"شبيكو" تحكم الموريتانيين وتخنقهم

خميس, 03/24/2016 - 10:06

انتشرت ظاهرة الاقتراض في موريتانيا بشكل كبير بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع نفقات الأسر. وتعددت طرق الاستدانة وباتت أسلوباً لاستثمار المال وجني الأرباح بالنسبة لكثيرين. ويستغل مرابون معروفون بتشغيل عملية يطلق عليها اسم "شبيكو" مآسي من يضطرون إلى اللجوء إليهم. 

أخذت هذه الظاهرة اسمها من طريقة عملها القائمة على الشبكة، أي شبكة الديون المتراكمة وكيفية تحصيلها. وتقوم على تقديم دين للضحية الذي تدرس الشبكة وضعه الاجتماعي والاقتصادي جيداً قبل الموافقة على المبلغ الذي يحتاج إليه، مقابل صك مصرفي بضعفي المبلغ. وفي حال عجز الشخص عن الدفع في الوقت المحدد، يعرض المرابي تأجيل الدفع ثلاثة أشهر مقابل مضاعفة المبلغ الإجمالي. وحين يعجز مجدداً يتضاعف المبلغ مرة أخرى مقابل تأجيل الدفع شهرين. ويتضاعف المبلغ للمرة الأخيرة مقابل تأجيل الدفع لشهر واحد. حينها يكون الشخص مهدداً في حال عدم إيفاء الدين بالسجن وضياع مستقبله الوظيفي. 

لا تقبل شبكات "شبيكو" إقراض أيّ كان، بل الأشخاص الذين يحظون بدعم عائلي وقبلي يمكن أن يساعد في تحصيل الدين المستحق إذا عجز الضحية عن الدفع في الوقت المناسب. يعرض المرابي على الضحية جمع المال من أهله وقبيلته أو التقدم بشكوى للشرطة، فلا يجد الضحية إلاّ أصدقاءه المقربين الذين يدعون العائلة والقبيلة إلى المساهمة في إنقاذ الضحية من السجن. 

سعيد ولد احيميم (34 عاماً، موظف في القطاع العام) أحد ضحايا ظاهرة "شبيكو". وقع تحت وطأة سلسلة من الديون بدأت بمبلغ بسيط وانتهت بمبلغ كبير جداً لجأ إلى العائلة والمعارف من أجل جمعه طوال أسبوعين ليتمكن من سداده. يقول: "عانيت من ظروف صعبة دفعتني إلى الاقتراض لسد حاجة ضرورية. اخترت أحد تجار شبيكو الذي لطالما عرض عليّ إقراضي المال إذا احتجت اليه وفق شروطي الخاصة، وهي السرية وتمديد أجل السداد إذا لم أتمكن من الدفع في الوقت المحدد.. لكنه لم يحترم شروطي وبدأ يطالبني بالدين والفوائد بعد فترة قصيرة. كما أرسل أشخاصاً لتهديدي وإقناعي بمضاعفة المبلغ بحسب متوالية هندسية (1- 2- 4- 8...) مقابل الاستمرار في الدين، حتى بات المبلغ الإجمالي يفوق إمكانياتي لسداده فبدأ يهددني بالسجن". 

انقلبت حياة سعيد رأساً على عقب، وباع كلّ ما يملك للحصول على سبعة ملايين أوقية (22 ألفاً و400 دولار أميركي) وهو مبلغ يقارب المبلغ الأصلي الذي اقترضه من المرابي. فعرضه عليه مقابل التنازل عن الفوائد، لكنّ التاجر رفض. فعرض عليه سعيد مجدداً تسديد المبلغ الأصلي ثم بعد شهرين يدفع له ثلث الفوائد أي نحو أربعة ملايين أوقية (12 ألفاً و800 دولار) مقابل التنازل عن باقي الفوائد. لكنّ المرابي رفض مجدداً أيّ اقتراح لا يضمن له استخلاص الدين والفوائد معاً في اقرب وقت. 

يقول سعيد لـ"العربي الجديد": "لجأت الى العائلة والقبيلة لتسديد الدين كاملاً مع الفوائد المتراكمة. كانت تجربة صعبة لولا التكافل العائلي الذي يميز بعض شرائح مجتمعنا لكنت اليوم سجيناً وعائلتي مشردة". 

استأثرت ظاهرة "شبيكو" باهتمام الموريتانيين وانتشرت بشكل كبير في الأسر الشابة التي تلجأ الى الاستدانة. لكنّها تسببت في انهيار الكثير من العلاقات الاجتماعية، وفتحت المجال أمام عمليات النصب والاحتيال ما أدى الى إفقار الأسر وسجن الكثير من رجال الأعمال والموظفين. 

يحترف معظم المرابين هؤلاء اقتناص الضحايا. حتى أنّ بعضهم لم يعد يكتفي بانتظار الضحايا بل بات يبحث بنفسه عن أبناء العائلات الكبيرة لإقناعهم بديون ميسّرة كحلّ لأزماتهم المالية. 
في هذا الإطار، يقول الباحث الاجتماعي سيد أحمد ولد الناجي إنّ الظاهرة بدأت قبل أربع سنوات في موريتانيا "وتحولت في هذه الفترة إلى كارثة اقتصادية واجتماعية". يؤكد: "هناك عائلات باعت كلّ ما تملك من أجل إنقاذ سمعتها ومنع دخول أبنائها إلى السجن. كما باع متقاعدون منازلهم. وآخرون وهبوا كل ممتلكاتهم ومدخراتهم لتسديد ديون شبيكو". 

يدعو الباحث الى معالجة ظاهرة إقبال الموريتانيين على الديون بالدرجة الأولى، ثم معاقبة كل من يثبت تورطه في ديون "شبيكو" التي لم تنتهِ بالرغم من القانون الصادر حديثا الذي يجرم التعامل بها. 

وكانت وزارة العدل قد أجرت تعديلاً قانونياً يهدف إلى القضاء على الظاهرة، قضى بسجن طرفي العملية المدين والدائن، عند تقدم الأخير بطلب لاعتقال المدين الذي تعذر عليه دفع الدين المستحق.

 

المصدر: العربي الجديد