يبدو ان النقاط التسع التي تضمنها بيان فيينا، الذي صدر عن اجتماع موسع شاركت فيه 17 دولة، من بينها امريكا وروسيا والصين وايران والسعودية وتركيا يوم الجمعة الماضي، احدث شرخا يتسع بين سوريا وحليفيها الايراني والروسي، حول تفسير النقطة المتعلقة بمستقبل الرئيس السوري بشار الاسد، ويتضح هذا “الشرخ” في رد فعل الطرفين الغاضب، بصورة او بأخرى، تجاه هذه النقاط او بعضها، الامر الذي يذكر بالمصيدة التي وقعت فيها روسيا والصين اثناء تمرير قرار صادر عن مجلس الامن يطالب بحماية المدنيين الليبيين، وتحول الى ضوء اخضر لتدخل طائرات حلف الناتو وتغيير النظام الليبي.
النقاط التسع تبدو للوهلة الاولى متطابقة مع المطالب السورية الايرانية، لانها نصت على ان تظل سورية موحدة وعلمانية مع فترة انتقالية محدودة، تتشكل خلالها حكومة وحدة وطنية من النظام والمعارضة، يجري بعدها وضع دستور جديد، والدعوة لانتخابات عامة، ولكن القاء نظرة متأملة على ما بين سطورها وآليات عملية تطبيق المرحلة الانتقالية، وما سيتبعها، مثل دستور جديد، وانتخابات برلمانية ورئاسية، يمكن القول بأن هناك ما يستحق التوقف عنده، والبحث بشكل اعمق في النوايا الحقيقية لاصحابه في نهاية المطاف.
***
السلطتان السورية والايرانية ابدتا، وللمرة الاولى، شكوكا في الموقف الروسي تجاه مصير الرئيس الاسد، الاول على لسان اللواء محمد الجعفري القائد العام للحرس الثوري الايراني، والثاني جاء في افتتاحية لصحيفة “الوطن” السورية التي يرأسها السيد وضاح عبد ربه المقربة جدا من دائرة اتخاذ القرار في دمشق.
روسيا ظلت تردد على لسان المسؤولين فيها بأن الشعب السوري هو الذي يمكن ان يقرر مصير رئيسه، في رد على العبارة “االلازمة” التي ظل السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي يكررها بكل ثقة، بمناسبة ودون مناسبة، ويؤكد فيها ان الرئيس السوري سيرحل حتما، بحل سياسي او عسكري.
الانتخابات التي نصت عليها احدى نقاط بيان فيينا وبمشاركة افراد الشعب السوري في الداخل والخارج، باشراف الامم المتحدة، وبعد تعديل الدستور، وفي ختام المرحلة الانتقالية، يمكن ان تقرر مصير الرئيس السوري فعلا، وتنهي وجوده في السلطة، لان عدد السوريين في الداخل يتساوى تقريبا مع عددهم، سواء في المناطق الخارجة عن سلطة النظام، او في مخيمات ودول اللجوء (11 مليون مواطن)، الامر الذي يعني ان النظام الذي تعود اجراء الانتخابات في سفاراته بالخارج، سيفقد القدرة الكاملة على السيطرة على العملية الانتخابية في المناطق الخارجة عن سلطاته، وسيكون ملزما بالقبول بنتائجها.
والآن، وبعد ان هدأ غبار اجتماع فيينا، و”راحت السكرة وجاءت الفكرة”، مثلما يقول المثل العامي، وبدأ الجرح يبرد، واصبح القلق هو العامل المشترك بين السوريين وحلفائهم الايرانيين في كل من دمشق وطهران، وبدأت الخلافات تظهر على السطح.
اللواء جعفري قال في محاضرة له في جامعة طهران الثلاثاء “ان الروس لا يشتركون في الموقف نفسه مع طهران في ملفين: مصير نظام الرئيس الاسد وحزب الله”، واكد انه لا تطابق بين موقفي ايران وروسيا بشأن الرئيس السوري، الذي ترى ايران انه لا بديل له، وان الاسد خط احمر ممنوع تجاوزه بأي شكل من الاشكال.
اللافت ان ايران، وعلى لسان اكثر من مسؤول فيها هددت بعدم المشاركة في اجتماعات فيينا المقبلة اذا استمرت بالسير على النهج نفسه، وتضع عقبات امام الحل السلمي “المنشود”، الذي يرى هؤلاء انه يجب ان يستند على بقاء الرئيس الاسد، وهذا التهديد يشي بالكثير.
هذه الشكوك الايرانية تزايدت بعد نشر تصريحات منسوبة الى السيدة ماريا زاخروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية، وجرى نشرها على نطاق واسع على انها تغيير في الموقف الروسي من مستقبل الرئيس الاسد، عندما قالت لراديو “صدى موسكو” ردا على سؤال “ان كان مبدئيا لروسيا الابقاء على الاسد في السلطة: مجيبة “ابدا لم نقل هذا ابدا”.
السيدة زاخروفا، وبعد الضجة التي احدثها تصريحها هذا، اكدت ان موقف روسيا من التسوية السورية لم يتغير، واتهمت الصحافة الغربية، بأنها حرفت تصريحها لاظهار موسكو وكأنها غيرت موقفها، وشددت على “ان سورية دولة ذات سيادة ومصير رئيسها ينبغي ان يحدده الشعب السوري، والمسألة الاهم هي الحفاظ على الدولة السورية”.
***
مخاوف النظام السوري من نصب فخ للاطاحة به عبر اشراك السوريين الخارجيين عن سيطرته في انتخابات محتملة تبدو مفهومة، خاصة ان ثلاث دول من حلفائه وقعوا على النقاط التسع التي تنص حرفيا على هذه الانتخابات، وهي روسيا وايران والصين.
هل هناك اتفاق سري امريكي روسي يحافظ على النظام ومؤسساته، ولكن من دون رئيسه في نهاية العملية السياسية التي يمكن ان تنطلق على اساس نقاط فيينا التسع؟
لا نملك الاجابة، ولن نملكها في المستقبل القريب، لكن “هدوء” جون كيري وزير الخارجية الامريكي طوال مباحثات “فيينا” يوحي بالكثير، ولو كنت مكان الرئيس الاسد لشعرت بالقلق.