تمر لحظات فارقة في عمر الأمم والشعوب لايمكن أن تترك دون التعريج عليها ولو بشكل خاطف , والتأمل في مخاض ولادتها , واستشراف القيمة التي ستضيفها للمشهد الوطني , وقد شكلت لحظة التوقيع (27-09-2022)على الوثيقة النهائية للتشاور بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية حول الانتخابات النيابية والجهوية والبلدية 2023 إحدى هذه اللحظات بامتياز وللمرور على الحدث بشكل سريع يمكن استحضارالملاحظات التالية :
– مخاض ولادة الوثيقة :
تم في جو سياسي عسير يطبعه إرث من التوجس والريبة و انعدام الثقة بين أطرافه بسبب غياب ثقافة التشاور وسيطرة فكرة إقصاء الآخر وإنكار التنوع وغياب ثقافة الاختلاف ,وهي مفاهيم جسدتها الأنظمة السياسية السابقة , فلا وجود لألوان الطيف ولكنه جلباب واحد ولون واحد يصبغ الحياة بجميع تشكلاتها, فتم بناء الثقة والتأليف بين القلوب على صعوبته (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وبنيت في فترة وجيزة جسور التفاهم للعبور نحو اللحظة التاريخية.
– القدرة والإمكانات الفنية:
لم تكن القدرة الفنية العالية لفرق إدارة التشاور بخافية سواء على مستوى المخرجات ,أو على مستوي الصياغة النهائية والمحكمة لوثيقة التشاور المجمع عليها من طرف جميع الأحزاب السياسية الوطنية.
– التدرج الواعي في إدارة التشاور:
ظهر ذلك بجلاء وحسب ماتمليه ضرورة كل مرحلة بداية من رئاسة الأمين العام لوزارة الداخلية واللامركزية للجلسات بتاريخ (10-13-14-سبتمبر) ثم برئاسة السيد/ محمـد أحمـد ولـد محمـد الأمين وزير الداخلية واللامركزية للجلسات بتاريخ (15-16-سبتمبر) ثم عند تباين وجهات النظر الاحتكام والرجوع لفخامة رئـيس الجمهورية السيد محمـد ولـد الشيخ الغزوانـي بوصفه حامي الدستور وحارس القيم الجمهورية ورأس الشرعية والقضاء ,والضامن للتشاور تدرج أثمر في النهاية وثيقة إجماع تشاوري بعد قبول جميع الأحزاب السياسية فـي يـوم السبت الموافـق 17 – 09 – 2022 اقتراحات فخامة رئـيس الجمهورية لحلحلة النقاط العالقة والخروج بوثيقة تشاور إجماعية.
– جوهرية النقاط المجمع عليها :
وذلك باعتبار النقاط المجمع عليها في وثيقة التشاور(يمكن الرجوع لها في الوثيقة ) كأهم ضمانات اصطلح عليها حتى الأن لترسيخ قيم الديمقراطية والتدوال على السلطة وتكريس الحريات والتشارك لمختلف فئات المجتمع.
– فن إدارة الوقت:
وذلك من خلال الزمن الوجيز الذي استغرقته عملية التشاور(74يوما) إذا ماقيست بحجم المنجز واختلاف المشارب والمأرب, التي يصعب الجمع بينها في هذه المدة القياسية
مشرط الجراح:
مما لا خلاف فيه أنه لولا الحنكة والخبرة التي أدار بها السيد/ محمـد أحمـد ولـد محمـد الأمين وزير الداخلية واللامركزية دفة عملية التشاور المعقدة بهذه المدة الوجيزة لما كان لها أن تنتج هذه الوثيقة التاريخية الفارقة بهذا الإجماع منقطع النظير متسلحا بخبرة عميقة بدهاليز الإدارة الإقليمية , وبمعرفة واسعة بعوامل إدارة وتسيير الفعل الانتخابي لما له من خبرة سابقة في المجال ,ومتدرعا بثقة فخامة رئيس الجمهورية ,ومترجما بكل صدق لرؤيته التشاركية ونفسه التوافقي الجامع , لقد أدار الرجل التشاور بمشرط الجراح الخبير ,وعين الصقر الفاحصة ,وقفاز حرير ناعم ,فخرجت الوثيقة في حلة قشيبة تلبي تطلعات الأحزاب السياسية بموالاتها ومعارضتها .
يقول الماوردي في كتاب الوزارة أدب الوزير :
إن الوزير يجب أن يجمع بين الحزم والعزم ,فالحزم تدبير الأمور بموجب الرأي ,والعزم تنفيذها للوقت المقدر لها .
إذا ما أتيت الأمر من غير بابه \ضللت وإن تقصد إلى الباب تهتدي
د/ عبدالله محمد بمب