كثرت الألقاب فأصيبت مدلولاتها بالضمور في عهد التضخم المادي؛ فألقاب مليونية رنانة من قبيل "مليون شاعر" أو "مليون شهيد" أو "مليون طيب" أو حتى "مليون نخلة" لم تعد تسقي ماء؛ خصوصا وأن الشعر لم يعد يستثير الشعور، والشهيد صار "إرهابيا" والطيب اختلط بالخبيث، وصودرت القيمة المعنوية للنخلة فلم يبق لها إلا بعض تلك المادية! فنحن في عصر الشكليات الفارغة والإبحار إلى مثلث برمودا على متن سفينة "العم سام" ومن يدور في فلكه المنكود.
وحده الإرهاب ظلت أسهمه في ارتفاع.. فصعوبة "حد" منطقي له جعلته قالبا جاهزا يسهل على من شاء ملؤه بما شاء ومن شاء. دمرت بلدان، وخُلِّد حكام، وأزيل آخرون، وأبيدت شعوب، واستحدثت سجون، وارتكبت مجازر وفظائع.. كل ذلك باسم مكافحة عدو لا يعرف له عنوان ولا تعريف علمي!
وجريا مع التيار سأتحدث في هذه السطور الباهتة عن الإرهاب؛ مستفيدا من غموضه وصعوبة تعريفه ولفته الحتمي للانتباه. فما هي أبرز سمات موضة القرن 21م؟
1. الدموية.
2. ترويع الأبرياء.
3. التفجير هنا وهناك.
4. بغض الآخر.
5. النشاط العابر للحدود.
إننا يا سادتي – وأمسكوا أنفسكم- شعب إرهابي بامتياز ومن شاء فليتقرب إلى الغرب ووكلائه بذلك! وهاكم الأدلة انطلاقا مما تقدم.
1. ربما كان الشعب الموريتاني أكبر فئة معاصرة من اللواحم البشرية، كما يشهد به توزيع استهلاكه من اللحوم الحمراء على عدد أفراده (حوالي 200 كغ للفرد سنويا) عدا ما نذبحه للضيف وفي المناسبات المختلفة (ولا أعني إلا ما نختص به).
2. بينما الأطفال الأبرياء في مرح عصي على الكبح إذا بهم فجأة يتلفعون بجد الكبار كأزهار سكب عليها الماء الساخن، ويثب كل إلى مكانه المناسب، لأن سيد البيت دخل أو دخل من يمكن أن يلتبس به.
دعك من سلسلة الضغط المتناوب باختلاف أقطابها وحلقاتها من زوجة وزوج وأطفال وخادم ومخدوم وعامل ورب عمل.. (ذكرت الزوج تظاهرا بالإنصاف؛ وإلا فأنا أراه حيوانا أليفا قابلا للتكييف وتغيير التصميم حسب الأذواق).
3. إذا كان الليل والنهار قد التبسا على الكسالى والمجتمع المخملي فإن منا من تعود "التفجير" لأغراض شتى؛ البعض إلى المسجد، والبعض إلى المستشفى، والبعض إلى المخبز، والبعض إلى العمل.. إلخ. أنا مثلا كثيرا ما "فجرت" مع طريق الصكوك فكادت تفتك بي القالبات العطاش إلى الرمال المتسابقة إلى سوق مواد البناء.
4. نحن شعب من قبائل وأصول مختلفة (ولا نختص بهذا) ومنا من يرى مجرد الانتماء إلى غير جذره البشري أو فئته الاجتماعية جريمة (أو نقصا على الأقل!) دون انتباه إلى أن مقياسه هذا يقضي بأن يكون هو مجرما أو ناقصا في نظر غيره أيضا! وإلى أن فخر المرء وتجريمه إنما هما بما كسبت يداه دون ما لا كسب له فيه، وأن للمرء دارين: دنيا لا يمكنه فيها صنع عود ثقاب من أصله، وأخرى يحاسب فيها على أساس ما عمل من خير وشر، دون أن تزاد سيئاته لاستخفاف أهل الدنيا به وبفئته، أو تنقص لاعتدادهم به وبفئته.
5. نحن شعب عابر للحدود بمختلف أنواعها؛ فمنا عابرون لحدود الله تعالى، بنوا أنفسهم ومَواطنهم الضيقة وأقاربهم الأدنين بالسحت والنهب والاختلاس دون حياء من الله ولا من ضحاياهم، ووجدوا في نظرات الإعجاب وعبارات الثناء والتملق دفعا وتصويبا وتثبيتا على شفا جرف هار!
ومنا عابرون لحدود الأدب الأخلاق.. عابرون لمختلف الحدود باختصار.
أنا شخصيا – ولا فخر- عبرت الحدود عشر مرات في ستة أشهر من العام المنصرم؛ فما بالكم بالتيفاية والرحالة والمتنزهين!!