خبير عربي يدعو لتناسى خلافات الماضى لبناء المغرب العربي

جمعة, 11/05/2021 - 14:38
إسلمو ولد سبدى أحمد - خبير في المصطلحات والمعاجم ومراقب للشأن الوطنى والعربي

في هذه الأيام التي نتابع فيها- بقلق بالغ- ما يُنشَر في مختلِف وسائل الإعلام عن توتر في العَلاقات بين بلديْن شقيقيْن مغاربييْن عزيزيْن علينا جميعًا، أقترح على القراء الكرام الاطلاع على مقال نشرتُه بتاريخ: 11 مارس 2013م، بعنوان: اتحاد المغرب العربيّ ومسؤولية الحكومات والشعوب، جاء فيه:
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) 103 / آل عمران.
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) 46/ الأنفال.
في دول " اتحاد المغرب العربيّ"، يُلاحَظ – لله الحمد – أننا معتصمون جميعا بحبل الله، كما أننا بعيدون من أن نكون أعداءً، لكن ما يجب أن نَتنبَّهَ له جيّدا هو خطورة التنازع العقيم .
في معاجم المعاني، تنازع القومُ: اختلفوا. وتنازع القوم في الأمر: اختلفوا فيه.
وتنازعوا أمرَهم: تجاذبوا الرأيَ فيه.
يفهم من ذلك، أنّ المنهي عنه، هو التنازع المفضي إلى المزيد من الخلاف وتبعثر الجهود، ممّا يؤدي إلى الضعف ثمّ الفشل والقضاء – لا قدَّرَ الله – على الأمة، المعبَّر عنه في الآية الكريمة "... وتذهب ريحكم ". ومن معاني "الريح": النَّصْر والدَّوْلَة.
إنّ قراءة التاريخ، تفيد كثيرا في هذا المجال- وفي غيره – لأخذ العِبَر واستخلاص الدروس.
لنأخذ مثالا واحدا من أوروبا، وهو: وضْع فرنسا وألمانيا حاليا، ضِمْنَ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبيّ. إنّ هذيْنِ البلديْنِ، على الرُّغم من أنهما خاضا - من قبْلُ - حربًا ضَروسًا ، في ما بينهما، فإنهما في الوقت الراهن، عضوان رئيسان وفاعلان في هذا الاتحاد.
علينا نحن كذلك، في اتحاد المغرب العربيّ، أن ننسى أو نتناسى ما حَدَثَ بيننا من خلافات في الماضي، وأن ننظرَ إلى المستقبَل ونجعل المصلحة العامّة لبلداننا وشعوبنا ( بل، شعبنا، لأنّنا شعب واحد) فوق المصالح الضّيِّقة، المرتبطة - غالبا- بأشخاص معيَّنِين أتيحتْ لهم فرصة تولّي الحكم، في ظروف معينة تختلف باختلاف هذه الظروف .
ومع أنّ الأعمار بيد الله، فإنّ أعمار الشعوب تكون عادة أطولَ من أعمار الحكام، ولهذا نسمع من يقول: الحكام زائلون والشعوب باقية. فالبقاء لله وحده. ومن هنا، فإنّ الشعوب الواعية لا تقبل التضحية بمصالحها ومصالح الأجيال القادمة، من أجل مصلحة حكام يُتوقَّعُ أن يزولوا قبل زوال الشعوب.
يتمثل دور شعوبنا - في هذا المجال - في التعبير عن الرأي والضغط، بالطرق السلمية، على أصحاب القرار، من أجل العمل على المزيد من التفاهم والتعاون وتنسيق المواقف، على المستوى المغاربيّ والعربيّ والإفريقيّ والإسلاميّ والدُّوليّ.
وبذلك، يمكن أن نحقق الأمن والرخاء لشعوبنا، لأنّ العالم سيتعامل معنا بصفتنا قوة مؤثرة يُحسَب لها حسابها. مع ملاحظة أنه يجب علينا أن لا ننتظر حلا - من الخارج- لمشاكلنا، لا من الأمم المتحدة ولا من غيرها، فأهل مكة أدرى بشِعابها.
إنّ ما يجمع شعوب المغرب العربيّ أكثر ممّا يفرقهم.
