المشهد الإنتخابي في موريتانيا يجمع حياة البلد الفكرية والاجتماعية والسياسية في تشكيل شديد التعقيد والتشابك ،فهناك دولة فقيرة تمتلك موارد عديدة يمكن ان تصعد بها إلى مصاف الدول الغنية نظرا لقلة عدد سكانها ولكنها تفتقد النخبة الموجهة والمؤثرة في مجالات الفكر والعمل الأكاديمي والسياسي والصحفي .
أولا :النخبة السياسية تنقسم إلى قسمين الأول وهو المعتاد على مولاة النظام القائم كيفما كان لأن انتماءها ليس للدولة ولكنه للقبيلة التي توظفها لمصالحها الشخصية فقط. وبالتالي يكون انتماء هذا القسم لجيوبه ومصالحه ، القسم الثاني المعارضة وقد أصبحت متكلسة على أيدولوجيات سقطت بفعل التآكل الذاتي وفشل التجربة وانحياز ممارساتها لفئات سياسيةأودينية تجاوزتها مطالب شعوبها وتطلعاتها واقصد بهذا القسم اليسار بكل تفريعاته واليمين الديني .
النخبة الأكاديمية والمعرفية انعزلت عن المجتمع وعن الدولة لأنها لم تجد مساندة و لا ترحيبا من الاثنين فأصبحت مثل الغريب في المولد ، أما النخبة الصحفية وهي دائما النخبة الحيوية في أي دولة فقد كان بالإمكان أن تقود المجتمع والدولة وتنشر الوعي وتقيد الممارسات الفاسدة أو على الأقل تحد منها ولكنها للأسف -خلال زيارتي الأخيرة للبلد- وجدتها جزء من الفساد (التربح من وراء الترويج لمن لا يستحق أو ابتزاز شخصيات من خلال الهجوم عليها - وللأسف هذه التجربة هي التى أسقطت لبنان وأخشي على البلد العزيز موريتانيا من هذا المصير .
فقد أصبحت موريتانيا كيانا محوريا في صراعات العالم الآن تتنازع السيطرة على قرارها دول إقليمية كبيرة مثل المغرب والجزائر ، وقوي إقليمية مثل تركيا وايران والإمارات وقوى وتكتلات دولية الجانب الأوراسي (الصين وروسيا والهند) والأطلسي (اوربا وأمريكا) وهذه الدول والقوى ستخلق لها إعلاما وإعلاميين يأتمرون بأمرها ويمهدون للتغلغل فيها ويحمون مصالحها وكل هذا للأسف لقاء حفنة من الاغرائات المادية ،وفي كل الأحوال يبيعون البلد . وأزمة هذه النخبة أنها تؤيد من يدفع وهو ما تبدى مؤخرًا للمتتبع لهذه الانتخابات فعملوا على تشويه وجه الوطن وهم يعارضون وينتقدون الرئيس المرشح ناسين أنهم يمزقون جسد بلادهم فيخسرون المستثمر الأجنبي ويجعلون جهات المنح والإقراض الدولية تحجم عن المساعدة في التنمية ،أما النخبة الحقيقية المتزنة من الأجيال الأولي للصحفيين في موريتانيا ويمثلهم النقباء وكبار الصحفيين من أمثال النقيب السابق محمد سالم ولد الداه وجل جيله وكثير من تلامذتهم فقد وجدتهم على الهامش منسيين لا أدوار لهم بالرغم من كفاءتهم المعروفة في حين أن من استعملهم النظام وأغدق عليهم عجزوا عن تأييده أو مساندته أو الترويج لمنجزاته ومساندة تطلعاته وهو ما أربك المشهد السياسي الذي يحتاج إلى إعادة المنسيين على الأرفف لمواقع القيادة الإعلامية على أن يتجدد خطابهم الاجتماعي باعتماد لفظ الأمة الموريتانية وليس الأمة البيضانية والتجول وسط المهمشين والفقراء ونقل معاناتهم الاجتماعية للمسؤولين لحل مشاكلهم وهو ما سيؤدي إلى تراجع الخطاب العنصري وتضييق مساحات الكراهية ،وعليهم بيان حجم التحديات التي تواجه كيان وعمق الدولة سواء من القوى الدولية أو الجماعات الارهابية أو قوى الشر في الداخل ، أما أهم مافي تعديل الوضع الصحفي في موريتانيا هو تفكيك واقع الإعلام بالكامل وتحديد من هو الصحفي وبأي معيار يعد صحفي وتفعيل دور النقابة بشكل كبير لأنني في الحقيقة وخلال زيارتي الأخيرة لموريتانيا قبل بدء عملية الدعاية وجدت أن موريتانيا التي كانت بلد المليون شاعر قد أصبحت بلد المليون صحفي كما أنى لم أجد نقابة صحفية.
ايمن السيسى * نائب رئيس'تحرير الاهرام.