لو كان التاريخ يطلق على ما كان ، لما كان باستطاعتنا أن نلوم أي أحد أو نتهم أي آخر ، لكن التاريخ تقال لما كان و ما كان يمكن أن يكون.
قبل عقدين من الزمن فقط،كان التاريخ عِلما، فلم يكن مفهوما خارج إطار حفظ وقائع مشوشة أحيانا و مقلوبة حتى في أحيان أخرى.
و اليوم ، أصبح التاريخ فنا ليتسع لاستيعاب تناقضاته بدل تصادمها و تحولت عبارة "عالِم تاريخ" إلى "فقيه تاريخ" ، هي المعتمدة اليوم في المراكز العلمية المتقدمة.
يُدرِّسُ المغاربة لأبنائهم أن حركة المرابطين (يعتبر المؤرخون أن يوسف بن تاشفين أكبر فاتح إسلامي بعد خالد بن الوليد) ، مغربية المنشأ و الانتماء و المقصد ، في احتلال توسعي واضح لحقائق تاريخية تم قلبها بما يشبه الاغتصاب في زمن عِلمِيَّة التاريخ..
و بالعودة إلى المنهجين (ما كان و ما كان يمكن أن يكون) ، تتجلى لنا أهمية "فقه التاريخ".
- "ما كان" هو انطلاق حركة المرابطين (الفاتحة) من جزيرة تيدرة الموريتانية ، في حملة تصحيحية ، كان ما يحدث في "المغرب" جزءً من أسبابها الدينية و العسكرية و من مسؤوليتها التاريخية التي يحاولون اليوم، بترها من أسبابها.
لو كان المغاربة فقهاء تاريخ لدمروا مراكش و تبنوا المسيحية أو اليهودية الأقرب لهم و الأبرع في تزوير التاريخ و هجروا اللغة العربية و نكروا مرور المرابطين بأرضهم .
و لا أدري هل مشكلة المغاربة مع الجغرافيا أو مع المنطق في محاولاتهم ابتلاع ضفدع يسحب مؤخرته الرخوة ، بحجم المغرب، لأكثرمن مليون كم٢ ، لم تستطع فرنسا احتلالها و لم تستطع كل ويلات التصحر تشريد أصحابها..
- "ما كان يمكن أن يكون" هو - من غير اجترار للتاريخ كما يفعلون - ضم المرابطين لأكثر من نصف الأراضي المغربية ، لو لم تكن أهدافهم أسمى مما يبدو واضحا أن المغاربة لا يمكن أن يفهموه..
موازين القوة تتغير في أي لحظة و يخطئ من يعتقد أنها الآن لصالح المغرب لأن حلم الغرب اليوم أن تنشب حرب بين موريتانيا و أي جار لها في وجه اكتشافات ثرواتها الهائلة : الغاز و البترول و الذهب و الإيرانيوم و الليثيوم ، زيادة على الحديد و النحاس و السمك و إمكانياتها الزراعية الهائلة، ليتم استبدالها بالسلاح بدل الدولار ..
موريتانيا يا هؤلاء (و سنذكركم بها بعد كل محاولة استفزاز)، أكبر مرتين و نصف من المغرب ، يستحيل حسابيا و منطقيا أن تكون "امتدادا" له بأي معنى ، كما يدعي رئيس مجلس المستشارين المغربي (البرلمان) النعمة ميارة : "موريتانيا دولة شقيقة، وامتداد طبيعي للمغرب"..
"الامتداد" تعبير احتوائي ، متبجح ، لا يكون "طبيعيا" ، متى تريد المغرب و "تطبيعيا" متى تريد ..
و حين كنا نتعرض لأخطر مؤامرة في تاريخ بلدنا ، ضن علينا المغرب بأقل من "الشقيقة"، ليصبح دون "الامتداد الطبيعي" خرط القتاد و عناد البوليساريو و ذاكرة شعب تأبى النسيان .
من صفحة الكاتب سيدى علي بلعمش