وأخيرا عقد ولد عبد العزيز مؤتمره الصحفي محاطا بقلة من "الاصحاب" وأمام حشد كبير من الصحافة الوطنية والدولية في أجواء من الحرية التامة. المؤتمر نقلته قناتا "الساحل" و "شنقيط" الموريتانيتان لكل البيوت وإلى العالم ودام أكثر من ساعة.
بدأ ولد عبد العزيز مؤتمره بالخوض بتخبط شديد في جدلية مرجعية لحزب الاتحاد قبل أن يتحول إلى تسليط الضوء الكاشف على ملابسات استدعائه من قبل البرلمان على خلفية التهم الموجهة إليه بخصوص فساد اكتنف تسييره البلد طيلة مأموريتين من خمس سنوات كل منهما، وكذلك ملابسات استدعائه من قبل شرطة الجرائم الاقتصادية التي مكث عندها أسبوعا كاملا.
بعد ذلك تناول ولد عبد العزيز خلال دفاع مستميت لم تسعفه فيه البلاغة ولا قوة الاقناع عن أهم ملفات الفساد التي اتهم بالضلوع فيها، ومنها ملفات ذلت طابع خارج عن سياق الشأن الوطني كقضية "آكرا" واليمني وشمال مالي.
وإذ لم يقدم في الشق الأول من المرافعة الذاتية المبتدعة، على خلفية الاعتراف المتعمد رفضه الرد على الأسئلة الموجهة إليه من طرف لجنة البرلمان غير معترف بشرعيتها، ومن قبل شرطة الجرائم الاقتصادية، ما يرضي المواطنين من الردود الواضحة والمقنعة، فإنه قدم في الشق الثاني اعترافات غير متوقعة على نفسه بالضلوع المباشر في قضايا هي أقرب في ملابساتها إلى اللصوصية الدولية المعروفة اصطلاحا بـ"المافيوزية".
وعن ثرائه الفاحش الذي أعترف به وثروات ذويه الطائلة زوجة وأولادا وأقارب وصهرا ومقربين، لم يقدم الرجل أدنى دليل على شرعية الملك، ولم يدحض أساليب سطو هؤلاء المباشر وبلا حياء واستنادا إلى موقع القوة والنفوذ، على:
ـ الخزينة العامة،
ـ المصرف المركزي،
ـ العقار العمومي من مدارس وثكنات عسكرية ومن اقتطاع لأراضي من المركب الأولمبي ومن المدرسة الوطنية للشرطة ومساحات كبيرة من الشاطئ.
ولما كانت الحجج والأدلة ضعيفة فقد كان التطاول على الدولة شديدا وتحديها سافرا من خلال:
ـ النيل المبطن من رئيس الجمهورية،
ـ والمؤسسات من خلال المساس بالبرلمان،
ـ والجيش من خلال استصغار شأن الضباط،
ـ والقضاء من خلال الاستهزاء بدعوته ورفض الرد الشافي على أسئلته،
ـ والشعب من خلال استغفاله إياه وعدم الاكتراث بمشاعره،
ـ والصحافة بإهانتها كما كان حاله معها طيلة العشرية.
ولما كان قد أراد الخرجة في مؤتمر مدوية ومفجرة لملفات كبيرة ضد من أسماهم خصومه الضالعين في مفاسد هو ممسك بخيوطها، فإنها كانت بعد ما تكشفت كل خيوطها في:
ـ أولها زوبعة في فنجان،
ـ وفي آخرها الجبل الذي تمخض عن فأرة وانقلاب السحر على الساحر بتحول المؤتمر إلى مرافعة:
- سياسية هزيلة من خلال إثارة واهية لجدلية المرجعية؛
- دفاعية عاجزة عن تقديم الردود على الاتهام بالفساد والاختلاس؛
- وتحريضية بالميول إلى تجييش عواطف العامة من خلال المساس بالنظام واتهامه بالتقصير واستمرار الفساد كاعتراف صريح بوجوده كإرث من العشرية.