يُذكّر الباحث مايكل وحيد حنا الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بتعهده بإعادة الديمقراطية إلى جدول الأعمال، عندما وعد باستضافة تجمع لديمقراطيات العالم لإظهار التزامه بالقيم الديمقراطية في داخل الولايات المتحدة وخارجها، بعد 4 سنوات من "تدليل الرئيس ترامب غير المبرر للطغاة".
وأردف متسائلا، هل سيتجاوز بايدن الخطاب والإيماءات إلى صنع سياسة ملموسة؟
وعلق حنا، في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز (New York Times) بأنه إذا كان جادا في تعهده، فهناك مكان واضح للبدء به وهو مصر.
وأشار الباحث -وهو زميل في مؤسسة "ذا سينشري" (The century)- إلى أن بايدن سيتولى منصبه في وقت أزمات متعددة، وأن البلد الذي يبدو فيه النظام مستقرا والعلاقة راسخة ولا توجد مشاكل أمنية ملحة فمن غير المرجح أن يكون على رأس قائمة أولوياته. ومع ذلك يرى أنه لا يزال هناك سبب وجيه لبدء الدفع من أجل الديمقراطية مع مصر، أكثر الدول العربية سكانا.
وأضاف أن مصر تبدو عازمة على الاستفادة الكاملة من الأسابيع المتبقية من احتضان ترامب غير اللائق لتعميق الاستبداد حيث شنت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي هجوما على الهياكل القليلة المتبقية للمجتمع المدني المستقل في مصر، مع العلم أنها قادرة على التصرف مع الإفلات من العقاب.
واعتبر الكاتب أن الاعتداء الذي بدأ الشهر الماضي باعتقال بعض قيادات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية كان موجها لردع النشطاء الآخرين وعرقلة المبادرة، وأن الاعتقالات هي استمرار لنهج عدم التسامح مطلقا مع المعارضة الذي ألقى بآلاف السياسيين في السجون.
استبداد متزايد
وأضاف حنا أن الحكومة المصرية بهذه الإجراءات الأخيرة جعلت نفسها حالة اختبار لنهج أميركا في كل من الشرق الأوسط وما وصفه بايدن بأنه "الاستبداد المتزايد الذي نراه في العالم".
وذكر أن الإدانة الدولية لحملة السيسي الأخيرة كانت واسعة النطاق وسريعة، بما في ذلك التعليقات العامة من الاتحاد الأوروبي ومكتب الأمين العام للأمم المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا، بل وحتى وزارة الخارجية الأميركية. وشارك مرشح بايدن لمنصب وزير الخارجية أنتوني بلينكن قلقه بشأن الاعتقالات، مشيرا إلى أن "لقاء الدبلوماسيين الأجانب ليس جريمة، ولا الدفاع السلمي عن حقوق الإنسان".
وتابع أن كل ذلك يوحي بأن هناك توقا لنهج أميركي جديد تجاه مصر، ولمنتهكي حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، وبالتالي يحتاج بايدن إلى إظهار الشكل الذي سيبدو عليه النهج الجديد بالفعل.
وإذا لم يفعل، فستظل مصر تعتقد أنها ستعاني من عقوبات قليلة على قمعها. ولا يزال حكامها مقتنعين بمركزية البلد في الشرق الأوسط وفي السياسة الأميركية بالمنطقة.
ويبدو أن مصر تتوقع أكثر من أي شيء آخر أن خوف واشنطن من عدم الاستقرار المحتمل وعلاقات القاهرة الوثيقة مع شركاء أميركا مثل السعودية والإمارات وإسرائيل يجعلان التغيير في السياسة الأميركية أمرا غير مرجح.
وقال حنا إن مثل هذا التقاعس سيكون خطأ، حيث لم تعد الافتراضات السياسية التي شكلت أساس الشراكة الأميركية المصرية سارية، ولم يعد بالإمكان تجاهل المشاكل في هذه العلاقة.
ولفت إلى أن العلاقة اليوم تميزت بخلل وظيفي كبير وشكوك لدرجة أن العديد من القادة في مصر يواصلون الترويج لنظريات المؤامرة التي لا أساس لها من الصحة بأن الانتفاضة المصرية في عام 2011 كجزء من الربيع العربي كانت نتاج مكائد أميركية.
تواطؤ أميركي
وأضاف أنه في الوقت الذي قد تحافظ فيه الولايات المتحدة على تقاربها النظري من القادة المصريين بكبح انتقاداتها لانتهاكات حقوق الإنسان المروعة، فلا يوجد دليل على أن هذا التقارب قد سمح لواشنطن بمحاولة كبح استبداد مصر الموغل وزيادة القمع، وبدلا من ذلك عزز فقط تصور التواطؤ الأميركي.
أما ما يمكن أن يفعله بايدن وفريقه، فيرى الباحث أنه ينبغي لإدارة بايدن أن تكون واضحة بأن الـ 300 مليون دولار التي لم تتلقها مصر بعد من دفعة المساعدات العسكرية الأميركية لهذا العام، والتي يقدر مجموعها بمليار و300 مليون دولار، لن ترسل دون تحسينات فورية وملموسة في مجال حقوق الإنسان.
وسيتعين على إدارة بايدن، في حال عدم إمكانية تغيير ترتيبات المساعدات الحالية التي يتم التفاوض عليها في الكونغرس، الإشارة إلى أنه ما لم تغير حكومة السيسي سلوكها فإنها ستسعى إلى تقليل الشراكة، بما في ذلك المساعدة العسكرية.
واستطرد الباحث بأنه من غير المألوف أن تقوم واشنطن بإعادة تقييم مهمة لشراكة طويلة الأمد مثل تلك التي مع مصر. وسيؤدي القيام بذلك إلى إرسال إشارة قوية ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في جميع أنحاء العالم، كما أنه سيمثل خطوة أولى ضرورية في إعادة ضبط شروط العلاقات الأميركية، في منطقة لا تزال تمثل تركيزا غير متناسب للسياسة الأميركية.
واختتم بأنه من خلال البدء بمصر ستنقل الولايات المتحدة أيضا جدية التزامها بمقاومة عودة الاستبداد على نطاق أوسع.
المصدر : الجزيرة نقلا عن نيويورك تايمز