في ختام اجتماعه الدوري اتخذ مجلس شورى تواصل عدة توصيات على رأسها:" مطالبة الحكومة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية،..." تأتي هذه الدعوة ركوبا لموجة، كما عودتنا الجماعة، ولا تعبر عن الموقف الحقيقي لحركة الإخوان المسلمين، في نسختها المعدلة والمحينة. فمن المعلوم أن التنظيم الدولي دخل في حوارات مع الدوائر الغربية نهاية الثمانينات وكان الشرط الأول لتلك الدوائر تخلي الجماعة عن المطالبة بتطبيق الشريعة، وإسقاط شعار "الإسلام هو الحل" ليتم دمجها في اللعبة الديمقراطية. وقد وضعت الجماعة على المحك فأثبتت التزامها باستبعاد مطلب تطبيق الشريعة الإسلامية من برامجها السياسية، وعدم ذكر الإسلام في عناوين أحزابها السياسية؛ فقد دخل نوابها برلمانات ثلاث دول عربية، ولم يطالب أي منهم بتطبيق الشريعة الإسلامية. بل إن الجماعة، في بعض الدول دخلت البرلمان متحالفة مع اليساريين وهي أفضل ضمانة على أن الكتلة التي تمثلهم لن تتقدم بمشروع قانون لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
مهد "حسن السيرة والسلوك" هذا لتلميع الجماعة وإعدادها لتسلم السلطة في ربيع الدماء والدموع. ولما كانت أدبيات الجماعة القديمة وشعاراتها "الإسلام هو الحل" لا تزال عالقة في أذهان البعض، كان لا بد من تنظير جديد يبرر هذا "الانقلاب الإسلامي"، فرفع شعار "الشرعية قبل الشريعة"، وفسر الشعار بأن تجارب تطبيق الشريعة في السعودية، وليبيا، والسودان، وموريتانيا تجارب فاشلة إذ لم تحقق شرط تطبيق الشريعة، كما صاغه متأخرة الإخوان: شرعية الحاكم المستمدة من انتخابه وفق مساطر الديمقراطية الليبرالية. غير أن الجماعة حققت شرط الشرعية بوصولها إلى السلطة وفق مساطر الديمقراطية الليبرالية، في ثلاث دول عربية، لكنها لم تسع، مجرد سعي، إلى تطبيق الشريعة الإسلامية! وقد يكون ذلك مبررا بأن البرامج السياسية التي انتخبت أحزاب الجماعة على أساسها خلت من أي إشارة، أو تلميح إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. بل إن مفكري الجماعة في تبرير عزوفهم، بعد التمكين عن "تطبيق شرع الله في عباد الله على أرض الله"، ذهبوا بعيدا؛ فربط القرضاوي في "شريعته وحياته" بين تطبيق الشريعة و "التوظيف الكامل"، فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطبق الشريعة حتى "شغّل الناس كلها"!!! وذهبت الجماعة في حملتها على الشريعة، مذهب الخوارج فأنكرت حدي الرجم والردة، وعدهما مفكرها الشنقيطي من "مصائب الفقه" وطالب طارق رمضان ب"Un moratoire" توقف شامل عن تطبيق الحدود. وقد برر فقيههم لأطراف الوطن العربي عدم تطبيق الشريعة، < دفاع الشّيخ الدّدو عن الشّيخ راشد الغنّوشي و عن حركة النّهضة،أنظر اليوتيوب>، بينما يطالبنا حزبهم، ونحن في أقصى الأطراف بتطبيق الشريعة!!! وليس ذلك مستغربا على الجماعة فقياسات فقهائها واستنباطاتهم لها مكاييل توفّى وتطفف حسب الحاجة، فتخالف إلى ما تنهى عنه مع رفع شعار الإصلاح والتنمية... فمثلما أن "كفر دون كفر" هناك "تطبيع دون تطبيع"، و"عمالة دون عمالة"، وانحُ ذلك النحو الأجوف معتل الآخر...
ولا أدل على أن دعوة شورى الحزب إلى تطبيق الشريعة ليست سوى محاولة ركوب موجة نهرية يراد لها أن تصبح عاصفة في بحر الظلمات، من أن "ابرافدا" الحزب وضعت عنوانا لخبرها عن الموضوع: "شورى تواصل يطالب بتدخل سريع لتخفيف آثار الغلاء..." ولم تذكر المطالبة بتطبيق الشريعة إلا عرضا في ثنايا الخبر!!!
متى تفهم.. يا...
أن ركوب الأمواج رياضة خطرة.. وأن لعبة شد الحبال ليست مضمونة النتائج.. وأن رفع شعارات، بعد إسقاطها منشط للذاكرة... متى تفهم!!
د. محمد اسحاق الكنتي