القاهرة و الإسكندرية و نبض العروبة

جمعة, 01/08/2016 - 15:34
الولي ولد سيدي هيبه

و تظل القاهرة تمخر بثبات عباب الزمن و لا تثقل كاهلها تقلبات أحواله المريرة فيما تلمعها أكثر لحظاته الجميلة التي تتخللها الانتصارات على عديد جبهات التصدي للمؤامرات التي تحيكها القوى المعادية للأمتين الإسلامية و العربية.

هي القاهرة عاصمة مصر الأزلية و قلب العروبة النابض و أرض الأزهر الشامخ بمئاذنه العالية و كلياته العامرة و بتسامحه في وسطية لا يطالها الشك لما هو محمل به من مسؤولية الحفاظ على السلم الاجتماعي و الحفاظ على التفاعل الإيجابي مع الكنيسة القبطية العريقة في انتمائها لتراب مصر و تاريخها العظيم .

و هي القاهرة بمتنها الهائل من السكان و العمران في شتى الأوجه تصارع التلوث القادم من مصانعها الكثيرة و عوادم سياراتها التي لا ينقطع سيلها و الأتربة التي تصلها مع كل موسم عصف من الصحراء.

و هي القاهرة بأهرامها الأسطورية تحت عيني أبي الهول الذي لا .يغفل الحراسة  و بمتحفها الزاخر بأغلى القطع الأثرية من مومياءات و تماثيل و آثار لامعة لكل الحقب المتوالية في سرمدية الزمن البشري.

و لكنها القاهرة بحركتها السياسية المنقطعة النظير و الثقافية المغطية كل الاهتمامات و المشاغل الإنسانية، لا يكاد يمر يوم إلا تنعقد المؤتمرات و الندوات و القمم و تجري المباحثات و المحادثات و الحوارات و المشاورات على أعلى المستويات و في أدق قضايا السياسة و السلم و المصالحة.

و لأن القاهرة تسع كل هذا و أكثر إلا أنها تتقاسم كل هذه الاهتمامات مع مدن مصر الأخرى و التي لا تقل عطاء و لا حيوية و منها على وجه التحديد مدينة الإسكندرية التي أطلق عليها اليونانيون القدماء اسم و وصف عروس البحر المتوسط. و يرتفع صرح مكتبة الإسكندرية شامخا بشكله المتميز و واجهتها التي تكسوها كل الكتابات تعبيرا عن عالميتها في الماضي أيام لاسكندر و في الحاضر تضم ملايين الكتب و تعج بحركة الباحثين و المؤرخين و المثقفين و علماء الآثار و الأدباء و الكتاب و الإعلاميين. و أما ترابها فمتحف مفتوح على السماء و في متناول المولعين بحركة تاريخ مصر الذي لم يشهد يوما انقطاعا أو توقفا أو انفصاما، بل و إن كل حلقاته تواصلت في تناغم استثنائي و شكلت سيمفونية بديعة بمركب المقاطع و الإيقاعات.

و قد احتضنت مكتبة هذه المدينة المتوسطية التاريخية الفرعونية الرومانية الإسلامية من 3 إلى 5 يناير 2016 مؤتمرا عالميا حضرت جل الأقطار العربية حول الإرهاب تحت عنوان "قراءة في تدابير المواجهة الفكرية". و شهدت التظاهرة عروضا كثيرة و متنوعة تخللتها نقاشات مستفيضة عن تداعيات الإرهاب على الوحدة العربية و تماسك الأمة الإسلامية. و لقد كان الحضور الموريتاني نوعيا والمشاركة بمستوى لائق ومكثف في هذا الصدد حيث قدمت بعض العروض في القاعات و بعضها الآخر  بالنشر ما أتاح للمشاركين الحصول على معلومات مستوفية الجوانب و متعددة القراءات عن التجربة الموريتانية في محاربة الظاهرة و ما حققته مقاربتها الأمنية التي أثرت في مجريات أحداث منطقة الساحل عموما وتحديدا على امتداد حدودها  مع دول الجوار العربية المغاربية و الغرب إفريقية الشقيقة.

و لما أن المؤتمر من ضمن الشواهد التي لا تحصى على حيوية الدور المصري في السياسة الدولية فإن مطار القاهرة خلية تذكر في كل لحظة بهذا الدور العالمي و تعلن عن حضورها الطافح. و فيما كان ذاك واقع مصر فإن مطار محمد الخامس الدولي يوحي هو كذلك من خلال الانضباط الذي يطبعه و الحركة الكبيرة في أروقته و دهاليزه تشف عن مستوى رفيع من الحداثة و الانسيابية التي تعطي المغرب مكانة عالمية معتبرة و سمعة و صيتا كبيرين حتى بات وجهة و مقصدا و عاصمة مؤتمرات و ندوات دولية تغطي معظم اهتمامات العالم و شؤونه.

و أما مطار نواكشوط فكان يعاني على ضعف حركية الطيران فيه من انقطاع التيار الكهربائي الذي أثر حتى في أجهزته مما كان يعطل انسيابية حركة المسافرين و ضبط رقابة إجراءات التسجيل و تنظيم الدخول و الخروج. وضع لا بد أن يتغير و بسرعة حتى لا نظل بعيدين كل البعد و إن شف ما نحن فيه عن ضعف إرادة و قبول بذلك و استسلام للإعجاب بالآخرين دون سلوك نفس الطريق الذي اتبعوه من منطلقه بإرادة الوصول.