لاحظت أن ثمّة لازمة تتكرر في نقاشات "الفسابكة"، مفادها أن الوضع ميؤوس منه وأن التغيير مستحيل . ولا عجب في ذلك في ظل صعوبة الأحوال وفشل النخب التي حملت لواء التغيير وعجزها عن تقديم رؤية لما يعنيه التغيير المنشود، وكيف سيكون. والأدلة كثيرة على ارتفاع منسوب اليأس لدى الناس، وخاصة منهم الشباب؛ وليس أقلها ما وصلني من ردود وتعليقات مشككة أو متحفظة على الإجراءات الإيجابية التي أعلن عنها فخامة الرئيس، مثل: زيادة الرواتب لصالح الجميع، ورفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%، وزيادة الإعانات العائلية بنسبة 66%، والتأمين الصحي الشامل لصالح 100 ألف أسرة، واكتتاب 8 آلاف مدرس، وتخصيص 20 مليار أوقية للمدرسة الجمهورية، وافتتاح برامج واسع للكفالات المدرسية لصالح المحتاجين، إلخ..
بصراحة، لا أدري بأي حال من الأحوال يمكن لشخص مُقسِط (حتى لا أقول منصف هه) أن يتلقى هذا الجهد الرائع بغير المباركة والاستحسان. أن يقال بأنه لا يكفي أو أنه جاء متأخرا، فذلك يقبله المنطق؛ أما أن يُصار إلى أنها بلا فائدة ولا جدوى؛ فذلك أمر غريب وينكره العقل. وأمام هذا الحال، يجب علينا القيام بنهضة فكرية واسعة تبني الأمل، وإلاّ فإننا نخاطر بتأبيد اليأس والإحباط، والاستكانة والرضوخ لصعوبات التخلف ومآسيه. وقد تفوت علينا بوارق الأمل التي تلوح من مثل هذه الإجراءات.
وفي هذا السياق، أرى أن محاربة اليأس أولى وأنسب من حملات التقد و الازدراء من جهة، وحملات الشرح والتفسير التي تقترب أحيانا من النفخ والمبالغة من جهة أخرى. علينا جميعا - رجال سياسة وإعلام وتعليم - أن نشارك في حرب وطنية ضد اليأس. وكذا العلماء والأئمة والدعاة، فإننا ننتظر منهم المشاركة في بناء منظومة الأمل انطلاقا من تعاليم ديننا الحنيف، وتركيز خطب الجمعة والبرامج الإعلامية على زرع الأمل و تصور غد أفضل، والحث على ما يتطلبه ذلك من عمل وجهد دائبيْن.
والقرآن الكريم يجعل من اليأس صنواً للكفر. "يا يَٰبَنِىَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيْـَٔسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيْـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكافرون" (يوسف 87). وفي الحديث الشريف: "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهْلَكَهُمْ، وفي رواية أخرى: أهْلَكُهُمْ (صحيح مسلم). وفي الحديث الشريف: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" ( متفق عليه).
وهذا قليل من كثير، إن الأمل والرجاء ركيزة أساسية في حياة البشر، وشرط ضروري لقيام الإنسان بدوره. ذلك أن الإنسان اليائس لا دور له، ولا يُنتظر منه أي شيء. فلا هو يخدم الموالاة، ولا هو يخدم المعارضة، بل الكل - موالاة ومعارضة - لهم مصلحة في أن يبقى الأمل في البلاد. لولا الأمل في غريزة الإنسان، لانتهت حياته.
باختصار، لا شك في أن بوارق الأمل وأسبابه موجودة، وأسباب اليأس والاكتئاب موجودة، ولكن الاستسلام لليأس يعني هزيمة ساحقة قد لا ننهض منها عقودا.
تفاءلوا خيرا تجدوه.
من صفحة الوزير و السفير السابق محمدفال ولد بلال