تابعنا في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" -كغيرنا - قرار الرئيس محمد ولد عبد العزيز القاضي بجعل 2015 سنة للتعليم في خطابه بمناسبة الذكرى الرابعة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني، وذلك بعد مضي شهرين تقريبا من انطلاق السنة الدراسية وهو ما يوحي بمستوى كبير من الارتجالية وغياب منطق التخطيط والدراسةالمطلوب في مثل هذا النوع من القرارات.
و قد جاء هذا القرار بعد تصريح الرئيس نفسه في أكثر من مناسبة بفشل السياسات المتبعة في مجال التعليم، وبعد سنتين من تنظيم منتديات وطنية عامة للتعليم والتكوين غير متوافق عليها من طرف فرقاء المشهد السياسي ومع ذلك ذهبت توصياتها وقراراتها أدراج الرياح.
إن أول ما يمكن ملاحظته في هذا القرار هو أن العمل من أجل إصلاح منظومتنا التعليمية التي تعاني من إشكالات مزمنة يحتاج إلى عشريات بدل سنة واحدة لا تكفي لمجرد رصد الاختلالات الكبرى التي يعاني منها القطاع فضلا عن الوصول إلى الحلول المناسبة لها، وهو ما يجعلنا نرى في هذا القرار دعاية سياسية يريد النظام أن يخدع بها الرأي العام من خلال الحديث عن إنجازات وهمية في مجال التعليم لا وجود لها في الواقع.
ورغم السياقات غير المطمئنة لهذا القرار ، واكبت الأمانة الوطنية للتكوين والتعليم بالتجمع الوطني للإصلاح والتنمية "سنة التعليم" وذلك للوقوف على حصيلة ما أنجز بالفعل خلال هذه السنة، و معرفة إلى أي حد يمكن القول إن إعلان 2015 سنة للتعليم حقق مكاسب جديدة لصالح العملية التربوية أم أنه مجرد استهلاك إعلامي؟
أولا- خطوات وإنشاءات
يمكن تلخيص أهم الخطوات التي تحققت لصالح قطاع التعليم بمختلف مستوياته خلال سنة 2015 على النحو التالي: ورشات وملتقيات: تم خلال هذه السنة تنظيم ورشات وملتقيات حول قضايا مثل: تقويم البرامج المدرسية والتوقيت المدرسي، وبرنامج منح الأولوية للمناطق المهمشة...الخ.
إنشاءات وتوسيعات في البنية:
افتتاح مدرستين لتكوين المعلمين (اكجوجت وكيهيدي)
الشروع في بناء 49 مؤسسة (إعدادية أو ثانوية) وعدد من المدارس الابتدائية .
فتح 8 ثانويات امتياز
إنشاء المعهد ا لعالي المهني للغات والترجمة الفورية، و المعهد التحضيري لمدارس المهندسين العليا دراسات وإحصاءات: إصدار مؤشرات متابعة التعليم العالي والبحث العلمي، إصدار الدليل الإحصائي للتعليم العالي.
ثانيا- الإخفاقات لعل الإخفاق الأبرز الذي ميز سنة التعليم يتمثل في ندرة الكتاب المدرسي ومحدوديته رغم حديث الوزارة عن طباعة 800 ألف كتاب مدرسي لجميع المستويات بتمويل من التعاون الفرنسي.
كما عرفت هذه السنة ظاهرة لم تشهدها البلاد من قبل حيث نودي على مدارس للبيع وترك تلاميذها يواجهون مصيرهم دون مبالاة لما تعنيه هذه المدارس بالنسبة للذين تخرجوا منها ولا لحاجة القطاع المعني لها ، حيث كان من الممكن تحويلها إلى منشآت عامة خادمة للتعليم إن ثبت بالفعل أنها لم تعد صالحة للاستغلال المدرسي.
كما لم تشهد سنة التعليم أي تحسن في ظروف المدرسين بل على العكس من ذلك ازداد فيها الحراك النقابي ولوحت فيها بعض النقابات التعليمية بالإضراب وعبرت عن استيائها من عدم تعاطي الشركاء مع عرائضها المطلبية.
وتابعنا في سنة التعليم أكبر أزمة نقل يعيشها طلاب الجامعة بعد التحول إلى المركب الجامعي الجديد، إضافة إلى أزمة الطوابير المهينة من أجل الحصول على وجبة متواضعة في المطعم الجامعي.
