حنانيك أمتنا !

مسكينة أنت -أمتنا- مكلومةُ المشاعر، نازفة الجراحات، ثكلى الفلذات، كل الأمهات يخلِّدن “عيد الأم” إلا أنت !

لا ورود -أماه- نقدمها هدية عيد لك، فالبساتين و الحدائق تحولت إلى ثكنات و نحن أصبحنا رماةً و كماةً في الميدان و على طول الجبهات الداخلية الساخنة، في ألوية القتل و التدمير و كتائب التصفية على الهوية لا عاطفة عندنا -أماه – دافئة، لا حناناً لا لطفا لا عطفاً و لا وقتاً !

 

قسّمناك إلى كانتونات نمارس عليها هواية الرماية و الصيد و الذبح و السلح و السلخ و الأسر و السبي، نكفُِّرُ و نفجِّر، ندمّر ونهجِّر ! أما شريعتك المنهاج الوهَّاج فتجاوزناها إلى شرائع غابٍ تقاسمناها تحاصصاً بالتطفيف و الحيف .

 

فصلنا الدين عن الدولة و الدولة عن الدين متخطِّين سقف ” الظلمانية” و “العلمانية” على حدٍ سواء، و فصلنا الإثنين معاً عن الجغرافيا والتاريخ وكل المقررات التربوية !

 

أجلسنا ” الرُّويبضات ” على المنابر و على كراسي الإفتاء يشحذون لنا السكاكين لنقدم لهم الأبرياء القرابين، شوهنا الدين مورفولوجياً و عدَّلناه جينياًّ ليكون لنا “بعيون زرْقٍ و سحنةٍ شقراء”، فيصادفَ هوى العصر الجامح المتفلِّت ومزاج الموضة التائهة المجنونة !

 

برزت فينا -دينياًّ – قوة ناعمة تستثمر فكراً يعمل على ترويض الأحكام تذليلا و تطويعاً من خلال آليات مختلفة:

– تليين مفاصلها .

– تدوير زواياها .

– الرفع من كفاءة “نفوذيتها المسامِّية “.

 

اختصّ “بالمقاصديَّة” و شحنها بحثاً و دراسةً، لتصبح ماركة مسجلةً لخطاباته الشرعيَّة و توجهاته السياسيَّة، تدرُّجاً من تمطيط المقاصد الكبرى إلى انتقائيتها فاختزالها في مقصد دنيوي وحيد هو رفاهية المجتمعات !

 

و لأن الرفاهية قيمة جاذبة لقطاع كبير من الناس وجدت لها صدىً مقبولا لدى جمهور عريض استهوته بخفض سقف التكليف الشرعي و تقليص حزمة المحرمات و توسيع دائرة المباحات، بدأت الرحلة من تنزيل نوازل الواقع على الأحكام و تفصيل الأخيرة على مقاسات الأولى في ما عرف ” بفقه الواقع “، والذي تطور بحكم نسق الحياة المكثف و إيقاعها المتسارع المنفتح على جميع الثقافات و الأديان، إلى نسخته المحدَّثة “فقه المآلات” بموازاة التوجه إلى المعاملة المصرفية و الاقتصاد الليبرالي، باعتبارهما وجهةً مغريَّة للسلطان و أهل الدثور و الشباب الحالم بوضع مادي أفضلَ لنري بأم العين، تأميناً إسلامياً و احتكاراً إسلامياً ومراباةً إسلاميةً وبنوكاً إسلاميةً، ونرجو ألاَّ نرى خمرا إسلاميةً و لا لحومٓ خنزير إسلامية و لا سفاحاً إسلامياً، و ألاَّ تتحول الشريعة إلى مجرد مسودة مشروع قانون في أكبر عملية تحريف يشهدها تاريخ هذا الدين، و ألاَّ يُتواصلَ تغيير قواعد ووجهةِ “فقه الجهاد” واستخدامه كسلاح غدر وردع في الداخل !

 

وختاما نتمنى التخلي عن فتح ثغور الأمة لكل هابٍّ و دابٍّ !.