مِن ذلك، وحدة العقيدة واللغة والعادات والتقاليد، والماضي المشترك، ووحدة المصير، والتطلع إلى مستقبَل أفضل.
إنّ مسؤولية الحكومات والشعوب المغاربية، تقتضي – كل من موقعه- أن يجدوا الحلول المناسِبة ، بالسرعة الممكنة ، للقضايا العالقة التي تشكل عقبة في طريق تفعيل اتحاد المغرب العربيّ. هذا الاتحاد الذي تعلق عليه جماهيرنا آمالا عريضة. يجب أن نشخّصَ هذه القضايا تشخيصا دقيقا وموضوعيا؛ فالتشخيص نصف العلاج. وبعد ذلك، تأتي مرحلة تناوُل العلاج الناجع.
لا بُدّ كذلك من المكاشَفة والمصارحة ووضع النقاط على الحروف، حتى لا نظل نعلل أنفسنا بالأماني، معتقدين أنّ الزمن كفيل بحل مشاكلنا.
إنّ ذلك يدخل في باب ما يُعرَف بِ "سياسة النعامة"، ومقولة: "كم من حاجة قضيناها بتركها". إنّ الأمر أخطر من أن يترك للزمن. إذا كان الرماد يغطي الجمر، والرياح ساكنة، فلا يجوز أن ننام بجواره لأنّ الرياح قد تهبّ، ونحن نيام، وتنسف الرماد عن الجمر فيشب حريق قد لا نستطيع إطفاءه، لأننا لم نكن حازمين ، وعند ذلك ينطبق علينا المثَل العربيّ: "الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللّبن".
لا بدّ من كشف المستور والتعامل بشفافية مع القضايا، لاستئصال جذور الداء.
عندنا – في موريتانيا – نقول: " الطَّليُ على الزَّغَبِ "، لا يُفيد (طَلَى الشيءَ بكذا: دَهَنَهُ بِما يَسْترُه )، بمعنى أنّ الدُّمَّل (الخرَّاج) إذا كان يغطيه الشّعَر أو الزّغَب، فلا بدّ من نزع الشعر أولا لوضع الدواء مباشرةً على الخرّاج أو الجُرْح، حتى يكون للدواء مفعول .
إنّ تقلبات مزاج السياسيين، في عالَمنا العربيّ بصفة عامّة، وفي مغربنا العربيّ بصفة خاصّة، لا تتناسب مع طموحات شعوبنا في التآخي والتعاون والوحدة.
سأعطي، على ذلك، ثلاثة أمثلة لأحداث عايشتها بنفسي.
1- في سنة 1974م، وكنتُ - حينئذ - مستشارًا بسفارتنا بالجزائر، طلب مني أحد الطلاب الموريتانيين أن أذهب معه بالسيارة إلى محطة القطار بالجزائر العاصمة، في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، حتى يضمن مقعدا في القطار المتوجِّه إلى المغرب، لأنّ الرحلات في الأوقات الأخرى يستحيل أن يجد فيها مقعدا شاغرا، بسبب كثرة عدد المسافرين المتوجِّهين إلى المغرب، ممّا يدل على نشاط ملحوظ في تنقل الأشخاص والبضائع بين البلدين . ولكُمْ أن تتخيلوا ما ترتَّبَ على إغلاق الحدود، من تعطيل لمصالح الشعبيْن الشقيقيْن المتجاوريْن.
2- في سنة 2008م، دُعِيتُ للمشاركة في ندوة بمدينة وجدة (المغرب)، وكان من بين المشاركين في الندوة، أصدقاء جزائريون سبق أن تعرّفتُ بِهم في مؤتمرات التعريب التي يعقدها مكتب تنسيق التعريب. عند خروجنا من الجلسة الافتتاحية، قال لي أحد هؤلاء الزملاء إنّه لن يتمكّنَ من حضور أعمال الجلسة الموالية، بسبب الإرهاق والنُّعاس ، لأنّهم استقلّوا الطائرة من الجزائر إلى الدار البيضاء، ثمّ ركِبوا القطارَ المتوجه إلى وجدة ، حيث استغرقتْ الرحلة نحو تسع ساعات، وأردفَ قائلا: "لا حول ولا قوة إلا بالله" !، كان بوسعنا أن نصل إلى هنا بالسيارة في مدة لا تتجاوز ساعتيْن زمانيتيْن، لو كانتْ الحدود مفتوحة بين المغرب والجزائر.
