بدى الموقف الفرنسي مرتبكا إلى حد كبير تجاه تطورات الوضع في باماكو عند اندلاع تمرد 18 أغسطس الجاري في قاعدة «كاتي» قرب باماكو، وتوقيف الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا IBK الذي أعقبه؛ ما يوحي بأن تلك الأحداث «فاجأت» باريس نوعا ما.. فقد جاء بيان الخارجية الفرنسية Quai d'Orsay على لسان الوزير جان إيف لودريان، سريعا، ليعلن تأييد باريس لموقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا خاصة فيما يتعلق برفض «أي تغيير في السلطة خارج إطار الدستور»؛ مع التأكيد على وقوفها «مع شعب مالي» فيما يحفظ الأمن والاستقرار ويضمن «عودة النظام الدستوري».. ثم غرد الرئيس إيمانويل ماكرون على «تويتر»، ليعرب عن «قلق» بلاده إزاء تطورات الوضع في مالي، و«حرصها» على ضمان الاستقرار في هذا البلد.
غير أن جملة من المؤشرات والمعطيات ذات الصلة بالموقف الفرنسي ومسار تعاطي باريس مع أحداث مالي قد تساهم في فك بعض رموز علاقة القوة الاستعمارية السابقة بمسار إزاحة الرئيس IBK:
- في مطلع العام الجاري دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظراءه قادة دول مجموعة الساحل الخمس لعقد قمة استثنائية في مدينة بو Pau بفرنسا، هي الأولى من نوعها خارج الحيز الجغرافي ا
للتجمع شبه الإقليمي الذي دأب على عقد جميع قممه في عواصم الدول الأعضاء؛ ما أرجعه بعض المحللين لموقف كان الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز (صاحب مبادرةإنشاء G5 الساحل) مصرا على التمسك به، قبل خروجه من المشهد.. وقد دعا ماكرون ضيوفه إلى توضيح موقفهم من تواجد قواته (بارخان) في منطقتهم، خاصة بعد تصاعد الحراك الشعبي والسياسي المطالب بسحب تلك القوات من شريط الساحل والصحراء؛ لا سيما من مالي التي تزايدت فيها «التنظيمات الجهادية» واتسعت رقعة عملياتها المسلحة..
- تم العمل على «تجاوز» مسألة التواجد العسكري الفرنسي في منطقة الساحل من خلال تبني فكرة توسيع التجمع الإقليمي ليضم شركاء دوليين آخرين عبر إطلاق «التحالف من أجل الساحل» بمشاركة دول أوروبية أخرى بينها ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، فضلا عن مفوضية الاتحاد الأوربي؛ لتنعقد أول قمة لهذا «التحالف» الجديد أواسط العام الحالي في نواكشوط..
- عند اندلاع حراك 5 يونيو الاحتجاجي في مالي ضد الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، برزت شعارات المطالبة برحيل القوات الفرنسية في صدارة المطالب الجماهيرية قبل أن تطغى عليها الدعوة لاستقالة IBK الذي يتهم بأنه «عراب» هذا «الاحتلال» الأحنبي، أو العاجز عن تخليص مالي منه على الأقل.. وقد أبلغ الرئيس الفرنسي نظيره المالي، قبل شهر فقط، بأن عليه العمل من أجل وقف «حملة الكراهية ضد فرنسا، وإلا فإن هذه الأخيرة قد تضطر لخيارات أخرى»..
- رغم متابعتها الدقيقة لتطورات الحراك الاحتجاجي المتصاعد في مالي، إلا أن باريس فوجئت - فيما يبدو - بالنهاية التي آلت إليها الأمور والمتمثلة في التمرد العسكري الذي أفضى للإطاحة بالرئيس كيتا..
- فور الإعلان عن تمرد قاعدة «كاتي» برز في الواجهة إسم العقيد مالك دياو باعتباره القائد الميداني لتلك الانتفاضة العسكرية، قبل أن يظهر، في وقت وجيز، إسم العقيد ساديو كمارا باعتباره «الرجل القوي الجديد»، علما بأن القاسم المشترك الأبرز بين الضابطين هو كونهما عائدين قبل أسبوعين فقط من دورة تدريبية في روسيا؛ ما يعني «بعدهما» نسبيا عن الحظيرة الفرنسية.. ولعل سبب تأخر الإعلان عن التشكيلة الرسمية والنهائية للمجلس الوطني لخلاص الشعب CNSP عائد إلى حرص قادة الانقلاب على تأمين «ظهير» خارجي في مواجهة تهديدات وعقوبات CDEAO و الاتحاد الإفريقي وحتى مجلس الأمن الدولي.. وهو ما يبدو أنهم وجدوه في شخص العقيد آسيمي غويتا Assimi Goïta (رجل فرنسا) لتولي رئاسة السلطة العسكرية الجديدة في باماكو...
- تخرج العقيد Goïta (آسو كما يلقبه المقربون منه) من المدرسة العسكرية في «كاتي» على الضفة الأخرى من نهر النيحر، غير بعيد من العاصمة باماكو، وينحدر حاكم مالي الجديد (37 عاما) من أب كان بدوره ضابطا عسكريا في «كاتي»..
- تم تحويل آسيمي غويتا مباشره، سنة 2002 إلى شمال مالي (غاو، كيدال، تساليت، مينيكا، تمبوكتو)؛ حيث احتك سريعا، بحكم مهامه العسكرية هناك، بالقوات الفرنسية ضمن عملية «سيرفال» (بارخان لاحقا)..
- تقلد سنة 2014 مراكز قيادية في هرم القوات الخاصة في الجيش المالي قبل أن يتولى قيادتها في العام 2018..
- خلال مساره العسكري خضع رئيس مجلس CNSP العسكري الحاكم اليوم في مالي لعدة دورات تدريبية خارج بلده (فرنسا، ألمانيا، الولايات المتحدة) ختمها بدورة في القاعدة العسكرية الفرنسية بجمهورية الغابون..
من صفحة الصحفى الموريتانى الشهير السالك بن عبد الله