ما أعرفه أن الرئيس محمد ولد الغزواني يتطلع أكثر من غيره لقطيعة أبدية مع نظام ولد عبد العزيز و رموزه، و لو كان يملك الجرأة لاجتثاثهم من جذورهم لما تردد في ذلك رفةَ جفن، غير أن الرجل من المترددين أمام الصعاب، الواجمين أمام السلالم، الذين يقلّبون الأمر حتى على وجوه لا يحتملها.. إنه أشبه بمن يصيبه الدّوار فيعتقد أن الكون يرتعش، و الواقع أنه من ترتعد فرائصه، من وحش ولد عبد العزيز الوهمي، الذي لا وجود له في غير مخيلة ولد الغزواني، فالرجل المبغّض في شعبه و جيشه، لم يعد بإمكانه أن يفتك بذبابة، فما بالك برئيس تعلق عليه الآمال، و يشهد له القريب منه و الغريب عنه بدماثة الأخلاق و حسن التعامل.
المترددون لا يصنعون التاريخ، فاللحظة الفارقة لا ينبغي أن تسبقها الخطوة و لا أن تتأخر عنها.
في اعتقادي أن ولد الغزواني اقترف منذ توليه الحكم موبقات سياسية يضرب لها الطبل، سيكون لها ما بعدها، و هي غير مبشّرة البتةَ بمستقبل الرجل في ممارسة الحكم و إدارة شؤون البلاد، إلا أن تشحذه الأيام و تعلمه التجارب.
في رأيي كان خطأ ولد الغزواني الأول حين بدا يوم تنصيبه مرتبكاً، ينتظر لجلوسه على كرسيه المحاذي لكرسي ولد عبد العزيز أن يستوي الأخير في جلسته، ثم سلامه بعد ذلك على الحضور بيد واحدة و حين وصل الشيخ ولد بايه صافحه بيدين، و هو من هو في فساده و قربه من ولد عبد العزيز و كره المواطنين الموريتانيين له. غير أن الطامة الكبرى كانت حشرجه البكاء التي عاقت صوت الرجل و هو يذكر اسم “الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز”.
لقد كانت صدمة أن يبكي ولد الغزواني لفراق ولد عبد العزيز.!. فقد فتّ ذلك في أعضاد الناس، و عكّر صفاء نفوسهم، فكان الرأي العام: أن لا تعوّلوا على هذا في القطيعة مع ذلك.!
إن المهمة الأولى لولد الغزواني أن يقنع المواطنين أنه رئيس فعلي، كامل السلطة و الاستقلالية، فليس رئيساً بالوكالة و لا ظلاً لحاكم سابق، و لا مهدّداً -كما يعتقد كثيرون – بتسجيلات و فيديوهات لغرامياته. و هو في ذلك يتعامل مع أربعة ملايين رأي و حالة نفسية، لن يقنعها بذلك إبقاءه على ثلة من وزراء ولد عبد العزيز، خصوصاً الفاسد محمد ولد عبد الفتاح و الغبي سيدي ولد سالم و صديقة الأنظمة الناهه بنت مكناس. و لا المستشارون الذين لا يزالون يترددون على مكاتبهم بالقصر الأزرق، يتقدمهم احميده ولد أباه، الذين لم يسلم الرئيس الحالي من تنصته على هواتفه و تعقّبه لحركاته و سكناته.
غيرَ أن أمّ الأخطاء عدم إقالة سيدي ولد سالم بعد تعليقه المستفزّ.
الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة يؤكد أن ولد الغزواني امتدادٌ لحكم “فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز” الذي لم يصفه بـ “الرئيس السابق” ليوحي بأن روحه لا تزال تحوم فوق النظام الجديد، فتتغشاها بركاتها.
تصريح ولد سالم صدم الرأي العام، و اجتاحت ردة فعله السريعة مواقع التواصل الاجتماعي و صالونات نواكشوط و مقاهيها، و اشرأبت النفوس و تتلعت رقابها للإجراء الذي سيتخذه ولد الغزواني في حق وزيره، أو بعبارة أصح “وزير ولد عبد العزيز في نظام غزواني”. غير أن الرد كان صادماً أكثر من الفعل: “أوعز مدير ديوان الرئيس محمد أحمد ولد محمد الأمين لوسائل الإعلام الرسمية ببتر الجزء المتعلق من تصريح ولد سالم باعتباره حكمهم امتداداً لنظام ولد عبد العزيز”. نقطة، رأس سطر.
