تطالعك هذه الأيام في المشهد السياسي والإعلامي الوطنين نقاشات صريحة وضمنية أحيانا أخرى تتعلق بالمأمورية الرئاسية القادمة، وهل الدستور الموريتاني يسمح للمرشح الواحد بأكثر من مأموريتين، وتتباين ردود الأفعال في المشهد السياسي حول الموضوع وتتباين الآراء.
والمتأمل لهذا الجدل الفاحص لخلفياته وأسبابه يلاحظ وجود تيارين متناقضين:
- تيار يرى أن التجديد للرئيس محمد ولد عبد العزيز أمر مخالف للدستور والوعود والقيم الجمهورية، وهو تيار- كما يبدو- متمسك بحرفية القانون، وتمثله المعارضة المقاطعة التي تسعى للتخلص من قيادة ولد عبد العزيز بهذه الطريقة بعد أن عجزت عن ذلك بالطرق العادية.
- تيار يرى أن التفكير الجاد في التجديد للرئيس محمد ولد عبد العزيز أمر منطقي ومقبول انطلاقا من مصالح الأمة؛ ذلك أن عهد الرئيس محمد ولد عزيز قد حقق كثيرا من طموحات هذا الشعب في زمن قياسي، وفي وقت تشتد فيه الأزمات العربية والدولية .. و يمثله الحزب الحاكم والمعارضة الموالية وكثير من الحياديين من أبناء هذا الشعب.
والحقيقة أن الدستور قانون منظم لحياة المجتمع وكافل لحرياتها العامة يجب احترامه واتباع قواعده، ولكنه مع ذلك ليس قرآنا لا يمكن تغييره ولا تبديل بعض فقراته كلما كان ذلك لصالح حياة الناس وتحقيق مصالحهم.
إنني أعتقد أن مراجعة مواد الدستور بغية تجويدها وملاءمتها مع مصالح الناس أمر مطلوب، لا يعد المطالب به مرتكبا جرما أخلاقيا أو سياسيا...، كما أعتقد أن إحلال رئيس مكان آخر أو حزب سياسي مكان حزب آخر ليس غاية في حد ذاته، وإنما الغاية الكبرى هي أن يحقق الرئيس المنتخب أهداف الشعب وغاياته الكبرى، ولا ضير في أن يحكم رئيس أو أمير أو ملك حياته كلها مادام يحقق الاستقرار والتنمية والعدل ويسوس الرعية بحكمة ونزاهة، ويعمل على تأسيس المؤسسات وتوطيد أركان الدولة، فتصبح دولة مؤسسات لا دولة أشخاص ينقض كل منهم غزل سابقه، ويعمل على تبديد الجهود والخطط السابقة والتي أنفقت فيها الأمة المال والجهد.
إننا بحاجة إلى أن نتعاطى السياسة بعقلانية تبتعد عن العواطف والمصالح الضيقة ونركن إلى النقاش العلمي العقلاني الهادف، وعلينا أن ندرك أن الشعب الموريتاني يعرف من أين تؤكل الكتف، وعلى ساستنا أن يعرفوا أنهم لا يفكرون نيابة عن هذا الشعب، فهذا الشعب سيقول كلمته الفصل عندما يستشار في تغيير هذه المادة أو تلك من دستورنا؛ لأنه هو من صوت عليه، وهو القادر على تغييره أو تثبيته، وفي النهاية سيصوت الشعب لمصلحة الشعب، وليس لمصلحة هذا الحزب أو ذاك، فالشعب مدرك أن رؤية هذا الحزب أو ذاك قد تقترب أو تبتعد أو تتعارض أحيانا مع مصالحة؛ لذلك سيصوت للحزب الذي يرى أن رؤيته أقرب إليه، وأكثر تحقيقا لمطالبه.
وأخيرا ألا يحق للمفكرين والساسة في هذا البلد أن يطرحوا أفكارهم ورآهم السياسية والفكرية في تدبير الشأن العام راقت لهذا الاتجاه أو ذاك أو لم ترق له؟ أليس ذلك هو الديمقراطية عينها؟ ألا يحق لمنتسبي الحزب الحاكم في أي بقعة من بقاع العالم أن يطرحوا بعض الأفكار والقضايا المتعلقة بوطنهم؟ مثلما يطرح المعارضون في بلادنا رؤاهم في كل المناسبات إلى حد تسييس التعازي! إننا بحاجة إلى أن نتعلم أصول الحوار المتمدن المبني على دفع الفكرة بالأخرى تبعا للآليات التي أقرتها أبجديات الفكر ومنطق العقل.