يبرز دور المعارضة وأهمية حضورها عند مرور الوطن ببعض المنعطفات السياسية التي تؤشر على وجود بعض المخاطر أو التداعيات السلبية ، كيفما كان نوعها ، وتمثل المعارضة إمكانية التناوب السياسي ، وتمكن الناخبين من الاختيار بين برامج متعددة ، وتدافع عن المبادئ الأساسية للديمقراطية والحريات العامة ، وتساهم في التعددية السياسية التي تعتبر من أسس الديمقراطية ، ومن مسئولياتها كشف النواقص والسلبيات ، إلى جانب دور الاحتجاج والنقد و الاعتراض ، والوقوف بالمرصاد لإدانة التجاوزات ، كما أنعلي المعارضة أيضا المشاركة بجدية في تقديم الحلول الملموسة ، والمقترحات البديلة التي يمكن أن تخدم الوطن والمواطنين .
لذلك فمن بديهيات العلوم السياسية أن لا معنى للحديث عن الديمقراطية ، وعن العمل السياسي المنظم والشفاف من دون أن تتاح الفرصة كاملة للمعارضة بأن تلعب دورها في العملية السياسية ، وفي صلب هذا الدور تأتي أهمية التحركات الأخيرة لكافة الفرقاء في الساحة السياسية في بلادنا ، ومراقبة تطورات ذلك المشهد السياسي عن كثب .
ومن هنا فإن بعض المحللين يرى أن المهرجانات الأخيرة للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ـ رغم أهميتها القصوى ـ كانت مشوهة بصفة عامة ، وتعكس مدى الفرقة والقطيعة بين مكونات هذا المنتدى الذي لم يؤازر بعضه بعضا ، حيث انفصمت عرى التعاون بين أهم أحزاب المنتدى ، لذلك وجدنا أن حزب تكتل القوى الديمقراطية أبرز المؤسسين الحقيقيين للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ، والمهندس الأساسي لوثيقة ممهدات منتدي المعارضة للدخول في الحوار مع النظام ، قد عقد بمفرده مهرجانا حاشدا أطلق عليه اسم " الوفاء والصمود " يوم : 24 فبراير 2016 ، في ساحة ابن عباس وسط العاصمة ، أكد فيه على تمسكه بمبدأ معارضة نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ، ومع ذلك امتنع هذا الحزب من المشاركة أو المساهمة في أي مهرجان للمنتدى في العاصمة أو في أي مدينة اخرى من الوطن ، بعد أن أصر هذا الحزب إلى جانب طلائع قوى التغيير الديمقراطي ، والاتحاد الوطني للتناوب الديمقراطي ، على رفض الاجتماع الذي عقده وفد المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ، مع وفد النظام يوم الأربعاء : 2 / 12 / 2015، قبل استجابة الحكومة لشرط الرد المكتوب ، الذي اشترطه المنتدى في وقت سابق ، حيث أكدت هذه الأحزاب الممانعة الثلاث وقتها ، أن لقاء ولد بوحبيني بالحكومة لا يمثل رأي المنتدى بالإجماع ، ونبهت إلى أن المادة رقم 13 من الميثاق التنظيمي للمنتدى، تنص على أن قراراته لا تؤخذ إلا بالاجماع ، دون أن تضع في الحسبان أن الطرف الآخر مكون من 3 أقطاب ، و15 حزبا من القطب السياسي للمنتدى .
وبما أن الحكومة الموريتانية تدرك أكثر من غيرها حقيقة هذه الأوضاع الصعبة والخطيرة التي يمر بها المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ، في الوقت الحاضر، فإنها سوف تكون مطمئنة إلى أن الأحزاب السياسية في المنتدى ، وخاصة ذلك الصنف الذي يطلق عليه في القاموس السياسي " أحزاب الأشخاص " ـ التي ترتبط بشخص واحد يقودها بلا منازع ، و يحدد اتجاهها ويغير مسارها ، دون خشية من أعضاء الحزب ـ ، لن تكون معارضتها جدية ، لأنها تعاني من غياب الكادر الحزبي ، والمبادئ الأيديولوجية ، والعمل التنظيمي ، مع شح الموارد المالية ، والإنشغال بالتصدعات والانقسامات الهيكلية الداخلية ، وعدم القدرةعلى التعبئة نتيجة تذبذب الخطاب ، وحداثة التجربة السياسية ، ومن ثم ضعف الإنتماء للوطن وعدم الاستعداد للتضحية وانتشار ظاهرة الأنانية .
ومع ذلك فإن الحكومة الموريتانية قد بذلت جهودا حثيثة للتقليل من أهمية المعارضة ومنتدياتها واستغلت إلى أبعد حد انقساماتها ، وذلك بوصفها سلطة تهيمن على كافة مرافق الدولة والممتلكات العامة لتشتري بها الذمم وتعاقب بواسطتها المعارضين والمخالفين لسياساتها ، بغض النظر عن مركزهم القانوني .
لذلك فليس من المستغرب أن تصدراللجنة التحضيرية لمهرجان المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة في ولاية الحوض الغربي بيانا بتاريخ : 12 /03/2016 تصف فيه ذلك المشهد بقولها : " تابعنا باهتمام و استغراب الحملة الشرسة التي تقوم بها الدولة هذه الأيام ممثلة في "الوفد الوزاري المرافق لوفد المنتدى" والسلطات الجهوية وعشرات أطر الدولة المبتعثين على نفقتها من نواكشوط ، ومن غيرها من المناطق في محاولة بائسة للوقوف في وجه تدفق الجماهير إلى مهرجان المعارضة المزمع تنظيمه في مدينة لعيون على غرار بقية المهرجانات ، تلك الحملة التي استخدمت فيها الدولة كافة إمكاناتها المادية والبشرية والسيادية مع التركيز على استخدام سلاح الترغيب والترهيب القذر، فضلا عن الاستغلال الغير قانوني والغير إنساني لحاجة السكان وفق مبدإ (السمك مقابل الولاء) " .
ومع أن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة استطاع دون شك أن يحشد لمهرجاناته في النعمة ، ولعيون ، وكيفة ، والتي نظمها تحت شعار :" نظام ينهب .. وشعب يعاني " ، فقد استطاع الوفد الحكومي أن يعقد مهرجانات خطابية موازية للفت الانتباه وتشويه المعارضة وتحجيم وتفكيك المنتدى .
إلا أن الحكومة حقيقة كان عليها أن تدرك جيدا أن أهم قنوات التطور السياسي ، وحمايته من أي ضعف ، يتمثل أساسا في وجود قوى سياسية " معارضة " تمارس عملها بحرية تامة ، وأن تقزيم دورالمعارضة يعد في الواقع تشجيعا على المواجهة والعنف ، ذلك أن المعارضة يمكن أن تكون صمام أمان ضد تحويل أي خلاف بسيط إلى صراع خطير .