قد يكون من المهم، في بداية هذا المقال، تقديم التوضيحات التالية :
1 ـ كاتب هذه السطور يتبنى نفس الموقف الذي تتبناه الحكومة الموريتانية من ملف الصحراء الغربية، أي الحياد الإيجابي، ولم يحدث أن انحزت في منشور أو مقال لهذا الطرف أو ذاك، كل ما أتمناه حقا هو أن يجد هذا الملف حلا نهائيا يرضي الطرفين.
2 ـ أعتبر أن الصراع يدور بين شعبين شقيقين لنا في موريتانيا، بل وأكثر من شقيقين، ولكن، ومهما بلغت درجة الأخوة التي تربطنا بالمغرب والصحراء، فإن هذه الأخوة تصبح بالنسبة لي متجاوزة عند تهديد المصالح الموريتانية.
3 ـ هناك من الموريتانيين من يضع المصلحة المغربية فوق المصلحة الموريتانية، وهناك أيضا منهم من يضع المصلحة الصحراوية فوق المصلحة الموريتانية، ولذا فإنه عند حدوث أي أزمة في ملف الصحراء تتعالى أصوات هؤلاء وأولئك، ويغيب في العادة ـ وكما هو حاصل الآن ـ صوت أولئك الذين يضعون المصلحة الموريتانية فوق أي مصلحة أخرى، حتى ولو كانت مصلحة دولة شقيقة أو شعب شقيق.
تلكم كانت توضيحات كان لابد من تقديمها من قبل الحديث عن إغلاق معبر الكركرات، والذي أعتبر إغلاقه تصرفا غير ودي في اتجاهنا كموريتانيين، ذلك أن إغلاق هذا المعبر سيجلب لنا ضررا، فهو من جهة سيؤثر سلبا على صادراتنا من السمك، كما أنه سيؤثر سلبا على وارداتنا من الخضروات، والتي كنا نعتمد فيها على هذا المعبر.
لا أشكك في حق الصحراويين في لفت الانتباه إلى قضيتهم، ولا أشكك في حقهم الكامل في التصرف بالطريقة التي يرونها مناسبة فوق أراضيهم التي يعتبرونها محتلة من طرف المغرب. لا أشكك في أي شيء من ذلك، ولكن، وهذه بديهية لا خلاف عليها، إن أي تصرف على أرضك قد تتضرر منه دولة أخرى سيظل يعتبر تصرفا غير ودي اتجاه تلك الدولة. ولو أننا في موريتانيا استخدمنا نفس الأسلوب الذي استخدمه إخوتنا الصحراويون، لأغلقنا في وجوههم حدودنا الشمالية، أليست تلك أراضينا؟ ألا يحق لنا أن نتصرف فيها كما نشاء وكيف ما نشاء؟
كان على إخوتنا الصحراويين أن يبحثوا عن وسائل أخرى للضغط على المغرب، وللفت الانتباه إلى قضيتهم، غير إغلاق معبر الكركرات الذي ستكون موريتانيا هي أول متضرر من إغلاقه. كان على إخوتنا الصحراويين أن يبحثوا عن وسائل أخرى للضغط وللفت الانتباه غير إغلاق معبر الكركرات، وهم إن بحثوا فلن يعدموا وسائل أخرى لا تجلب ضررا لموريتانيا.
لقد تضررنا بالفعل في موريتانيا من غلق هذا المعبر، وهو ما يستوجب من الحكومة الموريتانية ردود أفعال، فكل تصرف غير ودي يجب أن يرد عليه بتصرف غير ودي. ثم إن تكرار عمليات غلق هذا المعبر تفرض علينا كدولة أن نفكر بشكل جدي في إيجاد حل نهائي لهذا التهديد الذي سيبقى قائما في ظل استمرار الصراع بين المغرب وجبهة البوليزاريو.
الحل في نظري يجب أن يكون من شقين : حل مؤقت (تكتيكي)، وحل دائم (استراتيجي).
الحل التكتيكي : يتمثل في تعداد البدائل، وهو أن نعمل على أن تكون لنا القدرة لاستيراد حاجياتنا من الخضروات من السنغال أو الجزائر في حال تعطل إمكانية استيرادها من المغرب. وَلِمَ لا نفكر في استيرادها عن طريق البحر بدلا من البر؟ ...يجب أن نكون قادرين كدولة على توفير احتياجاتنا من الخضروات من المغرب والسنغال والجزائر برا أو بحرا، وفي حالة حصول أي مشكلة في أحد الخيارات، وكما هو حاصل الآن، نلجأ إلى الخيارات الأخرى.
الحل الاستراتيجي : علينا أن نبدأ من الآن، وليس من بعد الآن، في وضع خطة إستراتيجية فعالة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات، ولم لا تحقيق فائض من الخضروات يتم تصديره إلى الخارج.
لدينا مساحات واسعة صالحة للزراعة بعضها على ضفة النهر، ولا ينقصنا إلا إعداد الخطط الجدية، مع محاربة الكسل وتشجيع المواطنين على الزراعة، وخلق وعي بأهمية الاكتفاء الذاتي، وكل هذا قابل للتحقق إن توفرت الإرادة الجادة لذلك.
لقد أصبح من اللازم والملح أن نفكر بجد في أمننا الغذائي، ويتأكد الأمر بعد جائحة كورونا وتكرار عمليات إغلاق معبر الكركرات.
حفظ الله موريتانيا..