى متى ستظل الحكومات الموريتانية في غيبوبة عن معاناة أبنائها، ومتى نظل  مهانين في وطننا وخارجه.. ؟

 

من للفلوجة يغيثها..  أو يبكيها.؟

تعيش مدينة الفلوجة ، ذات المآذن ومعدن الفضائل، حصارا وحشيا ، غير مسبوق في التاريخ. فكلاب إيران وامريكا الذين يقبضون على السلطة ، في بلاد الرافدين، بقوة الاحتلالين الأمريكي والإيراني الفارسي، يمنعون  الغذاء والأدوية عن نساء وأطفال الفلوجة. فيما العالم ، الذي يذرف الدموع في باريس وابروكسل، يقف متفرجا ، بدون رحمة، على آلاف الأطفال والنساء والشيوخ الذين يتضورون من الجوع ثم يموتون بسببه في إطار حرب التجويع التي تفرضها عصابات العملاء وجيوش كسرى الجديد. وكأن هذا العالم اللعين ينتقم من هذه المدينة التي لم تعرف الهزيمة  في تاريخها المجيد . فهي الفلوجة التي أذاقت البريطانيين زقوم الهزيمة في عشرينيات القرن الماضي، وهي الفلوجة التي مرغت أنوف المحتلين الأمريكيين في الطمي ، وهي الفلوجة التي تقف منتصبة القامة في وجه جحوش الفرس من الحشد الصفوي و أطعمتها غسلين الخزي عندما حاولت تدنيس أديمها المرصع بالعلماء ، وسماءها المنجم بالأبطال.  فالذي يبدو أن العالم العامر بالنفاق يتواطأ مع عصابات الفرس في قتل أطفال الفلوجة وحرائرها بالتجويع ، سعيا لكسر شوكة أبطالها وإذلالا لأنفتها وعزتها. وإذا كان الاحتلال الأمريكي والفارسي ينتقمون من الفلوجة ، فأين الدول والقادة ، في العالم الإسلامي، الذين يجتمع أركان جيوشهم بجوار الفلوجة  . وأين العرب من حصار الفلوجة التي أضحت ساحة للمناحة اليومية ومقبرة جماعية للأطفال والنساء الذين لا ذنب لهم ، سوى أنهم ينتسبون لرجال رفضوا الاحتلال الأمريكي والفارسي ، ولم يقبلوا الحياة في الذل تحت جرائمه الوحشية ، كما فعل المجرمون  في باقي المدن العراقية المقهورة، التي ابتليت بسيطرة مجاميع المذهبية الصفوية وأذناب الدولة الفارسية . فيا سخافة هذه الحياة .. ويا تفاهة العالم  حين يترك مدينة عامرة بأرواح الأطفال في عمر الزهور للموت بالتجويع ومنع الأدوية والقصف الوحشي العشوائي، دون أن تتحرك جيوش المنظمات الانسانية  في العالم التي صدعت الناس بصراخها عندما تسيل قطرة دم من انسان غربي ، بل عندما تنهار كومة ثلج على مزرعة للفئران أو النمل الأحمر في هذا الغرب . فتلك هي انسانية الغرب ، التي تتوجع للحيوان ولا تكترث لحياة الأطفال والنساء في مدينة الفلوجة، وقبلها في العراق كله إبان حصار العار الذي فرضه الغرب على جميع أطفال العراق لمدة اكثر من عقد من الزمن.  وإننا لنذكر تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أوليبرايت، حين قالت : إن موت أكثر من نصف مليون من أطفال العراق ،بفعل الحصار يومئذ، هو ثمن معقول ومقبول في نطاق الانسانية الأمريكية والغربية. هذا هو الغرب .. وهذه هي انسانيته التي يتباهى بها: انسانية  تلتزم صمت الأموات حيال موت الأطفال جوعا وقتل النساء بالقنابل وتشريد الشيوخ من ديارهم  وتركهم  في العراء يكابدون أوصاب المرض والجوع  ولوعة فراق الأوطان قسرا.

فلك الله يا مدينة الفلوجة.. يا مدينة:

نهجت  بمنهاج الفخار فخلدت              عزا لها يبقى إلى أجيالها "

بخصالها يزهو الزمان سنا غدا              يزهو الزمان سنا غدا بخصالها.  

 

مؤشرات  وقرائن الفقر في موريتانيا..

