يمرّ العالم اليوم بجائحة كورونا الخطيرة، والجائحة هي أعمّ من الوباء حيث أنّ انتشاره قد تعدى القارّات ووصل إلى كل بقاع العالم. لذلك فإنّ الوقاية من هذا الوباء هي أهم خطوة يجب القيام بها نظراً لعدم قدرة الدّول على مكافحة المرض والقضاء عليه. وهذا ما تقوم به الدّول اليوم، حيث تقوم بإجراءات لاكتشاف المصابين ثم عزلهم، مع الدخول في سباق محموم لاكتشاف اللقاحات المضادة لهذا الفيروس وإنتاج كميات كبيرة منها، حتى يتم تلقيح أكبر عدد ممكن من البشر. فاللقاح يأتي على رأس قائمة أدوات الطبّ الوقائي. ويعتبر التلقيح من الإجراءات الوقائيّة ضد الإصابة بالمرض، ولكنّها ليست من الإجراءات الوقائية ضد انتشاره. فالمريض الملقّح لا يتأثّر هو بالمرض عندما يُصاب به، ولكنه ينقله إلى الآخرين أي أنه ينشر المرض.
إنّ الحجر الصحي يُعتبر من إحدى إجراءات الطّبّ الوقائي المؤثّرة والهامّة، والحجر الصّحي له عدة مستويات، منها ما يكون حِجراً عامّاً لجميع الأفراد على شكل منع التجوّل، أو يكون حجراً فرديّاً لمرضى مصابين، وفي كلّ الأحوال فإنّ الحجر يعتبر من الإجراءات اللازمة في بعض الأحيان للقضاء على انتشار المرض.
إجراء الحجر الصّحي - سواء كان على مستوى جميع أفراد المجتمع أو كان على مستوى أفرادٍ معينين- يحتاج إلى قرار على مستوى السلطات الحاكمة في البلد، وهذا القرار يجب أن يكون مبنيّاً على أسس علميّة صحيحة مرتبطة بمدى انتشار المرض. فإذا وصل انتشار المرض في المجتمع إلى مرحلة قد لا تتمكن معها السلطات من استيعاب الحالات المرضيّة في المراكز الصّحية عندها يتم اتخاذ قرار الحجر الصّحي العام، وإلّا فإن الحجر الصّحي الفردي قد يكون كافياّ.
هذا من الناحية النظرية، أما عمليا فإن الحجر الصحي العام يطرح مشاكل عديدة بسبب تأثيراته الاقتصادية الصعبة على المجتمعات، ويتأكد الأمر في البلدان الفقيرة التي يعيش أغلبها على ما يزاولون من أنشطة يومية. نفس الشيء يمكن أن يُقال عن التلقيح الذي تحتاج بعض أصنافه إلى مستوى من التبريد قد لا يُتاح في بعض البلدان الفقيرة، يُضاف إلى ذلك أنه قد لا يتوفر بالشكل الكافي وفي الوقت المناسب، خاصة بعد إعلان الاتحاد الأوروبي نيته فرض قيود على تصدير أي لقاح لفيروس كورونا ينتج في دوله.
من هنا تبرز أهمية تتبع المرض من أجل الحد من انتشاره، والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك تتطلب معرفة دقيقة لعدد المرضى كلّ يوم، ومعرفة نسب ازديادهم. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلّا من خلال اكتشافهم فرداً فرداً عن طريق إجراء الاختبار على جميع المواطنين ! وهي عمليّة مرهقة وصعبة جداً وقد تكون فاشلة في حال عدم وجود خطّة محكمة لاكتشاف المرضى.
إنّ من أهم الأدوات التي تعين السلطات على اكتشاف مرضى كورونا هي الكواشف الطّبّيّة التي تُستخدم لاكتشاف المصابين. والكواشف الطّبّيّة لها أنواع منها كواشف تعمل على طريقة (بي سي آر)، ومنها كواشف تعمل على طريقة (الأليزا)، ومنها كواشف (سريعة) لا تحتاج إلى مخابر وأجهزة متخصصة.
ومن الوسائل التي تعين السلطات على إجبار النّاس على إجراء الاختبار هي الإعلام والدعاية والإعلان وبثّ الوعي بين الناّس والترغيب والترهيب. وكذلك إلزام النّاس على اجراء الاختبار وإجبارهم بالقانون على ذلك.
ومن أهم الأساليب التي تعين السلطات على وضع خطط محكمة لاكتشاف المرضى هي توسيع قاعدة مراكز الاختبار، والجري خلف النّاس بشكل حثيث بدل انتظارهم ليأتوا الى مراكز الاختبار، وكذلك اختيار الأماكن التي تكون فيها حركة السّكان أكبر لتأسيس مراكز إجراء الاختبار فيها.
وعودة إلى موضوع الكواشف فإنّ هناك معايير لاختيار نوع الكواشف الذي يجب استخدامه في اكتشاف المرض. وهذه المعايير تختلف من مرض إلى مرض. ومن المعايير الضروريّة في حالة الجائحة أو الوباء هي: موثوقية الكاشف، وموثوقية العيّنة المأخوذة من المريض، وسرعة الحصول على نتيجة الاختبار. لأنّ هذه المعايير الثلاثة هي التي تعطي خلال فترة زمنيّة قياسيّة فكرة صحيحة حول مدى انتشار المرض، وحول سرعة انتشاره، وحول نسبة انتشاره مقابل تراجعه، وبالتالي تعطي السلطات امكانيّة اتخاذ القرارات الصحيحة حول مكافحة انتشاره في الوقت المناسب.
من الكواشف التي تحقق المعايير اللازمة في حالة جائحة كورونا، هي "الكواشف السريعة" التي تعمل على عيّنات عن طريق الغرغرة، وهي تتصف بمواصفات قلّما تكون موجودة بمجموعها في كواشف أخرى، ومن هذه المواصفات:
1- هي من الكواشف الحديثة جداً والتي ثبت فاعليتها من ناحية النتائج،
2- تعطي النتيجة خلال دقائق،
3- ذات أمان بيولوجي عالي يضمن السلامة والأمان، وتحد من النفايات التي تسبب في نقل العدوى،
4- لا تتطلب أخذ مسحات الأنف ولا البلعوم،
5- طريقة أخذ العينة يضمن الأمان للمخبريين وللمرافقين،
6- تطبيقه لا يحتاج إلى خبرة فنّيّة عالية لذلك يمكن تطبيقه حتى من قبل وكلاء الصّحة ومن أفراد المجتمع مثل المسعفين والمرشدين الصّحّيين،
7- لا تحتاج إلى أجهزة لقراءة النتيجة لذا يمكن اجراؤها في المناطق النائية والتي لا تتوفر على الكهرباء،
8- لا تحتاج لظروف حفظ خاصة مما يمكن من استخدامها في الأرياف، وحتى في المناطق التي لا تتوفر على الكهرباء.
خلاصة القول: إن توزيع الكواشف وتعميمها قدر الإمكان يحقق سلامة المجتمع بأكمله ويجعل السعي لمحاصرة هذه الجائحة أمراً ممكناً.
حفظ الله موريتانيا...