إذا لم يكن للمرء في دولة امرئ *** نصيب ولا حظ تمنى زوالها
لا يزال كل شيء في بلادنا مرتبط عضويا بالفرد/ الشخص، فليس هناك موقف موضوعي تجاه الأحداث والآراء والمواقف والأحزاب السياسية والحركات الايديولوجية... إلخ، بل إن الموقف يتحدد بمدى ارتباطه بشخص معين، قد يكون قائدا سياسيا، أو وجيها اجتماعيا، أو زعيما روحيا أو عالما دينيا أو مجرد شخص عادي وجد نفسه فجأة في خضم الأحداث والاهتمامات في بلدٍ يكثر فيه المشاهير وناهبوا المال العام والشاي والباعوض.
قد يصعب جدّا أن تحصي سكان الصين ومشكلات موريتانيا، ولكن يمكن القول بصورة عامة جدا أن أصل المشكلات في هذه البلاد يكمن أولا وأخيرا في مرض مشترك يكاد يجمع كافة الأنظمة والحكومات التي تعاقبت على حكم هذه البلاد منذ الاستقلال وحتى اليوم، ونعني هنا عقدة الاستئثار والاستفراد بالحكم واحتكار المناصب والوظائف والامتياز وحصرها على قلة قليلة من المقربين من سيد القصر، وكلما ضاقت هذه الدائرة ضاق الوطن بأبناءه على اتساع أرضه وسمائه..
الاستعمار الذي استأثر بأرضنا ومعادننا وبحرنا خلف لنا "نخبة" حاكمة، لا تتحدث بلسانه فقط، بل تتقفى أثره شبرًا بشبر وذراعا بذراع، ليس أقل ذلك انتهاجها نفس نهج الإقصاء الذي مارسه الاستعمار ضد أجدادنا وآبائنا.
خطورة الإقصاء أنه يحصر المواطنين فعلا وحصرا ضمن "الدائرة الضيقة" للمنعوم عليهم، ويحبس الوطن وأهله في زنازين المغضوب عليهم إلى يوم الانقلاب القادم، أكثر من ذلك، فإن هذا الإقصاء يجعل أبناء الوطن يشعرون أنهم منبوذون داخل أرضهم ومقهورون ومظلومون لا لشيء إلا أن "زُمرتهم الدموية" لا توافق زمرة سيد القصر.
ولأن كل شيء في الوطن مرتبط بالشخص، ولأن الوطن نفسه مرتبط بشخص الحاكم، يصبح من يحبون الوطن هم تلك الأقلية المحظية بقربها من الحاكم، بينما يجد السواد الأعظم من المواطنين أنفسهم من حيث لا يدرون ولا يتوقعون في خانة "أعداء الوطن"، نعم. لقد أصبحوا فجأة يكرهون الوطن، ويتآكلون حقدا وحنقا عليه لأنهم لا يرونه إلا في صورة الحاكم، وكلما زاد الإقصاء وضاقت الدائرة المحيطة بالحاكم، كلما اتسعت دائرة "أعداء الوطن" وكارهيه، وكلما تزايد هؤلاء صغُر الوطن وتضاءل، لأن الوطن كالعائلة، لا توجد إلا بقدر حبّ أبنائه لها.
عبد الله البو أحمد عبد