هناك، كما هو معلوم، مؤشرات وقرائن يعتمدها الخبراء لقياس درجات الأزمات الاقتصادية، على المستويين، الوطني والعالمي. ومهما كانت درجة الدقة  في تلك القرائن، فإنها تبقى نسبية، ومتفاوتة من دولة لأخرى، تبعا لحجم السكان وانتشارهم على خريطة البلد، ومساحة الخريطة نفسها. وأشياء من هذا القبيل، يعرفها الاقتصاديون والمتخصصون. وبكل تأكيد أنها غير ناجعة تماما في موريتانيا. ولذلك أسباب آنتروبولوجية واجتماعية ونفسية وثقافية خاصة جدا بطبيعة تكوين الانسان الموريتاني.  ومن بين تلك الأسباب ، التي لا تأتي ضمن تقارير الخبراء، نذكر أن موريتانيا ، كدولة، عصية على التحديد والضبط  قياسا على معايير تصنيف الدول. إذ لا يكفي وجود شعب وإقليم  وسلطة لكي توجد دولة.  فإذا صدق هذا التعريف في شعوب أخرى ، فإنه غير كذلك بالنسبة للموريتانيين، المعاصرين على الأقل. ومن هنا، تبدو الدولة الموريتانية  عصرية من جهة ارتباطها بالمواثيق والأعراف الدولية. غير أنها ، من جهة أخرى، غير خاضعة ، في داخلها، لأي معيار للدولة. ولنأخذ، مثلا، معايير قياس معدل الفقر بين السكان. فهو لا يمكن قياسه بمعيار القوة الشرائية للمواطنين، ولا بمعدل نسب الادخار بين الأفراد، ولا بعلاقة العرض والطلب في الأسواق، ولا بارتفاع معدلات الإيجار، ولا  بارتفاع مستوى المعيشة، ولا بنسبة  البنوك الوطنية. وغيره. فكل هذا يفقد مفعوله حين يتعلق الأمر بموريتانيا. فلأن الفقر، عند أوساط عريضة من المواطنين يساوي المسبة والدونية، فقد ينفق الفقير المدقع كلما لديه ، في ليلة واحدة أو يوم، ليغطي على فقره أمام آخرين، وليعطي انطباعا بأنه أغنى الأغنياء. والغني قد يبلغ به البخل حتى يمسك عن عياله الحد الأدنى مما تتطلبه الحياة ، حرصا على المال. وقد يسجل بعض الناس من الأثرياء أسماءهم ضمن لوائح المحتاجين لينال قسطا من معونات اجتماعية. وقد يفرق ممتلكاته العقارية بين أبنائه الأطفال ليتمكن من مخادعة سلطة الضرائب. والسوق قد تظهر تعج بأنواع البضائع والسلع ، وهذا، أيضا، لا يعني شيئا. فتلك البضائع والسلع قد تعود لشخص واحد ، أو حفنة من الأفراد الذين يمتلكون ، فعليا، قوة الاحتكار في ظل اقتصاد السوق، بتواطؤ من السلطات. ورجال الأعمال قد يخبؤون كتلا ضخمة من العملات الوطنية والدولية في صناديق بمنازلهم، بينما صناديق الادخار خاوية.  