3- في أوائل سنوات الثمانين ( الثمانينيّات) من القرن العشرين، وبسبب تصرفات السياسيين كذلك، كانت العلاقات مقطوعة بين موريتانيا والمغرب. كان هناك عدد كبير من الطلبة الموريتانيين يتابعون دراستهم في الجامعات المغربية. وقد جرت العادة أنّ الوكالة الموريتانية المغربية للتعاون (amamco)، تتعاقد مع الخطوط الملكية المغربية من أجل نقل الطلاب الموريتانيين، لقضاء العطلة الصيفية بين أهلهم وذويهم، عن طريق رحلات خاصّة تنقلهم من الدار البيضاء إلى انواكشوط، على أن تتحمل الدولة الموريتانية تكاليف تذاكر عودة هؤلاء الطلاب إلى المغرب في بداية العام الجامعيّ المُوالي.
بعد أن حُدِّدَتْ مواعيد الرحلات الجوية، توافدت على الرباط أعداد كبيرة من الطلاب الذين يدرسون في مختلِف المدن المغربية، استعدادا للتوجه إلى الدار البيضاء التي ستنطلق منها الرحلات الجوية، المشار إليها. بعد يوم أو اثنين، جاء خبر مُفادُه أنّ السلطات الموريتانية لا توافق على هبوط هذه الطائرات بانواكشوط. ترتب على هذه الأزمة، أنّ هؤلاء الطلاب، على الرغم من ضعف إمكاناتهم المادية، وقلة عدد الأسر الموريتانية المقيمة بالرباط التي يمكن أن تضيّفهم، اضطروا للبقاء في الرباط، خمسة عشر يوما، في انتظار الفرج . وممّا عقَّدَ الأمور أكثر، هو أنّ السفارة الموريتانية بالرباط كانتْ مغلَقَةً، ولم يبق من موظفيها غير اثنين يتوليان رعاية مصالح الموريتانيين، من خلال قسم تابع للسفارة التونسية. إذ لوكان يوجد سفير، لا ستطاع –ربما-أن يساهم في حل المشكلة.
وكان الحلّ الذي توصلتْ إليه سلطات البلديْن في ذلك الوقت، هو أن تهبط الطائرات بدكار( السنغال)، وتُرسِل موريتانيا طائرات – من الحجم الصغير- لنقل الطلاب، على دفعات، من دكار إلى انواكشوط. ولكم أن تتصوروا معاناة هؤلاء الطلاب، وحجم التكاليف المترتبة على هذا النوع من القرارات. وهنا تكمن ضرورة تفعيل اتحاد المغرب العربيّ، لنفكر معًا ونقرر معًا، وحتى نكون قادرين على تفادي الوقوع في هذا النوع من الأزمات التي لا مُسَوِّغَ لها، بل إنها تُعَدُّ عَبَثا، وتصرفات العُقلاء منزهَة عن العبث.
إنّ قوتنا تكمن في وحدتنا. وكما قال الشاعر:
تَأبَى الرِّمَاحُ إِذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا * وَإِذَا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ آحَادَا.
إنّ شعوب المغرب العربيّ، بل كل شعوب الوطن العربيّ، وحْدَوِيُّون بطبيعتهم، ومازال الأمل يحدوهم من أجل تحقيق هذا الهدف السامي، ولسان حالهم يكرر قول الشاعر:
أُعَلّلُ النَّفْسَ بالآمَالِ أَرْقُبُهَا * مَا أَضْيَقَ الْعَيْشَ لَوْلَا فُسْحَة الأَمَلِ!
إنّ ما يعرفه العالم من تطورات، وما استجدّ من اختلالات على المستوى الاقتصاديّ والأمنيّ وغيرهما، يفرض علينا أن نستيقظ من سباتنا ونتخذ الإجراءات الكفيلة بوضع حدّ لخلافاتنا. وبذلك –وحدَه- يمكن أن نحتل المكانة اللائقة بنا في مصافّ الأمم المتحضّرة، رابطين ماضينا بحاضرنا ومستشرفين لمستقبل زاهر بإذن الله.
وحَذَارِ من فوات الأوان ! (الزمن يَمُرّ بسرعة والتاريخ لا يرحم).