أنا أميل إلى ثقافة الإسلام ولا أحيد عنها إلى غيرها ، وقد كتب علماء أمّتي في الأوبئة ما تنوء بحمله الجِمال من الكتب ، وكان الكثير منهم شهودا على فترات استشرت فيها الأوبئة وقتلت أعدادا كبيرة من الناس ..
ومن أهم من كتب في هذا ، المدائني ، وابن أبي الدنيا ، وابن قتيبة ، والحافظ بن حجر العسقلاني وغيرهم ، مع العلم أن الأوبئة كانت تقع في كل البلاد ، ولم يقع طاعون واحد في مكة أو المدينة المنورة في القرون الإسلامية الأولى ..
ولعل ما أحب أن أركّز عليه في هذا الموضوع ، هو أنّ لكل وباء عمرا معدودا محددا لا يتجاوزه .. حتى وإن لم تكن لقاحات ..وحين يبلغ الوباء نهاية عمره يتلاشى ويضمحل ويضعف تأثيره على الناس ، ويكون الناس قد اكتسبوا منه مناعة فلا يضرهم ..
وقد أشار إلى ذلك داهية العرب عمرو بن العاص رضي الله عنه ، إذ يقول :
قال عمرو بن العاص في الطاعون : ( إن هذا رجز مثل السيل ، من تنكبه أخطأه ، ومثل النار من تنكبها أخطأها ، ومن أقام أحرقته فآذته) .
فسَيل الماء له وقت يجتاح فيه ، ثم ينتهي .. فمن لم يهلك في الاجتياح نجا .
ومن خلال قراءاتي في هذا الموضوع عند المسلمين ، فإنّ أعظم أوبئة وطواعين في الإسلام :
_ كان أولها طاعون عمَواس ، كما ذكر ابن قتيبة في ( المعارف) ، وكان في الشام زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وفيه توفي أبو عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل .. وعَمَواس ، قرية بين الرملة وبيت المقدس..
_ثم طاعون الجارف ، زمن ابن الزبير ،
_ثم طاعون الفتيات في شوال سنة سبع وثمانين ،وسمي طاعون الفتيات لأنه بدأ بالعذارى والجواري بالبصرة وبواسط والكوفة والشام .وكان يقال له طاعون الأشراف لكثرة من مات فيه من الأشراف والأفاضل.
_ثم طاعون عدي بن أرطأة سنة مائة للهجرة ،
_ثم طاعون عرّاب ، سنة سبع وعشرين ومائة ، وعرّاب اسم رجل ،
_ثم طاعون مسلم بن قتيبة سنة إحدى وثلاثين ومائة، وقيل أنه مات فيه في يوم واحد سبعون ألفا ، قاله ابن الجوزي .
وقد أشار أحد العلماء المسلمين، من أهل الفقه، على الناس في أحد الأوبئة والطواعين، بأن يشربوا ماء البنفسج ويدهنوا به ، فشفي منهم خلق كثير ..
_ ولعل البشارة التي تظهر في كل هذه الأخبار ، هي أنّ الوباء عادة لا يتجاوز ثلاثة أشهر إلى خمسة، فمثلا طاعون مسلم بن قتيبة بدأ في شعبان وبقي شهر رمضان ، وأقلع في شوال ، أي لم يدم أكثر من ثلاثة أشهر ، رغم أن الموت بلغ فيه سبعين ألفا في يوم واحد..
ولا شك أن الذي يشهد موت سبعين ألف شخص في يوم واحد ، يوقن أن الوباء لن يبقي أحدا ، لكنه يرتفع بعد ذلك بأسابيع أو أيام .
ومن ذلك طاعون وقع بالديار المصرية سنة إحدى وأربعين ، ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في ( بذل الماعون في فضل الطاعون) ، ابتدأ في رمضان ثم انسلخ في صفر .. أي قرابة خمسة أشهر .. وقد هلك فيه خلق كثيرون ..
والظن أن الصين اليوم ، ما تعافت إلا لأن كورونا قد خفّ بها وانتهى عمره فيها ، لأنها كانت أول مصاب به ، فظهر تعافي الناس ، وسيظهر تعافيهم أيضا في أوروبا خلال الشهرين القادمين .. وكذا بقية الدول التي أصيبت ، إذ الظاهر أن هذا الوباء ( كورونا) لن يتجاوز خمسة أشهر ..
وتبقى هذه الأشهر الخمسة على الأكثر ، مناسبة لاستغفار والإنابة إلى الله ، وقد وقع في بعض النسخ من (الحلية) عن الشافعي رحمه الله : "أحسن ما يداوى به الطاعون التسبيح" قيل ووجهه، أن الذكر يرفع العقوبة والهلاك ، قال الله تعالى (فلولا أنه كان من المسبحين) وعن كعب قال ( سبحان الله تمنع العذاب) .
لقد وقف العالم عاجزا أمام أمر الله ، وإن الأمر بيد الله تعالى ، وإن السابق من مصاب الأقوام بالوباء عبر التاريخ ، يؤكد أن الوباء سيختفي من كل بلد أصابه في ظرف خمسة أشهر على الأكثر .
هذا ما أعتقده بناء على الموروث من علوم أمتي ، فمن أراد المزايدة على علماء أمتي، فليأتنا بما قاله قومه وما نقلوه ، إن كان لهم نقل أصلا .. وأنى له أن يفعل وقد سقطت كل الادعاءات التي كانت تصف المسلمين بالتخلف وتصف غيرهم بالتطور .فأي تطور هذا الذي يقف عاجزا أمام فيروس صغير ، بينما يقول رئيس وزراء إيطاليا : ( استنفدنا قدرة أهل الأرض على مواجهة الوباء والأمر متروك لقدرة السماء)؟
_للوباء عمر لا يتجاوزه ، ودورة الطبيعة وعواملها تؤثر فيه وتستنزفه وتؤقلمه وتستأنسه وتدجنه ، إلى أن يفقد قدرته على القتل ..ويتلاشى ..
وأخيرا ، يقال : (الرائد لا يكذب قومه) ، وما جرب الناس على علماء أمتي قبل هذا توهما ولا خبطا في الرؤية ولا خطلا في الرأي ، وبعد اكتمال الخمسة أشهر ،من بداية هذه الجائحة ستكون هذه الوثيقة شاهدة على رؤية المسلم الواضحة ، أمام اضطراب وتردد وزارات الصحة ومنظماتها العالمية .
فاحفظوا هذه الوثيقة ، لتكون لنا يوما في وجه الذين يخوفون الناس ويوهمونهم أن العالم قد انتهى ..
سجلوها للأيام ، واعصبوها برأسي ..
د.محمد راتب النابلسي