والفقراء قد يقدمون على الإيجار الغالي ، دون تعويل على دخل ثابت، بينما يعولون على الهروب من سداد تراكم متأخرات الايجار، تحت جنح الليل، في غياب قانون ينظم هذا القطاع.  وكثرة النشاط العمراني، هي الأخرى، ليست قرينة إيجابية، اقتصاديا. فالعقارات كلها ، تداول، بين قلة من رجال الأعمال وسراق المال العام، وقليل منها يعود لبعض أفراد الجالية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وآنغولا.  وبالتالي يظل إيجار الدور السكنية مرتفعا جدا قياسا لدخل الأفراد ونوعية المساكن وتموقعها  في العاصمة ، خاصة، نظرا لغياب المنافسة  وغياب سياسة اسكان، بالنسبة للدولة. هذه مجرد أمثلة ، في حياتنا العادية، على منافاة سلوك الأفراد وعمل الدولة، في موريتانيا، للدولة في العالم.  إنما نقترحه لقياس الوضع الاقتصادي  في بلادنا، هو مدى انتشار ظاهرة التسول بين المواطنين. فحين تنتشر البطالة ويسود الفقر  تنتشر ظاهرة التسول بشكل كبير، لتصل شرائح اجتماعية كانت تحجم عنه  لاعتبارات نفسية وثقافية وتاريخية. أما القرينة الثانية ، فتتمثل في انتشار السرقة وعصابات السطو. فكلما ساءت الأوضاع الاقتصادية ، ظهرت هذه العصابات بشكل مروع ، وظهرت فيها كل الشرائح الاجتماعية ، بل قد يوجد من بينها أفراد من الشرطة والجيش...وتأتي القرينة الثالثة لقياس سوء الأحوال في إقدام الأسر الموريتانية على بيع مقتنياتها ، مثل أسرة بيوت النوم، وجهاز التلفاز المنزلي، والهواتف الشخصية، وحلي النساء، وشياه الحضر  ( اكويرات...). إذ من الصعب ، نفسيا أن يبيع الموريتاني مقتنياته  إلا تحت ضغط الحاجة المفرطة، لأن ذلك يفضح فقره للناس. أما القرينة الرابعة  في تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، فهي  التزايد الكبير في المشاة  بدلا من التنقل في سيارات الأجرة، فالإنسان الموريتاني ، بطبعه، ميال للراحة وبغض المشي على الأقدام. والأسوأ من ذلك عودة الموريتانيين   للتنقل بكثافة في تلك الباصات المتهالكة ، التي كادت أن تختفي من المشهد لولا التردي الأخير لأوضاع الناس. وأخيرا، وليس آخرا، فإن انتشار الدجل بين المواطنين وكثرة البيوتات التي يمارس  فيها هذا الدجل، بدءا من " الرقية" وضرب الرمل وقراءة الكف، جهارا نهارا، وتزايد اعتقاد الناس في هذه  الممارسات  الخرافية، يدل على  التدني النفسي والعصبي للأفراد، جراء الضغوط الاقتصادية، التي تقود للإيمان بمثل تلك الخرافات  والتهويمات... 

