حتى الآن لم أفتح "كِتابيَّهْ"

سبت, 12/19/2020 - 14:31
الوزير السابق  محمد فال ولد بلال

في الذاكرة،
حتى الآن لم أفتح "كِتابيَّهْ" ولكنني البارحة تذكرت هكذا اعتباطا وقفة من وقفات معالي الامين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، السيد عمرو موسى.
المكان : الجزائر العاصمة
التاريخ : 22-23 مارس 2005
أذكر أنني اشتغلت كثيرا بتحضير القمة العربية المقررة في الجزائر بالنظر إلى قرب وقرابة مكان انعقادها وأهمية النقاط المدرجة على جدول أعمالها ودقة الظرف التاريخي الذي تنعقد فيه. كانت أول قمة عربية تعقد بعد فاجعة وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات رحمه الله، التي هزت العالم بأسره. كما جاءت بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري رحمه الله، ذلك الحدث المهول الذي وصلت موجاته الارتدادية إلى الخليج والشرق الأوسط عامة. هذا بالإضافة إلى حضور السيد كوفي عنان شخصيا أعمال القمة لمناقشة القادة العرب بشأن الاقتراحات المقدمة لإصلاح الأمم المتحدة وعملية السلام في الشرق الأوسط والانسحاب السوري من لبنان والعراق والسودان وقضايا الإصلاح في العالم العربي.
كنت منشغلا بالتنسيق مع الإدارات المختلفة والتشاور ودراسة مشاريع القرارت المقدمة للقمة والمواقف إزاءها وإعداد أوراقنا واقتراحاتنا. وكنت بالقدر ذاته أو أكثر مهتما بحضور فخامة رئيس الجمهورية معاوية ولد سيدي احمد الطائع حفظه الله شخصيا إلى القمة. أدري أنه يؤمن إيمانًا راسخًا باتحاد المغرب المغربي ويعشق الجزائر التي تستضيف المؤتمر، ولكنني مع ذلك أتوجس خيفة من إعراضه الدائم عن الأسفار ومقته لمراسم وطقوس القمم وكواليسها والثرثرة فيها.
كنا قد بدأنا عملية تصالح مع الشقيقة ليبيا بوساطة من المملكة المغربية أفضت إلى عقد اجتماعين لوزراء اتحاد المغرب العربي في انواكشوط والرباط. وكان اجتماع انواكشوط فرصة للتعرف على معالي الوزير عبد الباقي الهرماسي خلفا لمعالي الحبيب بن يحي على رأس الدبلوماسية التونسية. وكانت وسائل الإعلام تملأ الرأي العام المغاربي والعربي أملا وتفاؤلا بأن قمة ستجمع جلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقه على هامش القمة العربية في الجزائر. وكنت فعلا ممن يعتقدون ذلك بالنظر إلى صدق المشاعر وعمق المساعي التي يقوم بها الوزيران محمد بن عيسى وعبد العزيز بلخادم لدفع قطار الاتحاد إلى الأمام. وبالنظر كذلك إلى جملة من المؤشرات الإيجابية مثلا: فتح الحدود البرية 2004 من جهة المغرب ورفع التأشيرة عن الرعايا الجزائريين والتقدم الحاصل في إنهاء الخلاف بين موريتانيا وليبيا وانعقاد اجتماعات متتالية لوزراء خارجية الاتحاد والمقابلة الاستثنائية التي خص بها الرئيس معاوية معالي وزير خارجية ليبيا السيد عبد الرحمن شلگم.
سارت الأمور طبقا للمراد. قرر فخامة الرئيس معاوية التوجه إلى الجزائر وحضور القمة حيث كان في استقباله فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وسعادة السفير أخي وصديقي إسلمو ولد محمد فال حفظه الله الذي حضر للاجتماع أحسن تحضير.
بدأت القمة يوم الثلاثاء 22 مارس واختتمت اعمالها في اليوم الموالي الأربعاء 23 مارس 2005.
وتضمن البيان الختامي فقرات عن جل المواضيع الساخنة حينذاك بدءا بالقضية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية وانتهاء بإصلاح هياكل الجامعة وطرق اتخاذ القرارات مرورا بموضوع سوريا ولبنان وإيران والجزر الثلاثة والسودان ودارفور وتطوير النظم السياسية في العالم العربي ومراجعة النظام الدولي وإعادة هيكلة الأمم المتحدة وفتح العضوية الدائمة في مجلس الأمن، إلخ.
محل الشاهد..
تفضل معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية بقراءة البيان الختامي قبل أن ينفض الجمع وتفور القاعة وتمور برجال الإعلام وأعضاء الوفود والحراس، إلخ. ونحن في طريقنا إلى الباب فإذا بالسيد عمرو موسى يقترب من الرئيس معاوية ويقول له: " فخامة الرئيس، هنيئا وشكرا لموريتانيا. فهي وحدها التي تدفع بانتظام مع دولة الكويت" . ابتسم الرئيس معاوية على استحياء وهز رأسه بهدوء من أعلى إلى أسفل، ولم يزد.. ولكني قرأت من ملامح وجهه شعورا بالحيرة والدهشة. ألتفت إلي وهمس في أذني : " محمد فال أطرحوا البال للإشتراكات.. أهيه.. الدفع مهم".. وحينئذ أدركت سبب حيرته: كيف لشخصيات بمستوانا أن تستحضر موضوع "الفلوس" في مثل هذه اللحظات المهيبة ؟!

 

 

من صفحة الوزير والسفير السابق: محمد فال ولد بلال