عندما يتعلق الأمر برسميات الحياة الوطنية، والشخصيات المحورية الفاعلة في تصريفها، وتحديدا ثلاثي السلطة الٱمرة: الرئيس ورجلي ثقته: مدير ديوانه، ووزيره الاول، يكون من النادر أن تلنزم نخبة الكتاب والمحللين, جانب الوسطية فيما تصدره من أحكام ورؤى تتناول المواقف والخيارات والقرارات الوطنية، أو تقدر الحجم الحقيقي لمشكلة ما قائمة، أو نائمة، أو تحدد المسؤولية عنها، وطبيعة الحل الضروري التي تتطلبه.
وما من شك في أن غياب الموقف الوسط في منتج الفكر السياسي المقروء لنخبنا، قد ينفي، ببساطة، موضوعية أي حكم على إجراءات او قضايا وطنية، تشتبك فيها الأسباب والمبررات، وتتناقض فيها الابعاد، وتتشعب التداعيات، مما يتطلب إحاطة بسياقاتها ومبرراتها ودوافعها، قد لا تكون متاحة، وتغيب معها الكفاءة لمقارنة المصالح التي يجلبها إجراء ما بكم الأضرار التي يمكن توقعها منه، وقياس إيجابياتها بسلبياتها، وثمراتها بكلفتها، على الٱماد القريبة والبعيدة.
دعونا نتناول، بمقاييس الإنصاف، وبمعايير الموضوعية، بواعث بعض المواقف السلبية التي تم التعبير عنها مؤخرا، تجاه الرئيس ورجلي ثقته، الذين يشكلان معه ما يمكن تسميته "ثلاثي السلطة الٱمرة"، عسانا نسجل موقفا متوازنا عن المميزات الشخصية لمكونات هذا الثلاثي، وعن أدائه وبيئة عمله، والإكراهات والعراقيل العابرة للدول والكيانات، والخارجة عن الإرادة؛ كتلك التي يفرضها وباء كورونا، وما في معناه مما هو خارج عن الإرادة.
نقر، اولا، بأننا انتخبنا الرئيس محمد الغزواني، طوعا، بلا أي إكراه؛ كان قادما من موقع مشرف تحت العلم، لكنه لم يتول قط، كبر تدبير انقلاب عسكري؛ لذلك عقدنا عليه ٱمالنا العراض التي لا تتوقف عند الخلاص من شؤم العشر الشداد، فحسب بل تتعلق بطي صفحة اربعينية كاملة اختطفت فيها هذه الدولة اختطافا، واغتيلت في حاضرها ومستقيلها، وتعاورها الانقلابيون، في منافسات غير شريفة، استعملوا فيها حراب قبائلهم وجهاتهم وفئاتهم، فجعلوها مستنقعا ٱسنا للمفاسد والمظالم ومختلف الجرائم، فيما كانت أزماتها الطاحنة تطل، المرة بعد المرة، على إيقاع المارشات العسكرية وقرع طبول النحاس لكل مغامر جديد.
يوم تقلد الرئيس الغزواني أمر الناس، تراقصت الٱمال والأماني، واشرأبت الاعناق إلى غد وعهد جديد، طال انتظاره، وقد تعززت تلك الٱمال بعد تمكنه، باقتدار، من وقف مطمع وحلم السراكة معه في بعض صلاحياته؛ وقد التفت الجماهير العريضة من ضحايا النظم السالفه، ويشكل غير مسبوق،حول تعهداته ووعوده وبرامج الإصلاح الوطني التي بشر بها، وبادر بإطلاقها، و أرسى مصالحة وطنية صامتة، وهادئة، بين المكونات الوطنية من أحزاب ومنظمات وكتل وتيارات، فانطلقت قافلة الوطن، يحدونا حاد امين، لا يلوي على بواعث المواقف، وله خبرة بأشواك الطريق ومطباتها.
بعض تلك المواقف السلبية، غير المبررة، من اداء الرئيس الغزواني، طالت أيضا رجل ثقته وكاتم سره، مدير ديوانه المكين، محمد احمد ولد محمد الامين؛ ويرد هنا سؤال، هو: ماذا ينقم أصحاب تلك المواقف السلبية من الرجل، فهو محل ثقة الرئيس، وهو فضلا عن منبته ومحتده وعلاقته الحميمة المتصلة الجذور بالغزواني، إداري مدني متمكن، تقلد وزارة الداخلية، خلال أهم مرحلة انتقالية، شهدت التعديلات الدستورية، وجرت فيها انتخابات شفافة لأول مرة في بلادنا؛ ثم مثل بلادنا كسفير في عدة عواصم صديقة وشقيقة، ولم يعرف عنه فساد أو غلول؛
وتطال تلك المواقف السلبية، غير المبررة، أيضا، رجل ثقة ٱخر للرئيس، هو الوزير الأول الحالي، المهندس محمد ولد بلال، بعد أن طالت سلفه المهندس اسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا؛ ومن يعرف المهندس محمد ولد بلال، يعرف واحدا من أبرز الكفاءات الفنية، وكفا من انظف أكف الموظفين العموميين، وضميرا عامرا بحب الناس وإنصافهم، ونفسا لا تلقي بالا للاعتبارات الأثنية والعنصرية والقبلية والجهوية؛ وهو من تقلب بين الوظائف السامية منذ تخرج، فكان وما يزال يعيش عيش الفقراء؛
المؤكد أن بواعث مثل تلك المواقف السلبية، وغير المبررة، من الرئيس ومن رجال ثقته من الدرجة الاولى، لا يمكن فهمها بعيدا عن سعار الأنانيات والمطامع الشخصية والأهلية، ودروب التنافس خارج مسعى السباق، على التعيينات والمناصب والمنافع؛ مهما تذرع مثيروها بوقوع اختلالات هنا او هناك، من تلك التي تحدث في كل مكان، وفي ظل كل الاوضاع؛
صحيح ان الوباء العالمي(كوفيد 19) دخل على الخط، في بداية المأمورية، وقد غزا العالم كله، من شرقه إلى غربه، ومن شماله لجنوبه، و قهر أقوى الدول واغناها وافضلها نظما وبنى تحتية، وأكثرها تطورا، على كل صعيد، لكن ذلك لم يغن عنها شيئا، فانهارت جميع نظمها الصحية والاقتصادية والاجتماعية القوية العتيقة، وترك الوباء، في كل منها، وما زال يترك ٱثارا مدمرة؛
فكان من الطبيعي أن تؤثر الإغلاقات، ومواجهة الوباء غير المسبوق، على نجاعة خطط التنمية المعدة للأوضاع العادية،
ورغم استدامة وباء كوفيد، في بلدنا الهش الخارج لتوه من عقابيل العشرية العجفاء، ومع موجته الجديدة، د والكلفة المرتفعة لفاتورته، وحضوره بقوة في مسطرة الهم الوطنى، فإن المشاريع والبرامج الاقتصادية والاجتماعية قائمة على قدم وساق؛ ولا تخطئ العين اليوم، مدنا وقرى في الاعماق، وقد باتت ورشات للبناء والتعمير والإصلاح, لكنها فاتت العاكفين على الأماني والاحلام، المنقبين عن المٱثر المتقادمة، في ثنايا السرديات الأهلية والقبلية، لمقايضتها في برص الولاءات والمواقف، المدفوعة الثمن.