 

متى كانت أدوات الاحتلال .. أدواتا لمحاربة الفساد..؟

حين يأتي الاحتلال، في نسخه جميعا، إلى شعب من الشعوب يبادر إلى وضع خطة لاستغلال أدواته الاستغلال الأنسب، طبقا لدرجة القوة المقاومة التي تواجهه. فيوزع الأدوار بين تلك الأدوات كما يوزع بينها زمن وجوده، بهدف إلحاق الإعياء بقوى المقاومة وزرع اليأس في الشعب ، الذي يتفاجأ في كل فترة بأسلوب جديد وأوجه جديدة. ومن أخطر تلك الأدوات هي تلك الشخصيات التي يكلفها الاحتلال بهامش  " محسوب" من المقاومة والمواجهة الشعاراتية ، التي تصل في بعض الأحيان مستوى ( التصادم) مع جيش الاحتلال أو عملائه المباشرين . وكثيرا ما تكون هذه الشخصيات ، الذخيرة المخفية، معروفة لدى الجيوش المحتلة، فيعتمدونها من ضمن الأشخاص الذين يحظون ، تاريخيا، برصيد "روحي" أو " سياسي" أو " ثقافي" أو " مرجعي"  يجعلهم في أذهان العامة فوق الشبهة .وبالتالي تتمتع بقوة شعبية في وسعها استخدامها في تلبيس المشهد على الشعب وإضفاء مزيد من التعقيد على تضاعيف الواقع.  فيتفسخ الشعب ، الذي، هو، حاضنة الفعل المقاوم على نفسه ويدخل في وضع استنزاف بيني للجهود ، مما يتيح للاحتلال أو رموزه المعلنين إعادة ترتيب المشهد وكسب الوقت للإمعان في سياساتهم التحطيمية ، التي هي رسالة التكليف من المحتل، لقاء تمكينهم من نهب ثروات الشعوب وإبادة أحرارها. وهذه اللعبة تشبه وضعية جيش الأسود الذي يقوده قرد في جلد أسد. ومن الطريف أن هذه الأدوات " الخفية" تؤشر إلى وصول الاحتلال لآخر ذخيرة في كنانة العملاء.. فعندما يلجأ إليها ، فهذا مؤشر على اتساع مساحة الرفض الشعبي لأدواته وانكشاف أغلب أساليبه وفشل سياساته. إذ أن هذه الأدوات كلما بقيت خارج نطاق المشهد ، كلما دل ذلك على احتفاظ المحتل  بخزينه الاستراتيجي ، من العملاء السريين، لأطول أمد.  إن هذا ما عانينا منه ، نحن الموريتانيون، إلى الآن. فالاستعمار الفرنسي تمكن من الخروج من موريتانيا بشكل مرتب ومنظم على نحو مكنه من الاحتفاظ بكل ذخيرته السرية من العملاء، خصوصا من الوجهاء والشيوخ والأمراء والمشايخ، وغيره من العناوين ورموز المجتمع  التي لا تطالها الشبهات.  فتلك الذخيرة الخطيرة ، هي التي تكمل ، على أغلب وجه، مشروعه من بعده، دون أن تنكشف على حقيقتها، مثلما خدمت وجوده المباشر ، من خلف الستار. فكم من شخصيات " روحية" و " أميرية" و من " الأولياء والصالحين" التي تعاملت مع المستعمر الفرنسي  وخدمته  على ما رضي منها، وظلت في منآى عن انفضاح دورها، بخلاف ما حصل من انفضاح لدور آخرين من الزعامات والأعيان الذين جاهروا بخدمة المستعمر. ونصيحتنا للشعب العراقي والسوري ألا يغتروا بجعجعات تلك الشخصيات . وقياس تمييزها عن الشخصيات الوطنية المقاومة في منتهى السهولة. فعملاء المحتل لا بد أن يكونوا مستفيدين من وضع الاحتلال أو الاستعمار، على نحو ما: إما أن لهم اتباعا في أولياء الأمر المنصبين من المحتل، أو أنهم يتلقون  هدايا من شخصيات تابعة للمحتل،  أو أنه يسمح لهم بالتدخل لحل مشاكل من صنع المحتل أو من أزلامه، وغير ذلك من التسهيلات  التي تلبس لبوس الزعامة والوطنية ، ضمن لعبة مسرحية. فما زلنا في موريتانيا نشيد بقوة  بعض عملاء الفرنسيين في فترة الاستعمار، لغياب الوعي بخطورة هذه اللعبة. فمثل هذه الشخصيات في أي شعب، تحت الاحتلال أو تحت  حكومات عملائه، لن تخرج عن الدور المضلل المرسوم لها، سلفا. وبالتالي لن تكون رأس جسر لأي إصلاح أو تغيير، مهما  تظاهرت به من غضب  ومن زبد، ومهما أبدا رموز الاحتلال من انزعاج منها، أو ما تصنعوا به من خشية من حركاتها البهلوانية. إنهم أدرى الناس بها وبما تقوم به. فمن رضي أن يكون إفرازا من إفرازات المحتل المنتنة ، أول مرة، واستطاب أن يأكل من حصاده واحتكم لدستوره المشوه ، لن يستطيع أن يكون رائدا للثورة ضد أسياده ، الذين أنبتوا لحم أكتافه. فالفحمة تبقى أبد الدهر على سوادها ، لأن السواد جوهر لها، وليس صفة طارئة عليها. فالعميل يبقى عميلا، على أي نحو تمظهر. 

 