وفي مجال التعليم الأصلي شهدت نهاية سنة التعليم إغلاق عشرات المحاظر وبعض المعاهد القرآنية في الحوضين الشرقي والغربي بحجة عدم حصولها على الترخيص في خطوة مستفزة لمشاعر ساكنة هذه البلاد ، وقد تم التراجع نسبيا عن هذا القرار وسمح للمحاظر بمزاولة عملها من جديد وما تزال بعض المعاهد القرآنية تنتظر الإذن لها باستئناف العمل رغم استكمالها لكل الشروط والإجراءات المطلوبة..
وفضلا عن كل هذه الإخفاقات، ظلت العملية التربوية على ما كانت عليه من اختلال تجلى في العديد من المظاهر نذكر منها:
العجز الكمي والنوعي في أعداد المدرسين والأساتذة في مختلف مراحل التعليم.(الأساسي والثانوي والعالي).
اكتظاظ المدارس ووجود الأقسام متعددة المستويات، وأخرى تعتمد التفويج أو التناوب في مرحلة التعليم الأساسي والاكتظاظ الشديد في مؤسسات التعليم الإعدادي والثانوي والعالي.
النقص الحاد في الكتاب المدرسي و الدعامات التربوية المختلفة.
غياب الحوافز والتشجيعات التي تجعل المدرس يعطي عطاء متميزا ويجعل البيئة التعليمية بيئة مستقطبة للعقول والمواهب.
ضعف الرقابة والتفتيش
الفوضوية التامة في الترقية والتحويل .
ضعف التكوين الأولي وغياب التكوين المستمر للمدرسين في ظل اكتتاب أعداد معتبرة من العقدويين(معلمين وأساتذة) تنقصهم الكفاءة و الخبرة، و اكتتاب أساتذة التعليم العالي على المؤهلات الأكاديمية فقط وهو ما أدى إلى ضعف شديد في الأداء التربوي لكثير من المدرسين في مستويات التعليم المختلفة في ظل غياب برامج تحسين الخبرة والتكوين المستمر.
انتشار ظاهرة الغش والاختلاس في الامتحانات والمسابقات الوطنية والتي كان من أخطر مظاهرها في سنة 2015 تسريب امتحان مادة الفيزياء في مرحلة الباكالوريا (شعبة العلوم) قبل ساعات من توزيعها على الطلاب.
ضعف نسب النجاح في المسابقات الوطنية حيث لم تتجاوز نسبة النجاح في شهادة ختم الدروس الإعدادية هذا العام 41 % وهي بالمناسبة أقل من نسبة النجاح في العام السابق (2014) حيث بلغت 46%.
أما نسبة النجاح في شهادة الباكالوريا فوصلت هذه السنة حدود 15% في حين بلغت في العام السابق 13.21% . وتبدو هذه النسبة هزيلة إذا ما قورنت بنسب النجاح في الدول المجاورة مثل المغرب والسنغال والجزائر وتونس والتي تجاوزت فيها عتبة 50%.
ضعف الميزانية المخصصة للتعليم عموما رغم أهميته كقطاع حيوي فضلا عن كونه يُشغل أكثر من 70% من موظفي الدولة، حيث لم تتجاوز الميزانية المخصصة للقطاع (وزارتا التهذيب الوطني والتعليم العالي) حوالي 12% من الميزانية العامة للدولة سنة 2015.
غياب إستراتيجية وطنية للبحث العلمي ذات أهداف محددة و وسائل مناسبة تشكل دعامة للعملية التعلمية من جهة وتقدم حلولا للمشاكل التي تواجه تنمية البلاد من جهة أخرى.
تلكم باختصار هي الملامح العامة لوضعية التعليم في مستوياته المختلفة بعد انقضاء سنة 2015 التي أريد لها أن تكون سنة للتعليم بامتياز، ويمكن القول باطمئنان إن حصيلة هذه السنة كانت هزيلة لا تختلف كثيرا عن سابقاتها، حيث لم تسهم في معالجة الاختلالات المزمنة التي يعيشها القطاع،ولم نشهد فيها تحسنا يذكر في أداء النظام التربوي ،ولعل تصنيف موريتانيا في المرتبة 134 من مجموع الدول البالغ عددها140 في مؤشر التنافسية السنوي في مجال التعليم لهذا العام 2015 / 2016 وبمعدل 2.5 من أصل 10، أكبر دليل على ذلك.
نواكشوط بتاريخ 27/1/2016