بدت ميرموز، في دكار، أبهى من طلعتها المعتادة عندما استضافت عالما صوفيا، حلاجيا في زهده، عدويا في ذوبانه، بُرَعيا في محبته، سحنونيا في علمه..
لا الثوب يوحي بما عهدنا من أبهة المشيخات، ولا التشريفات تعطي الانطباع بأنك أمام علاّمة جليل. فقط بضعة رجال من التلامذة والمحيط العائلي يترقبون دخول الوقت للصلاة خلف ضيف ميرموز العلاّمة الصوفي الشيخ محمد فال (اباه) ولد عبد الله ولد محمد فال (اباه) ولد بابه ولد أحمد بيبه.
في ذلك المساء الإفريقي الشاتي، لم يتوانَ القومُ عن إدخالي "مدخل صدق" إلى حيث سألتقي الشيخ الجليل للمرة الثانية بعد لقاء شرفني به في محروسته الميمونة: النباغيّه.
بعد قرابة سنتين من اللقاء الأول، كنت كمن يستنسخ الزمان والمكان: نفس الأريحية، نفس الطلاوة الأخلاقية، نفس البشاشة، نفس الاهتمام الزائد بنكرة مثلي يكاد "لا يعرفه منا أحد". تحاشيت السرير، وجلست، حياءً، على الحصير خوفا من الندية الشكلية بالجلوس، منكبا بمنكب، مع الشيخ، لكنه أصر على النزول رغم إلحاحي، فجلس على الحصير بالقرب مني. كان التواضع جزءا من منظومة خلقية تربى عليها الشيخ في محيط طابعه الورع وموت الأنا. ورغم أن الوقت داهمنا، أبى الشيخ، إمعانا في إكرامي، إلا أن يذكر المومنه ويحظيها وتوتو والزغمه: أمهات وجدّات مضيْنَ إلى بارئهن، لكنهن كن على قناعة لا تصدق بالانتماء الروحي للحضرة البيبية المباركة. وكما هي عادته معي، تناول العلامة علاقة الشيخ محمد فال (اباه) بالجد سيدي ميله: أول من أخذ الورد التجاني من عشيرته. قال ان اباه سأله أحدهم: هل فعلا أخذ سيدي ميله الورد؟ فرد عليه بأن سيدي ميله لم يأخذ الورد، بل الورد أخذ سيدي ميله.
في حضرة الشيخ اباه تحس بأنك مهم حتى ولو لم تكن كذلك، تشعر بالانتماء للبشر، ترى نفسك غير ما يريكها الآخرون. إنك تعيش لحظات نادرة من نفحات الخير الصوفي الرباني.
التمست دعاء الشيخ، وخرجت من مجلسه مسرورا مبسوطا.. خرج معي الأقربون من محيطه العائلي: رافقني البعض منهم غير منتعل ضاربا أروع مثال في السير على نهج الشيخ وحضرته. وعلى نفس النهج القويم، صحبني البعض، باشا غير عابس، حتى وصلت "الحصان"..
كانت ليلة لا كالليالي، مفعمة بالبِشْر والخلق الرفيع وحسن الاستقبال، لا شيء يكدر صفوها: نُسِجت من الإكبار والإجلال وحلو الكلام وعظيم الدعاء. لم تكن "ليلة عند الدرك" كما قاساها رفاق ولد عبد القادر.