لماذا البعث.. وما ذا خسر العالم بغيابه..؟

هي.. هذه الدنيا تشهد بتدهور أحوال العالم بعد ما جرى احتلال العراق وتم تدميره على أيدي أشد المجرمين  فتكا ووحشية.. فهذه الدنيا تغلي بالحروب والأزمات ونزوح الشعوب ودماء الأطفال ودموع النساء المتفجرة ، أنهارا وبحارا، على كافة خريطة العالم. فهل كانت عصابة الضباع الأمريكية التي تسببت في هذا الجحيم العالمي على دراية أن احتلالها للعراق سيقود إلى مثل هذه الأوضاع العالمية ؟..إن أغلب الظن أن الأمريكيين ، لافتقارهم للحضارة وجهلهم بالتاريخ ، لم يكونوا يتصورون أن احتلال هذا البلد ، الذي نشأت فيه وانطلقت منه أولى المنجزات  البشرية، سيؤدي  إلى هذه الحرائق التي خرجت عن سيطرة الجميع.  أما بالنسبة للعرب ، فإن غياب البعث  عن واجهة المشهد القومي في تعاطيه مع الأحداث الدولية، قاد إلى تفكك أغلب الأقطار ؛ وهو يهدد باقي أقطار الأمة، جراء غياب البعث ودولته في العراق ، اللذين كانا يشكلان حماية قومية حصينة لتلك الأقطار في الخليج من التمدد الصفوي المجاور ، وشكلا  سترا واقيا للأقطار الأخرى، حتى في موريتانيا ، في أقصى نقطة في المغرب العربي. والأحداث في 1989، أكبر شاهد على حماية دولة البعث في العراق  لموريتانيا من المؤامرة الفرنسية الكبرى، يومئذ. أما اليوم، فهذه سوريا – الأسد، التي اشتركت في جميع المؤامرات الدولية والاقليمية ، سرا وعلانية، ضد البعث ودولته في العراق، ها هي تتقاذفها الحروب الطائفية والقوى الدولية ، وتلك جمهورية مصر العربية، التي اختطفتها لوبيات  أمريكا ، تتعاطاها مجاميع الإرهاب ، من يد ليد، ومن غيبوبة استراتيجية  لغيبوبة أخرى. وتلك ليبيا استبيحت وحطم شعبها وأعيد إلى شراذم قبلية  تخوض صراعات دموية   لا تبقي ولا تذر، بكل العناوين العبثية. أما الأردن  فيعيش بين فكي رحى الكيان الصهيوني  وإيران الفارسية ، التي تتحكم ، بعملائها وميلشياتها في العراق، دون سند ولا نصير.  وسلطنة عمان  خرجت عن المركب العربي، طلبا للنجاة. وهذا السودان، شأنه شأن اليمن السعيد، يلعق جراح التفكك المتواصل وحروب الاستنزاف البينية. أما الصومال فقد نسيها العالم في غياهب الدمار.  وفيما يدفع الشعب العربي الثمن الثقيل والباهظ لغياب البعث ودولته في المشرق العربي ، وفي مصر وليبيا والقرن الافريقي، فإن بقية دول المغرب العربي تواجه ذات الأخطار ، منذ 2003. فشعوب هذه الأقطار يتهددها التبعثر الاثني والفئوي ، وتتجذر فيها أمزجة التنافر ويعلو فيها منطق التدابر بفعل غياب الخطاب القومي العقلاني ، الوحدوي والمتنور، الذي تميز به حزب البعث ، فكان حزب الجميع وحزب الدولة الوطنية القائمة على أسس المواطنة والتفاعل والارتقاء على الانتماءات الفئوية والقبلية والمناطقية والمذهبية، التي تحولت إلى بلوى لا علاج لها، بعد تآمر الجميع على البعث مع أمريكا وعملائها. أما أقطار الخليج العربي ، في الآن تقف مكشوفة ، من جهاتها الأربع، في وجه عاصفة التفريس القسري لشعوبها ، مدعومة ، في ذلك، من " الحليف الاستراتيجي الأمريكي" الذي لطالما تغزلنا به. فهذه الدول فرضت عليها الحرب من إيران ، في الزمان والمكان، اللذين لا يتمناه قادة تلك الدول. والاعلام الأمريكي بل حتى المسؤولون ، بكل وقاحة، يحملون المملكة العربية السعودية  المسؤولية  في اضطراب الأوضاع في الخليج العربي، فيما يعيد للذاكرة  وقوف الغرب  مع إيران  في حربها على العراق، في ثمانينيات القرن الماضي، وتحميل الرئيس الشهيد صدام حسين  المسؤولية في افتعال الحرب معها برغم وضوح المبتدئ بالحرب. فما أشبه الليلة  بالبارحة. وبالتأكيد أن نخب الخليج العربي الآن تستحضر تلك الحقبة التي كان جيش القادسية الثانية يدفع فيها جحافل الفرس ، مهزومة، على أدبارها. لا نستذكر ذلك من باب التشفي بأشقائنا، معاذ الله؛ بل  لإعادة أجزاء الصورة المبعثرة بقسوة المشهد في أذهان كثيرين، ولنرتب عليها شيئا بدهيا أصلا، وهو أن   الوقائع الدولية ومشاهد الآلام التي تحل بنا تؤكد أن الوحدة القومية، بغض النظر عن درجتها وصيغتها، بين أقطار الأمة هي الوسيلة الأوحد، لها، للنجاة من خطط الاندثار والافناء التي تحيكها أغلب القوى الدولية ضدها، وأن البعث  مفتاح القبة . فهل من مدكر؟.. 

 

اجتماع قادة أركان الجيوش في الدول الاسلامية..

 

يجتمع  قادة اركان جيوش العالم الاسلامي في المملكة العربية السعودية لبحث التوصل إلى استراتيجية موحدة لمكافحة التطرف  في العالم. أو على الأقل ، هذا  ما يتناوله الإعلام في هذا الموضوع. وحسنا فعل قادة هذه الدول باجتماعهم للنقاش والتدبر في أمر الرعب الذي بات سيد المشهد في العالم.  إذ لا بد للمسلمين  من توقف مع النفس ليحددوا حجم ونوع  المساهمة التي بوسعهم تقديمها للعالم لوضع حد لتوسع ظاهرة الترويع المعبر عنها ، في الأدبيات السياسية الغربية، بالإرهاب.  ولكن الأحسن قبل ذلك أن يجتمع قادة العالم الاسلامي ، منذ وقت بعيد، ليقوي بعضهم بعضا ويدافع بعضهم عن بعض، وليدركوا أنهم قوة عالمية هائلة في هذا العالم ، إذا ما وضعوا الثقة في أنفسهم  وفي شعوبهم وجيوشهم، وليسوا قطع شطرنج  في أيدي القوى الغربية  التي تضرب بعضهم ببعض، وتستقوي بإمكانياتهم الهائلة لاحتلال بعضهم وتدميره، وهم ينظرون كالخراف  الخائفة.  ولكم نادت الشعوب  على قادتها منذ آماد بعيدة ليتركوا عنهم التبعية  للغرب وليبتغوا العزة في أنفسهم، بعد الله، وفي مقدرات هذه الكتلة العظيمة من العالم. فأكثر من مليار من البشر ، لا يمكن أن يهان بسبب ضعف موضوعي ، بل الأصح أن الضعف  مستقر في نفوس قادته . فحين يطلب المرء موانع تحول هذا التكتل البشري  إلى قوة ضاربة في الأرض، لا يجد مانعا موضوعيا وإنما  كل موانعه  تتمثل في تراكم من حالات الضعف النفسي المخيمة في صدر كل حاكم من حكام المسلمين. فحقيقة العالم الاسلامي أنه فضاء متعدد ومتنوع  في القدرات المادية، كما أنه حظي بعامل فريد  للتحريض على التوحد. فالإسلام ، الذي يقبل التعدد والاختلاف، يشدد على رابطة الوحدة في الجوهر. فبرغم امكانية الاختلاف في صياغة والتعبير عن هذه الوحدة ، فإن الجوهر يبقى واحدا. وكان من السهل ، للغاية، على حكام العالم الإسلامي أن يؤسسوا تحالفا  بين دولهم ، هو في ذات الوقت شاهد على تمايزهم  وتعددهم . فيكون جوهر التحالف هو الدفاع  والتعاون فيما بين دوله، والإسهام ، بذلك، في رقي الانسانية ، بينما يكون التعدد ماثلا في واقع الدول  وتنوع خياراتها  وخصوصياتها . فيما يشبه تعدد الأعراض إزاء وحدة  الجوهر في ثنائية الوجود.  فكيف اهتدى الأوروبيون لهذا العمل، وغاب عن المسلمين، الذين يجدون الوحدة ، على اختلاف درجاتها وتدرجها، في كل شيء من الإسلام، بدءا من وحدة القبلة  مع الاختلاف في زوايا المكان، ومن فريضة الحج مع الاختلاف في أمكنة الإحرام، ومن الصيام ، مع الاختلاف في ثبوت الهلال ، وفي الزكاة مع التفاوت في النسب والمقادير ومواقيت تأديتها، بين فرد وفرد تبعا لمرور الحول. المهم أنه في كل فرض من هذه الأركان توجد الوحدة والاختلاف. والأعظم من كل هذا أن كل هذه العبادات ، على ما تتضمن من وحدة واختلاف، محكومة بمبدأ  التوحيد.  وإذا تحررنا من هذا التأصيل الفلسفي أو العقدي، فإن وقائع العالم وأحداثه  كانت دائما تدعو ليتأمل المسلمون  في مصير العالم  وفي مستقبلهم، هم أنفسهم. فالولايات المتحدة الأمريكية ، ما كان لها أن تكون بهذه القوة والتجبر لولا تمكنها من تأسيس حلف شمال الأطلسي ، الذي يضم اغلب الشعوب التي تتقاسم معها ذات القيم ؛ وكذلك الاتحاد السوفيتي السابق،