ربما سيُقال ولد سالم لاحقاً.. لست أدري!.. لكنها ستكون إقالة لا طعم لها و لا رائحة، و لن تردّ الاعتبار لنظام يُعمِل وزراءه معاولهم لدكّ أسسه. فلو أقيل من يومه سيدي ولد سالم (التكتلي السابق الذي التحق بنظام ولد عبد العزيز)، و عُيّن مكانه مثلاً محمد محمود ولد لمّات (التكتلي السابق الذي التحق بصفوف الغزوانيين)، لكانت الرسالة قوية و واضحة: “نحن من يحكم البلاد، و قد ولّى حكم ولد عبد العزيز إلى غير رجعة.!”.
إن التريث ليس صواباً دائماً، فالحكمة السائرة “في التأني السلامة، و في العجلة الندامة” ليست على إطلاقها، فالشاعر أيضا يقول:
قد يدرك المتأني بعضَ حاجته
و قد يكون مع المستعجل الزّلَلُ
و ربما فات قوماً جلُّ أمرهم
من التواني و كان الحزم لو عجلوا
و حين طُلب من عنترة ابن شداد العبسي أن يكشف عن سر شجاعته قال: إنه كان يعاجل الضعيف من أعدائه بطعنة نجلاء يطير لها فؤاد الكميّ.
و هذه الضربة المباغتة هي التي يفتقر لها ولدالشيخ الغزواني. فهو إنما يضرب في حديد بارد.!
هنالك تشابه كبير بين بداية حكم ولد الغزواني و سيدي ولد الشيخ عبد الله، و لهذا ينبغي للرئيس الجديد أن يستفيد من أخطاء الرئيس الذي أطاح به و صديقه في انقلاب عسكري، و الذي لولا أنه لم يكن سيفاً قاطعاً، فيتغدى بهم قبل أن يتعشوا به، لما سلبوه حكمه.
يحتاج المواطنون لأن يتحققوا من انتهاء كابوس ولد عبد العزيز، و انجلاء ليل حكمه النابغي، و هو ما لم يحرك ولد الغزواني ساكناً لإقناعهم به، فأبناء البلاد الذين تمت مطاردتهم بسبب مواقفهم السياسية مثل ولد الشافعي و ولد بوعماتو و أولاد لبلاد و سيدي عالي ولد بلعمش و مثلي، لم تتم طمأنة من يحتاج منهم للطمأنينة، و لا إلغاء الإجراءات القضائية الظالمة عمّن اتخذت في حقهم تلك الإجراءات. حتى أن بعض المصادر أفادت أن ولد الغزواني اجتمع ثاني أيامه في القصر الرئاسي بالمحامي جمال ولد الطالب، المكلف بملف ولد بوعماتو و باعتمار طاقية الإخفاء القانوني لمنهوبات ولد عبد العزيز و أفراد عائلته.
إنه يجب أيضا البِدار بتغيير مديري المؤسسات الإعلامية الرسمية، و استبدالهم بخلصاء للنظام الجديد، يؤمنون بحرية التعبير و ضرورة الانفتاح على الآراء الأخرى، غير أنهم يكفرون بـ “استمرار النهج” و بـ “إنجازات العشرية”.
و هكذا أيضا يجب الإسراع، جهدَ المستطاع، بحل البرلمان الحالي، و انتخاب نواب يدركون حقيقة المهمة التي يجب عليهم الضلوع بها، من دفاع عن مصالح البلاد، و ليس التملق و الولاء لنظام سابق، أهلك حرث البلاد و نسلها.
عدم الإسراع باتخاذ قرار حاسم، يرفع الظلم عن مغرّبي المعارضة الموريتانية، خطأٌ سيقنع الرأي العام أن إرادة ولد عبد العزيز لا تزال سارية المفعول. و هكذا أيضا هو الشأن مع عدم إلغاء الصفقات و رخص الصيد و العقارات و التعيينات التي كافأ بها ولد عبد العزيز أشياعه و حوارييه أياماً قليلة، قبل تسليم السلطة.
على ولد الغزواني أن يدرك أن شرط النهايات تصحيح البدايات، و أنه يتخبط منذ تنصيبه خبطَ عشواء، و يقدم رجلاً و يؤخر أخرى، و قد بدأت إرهاصات انقلات ركوة حكمه، فبعد تصريح سيدي ولد سالم المستفز يخرج علينا بيجل ولد هميد بتصريح أكثر استفزازاً، و يصعّر الشيخ ولد بايه خده بطراً، فيصرّ على بث تصريحات بيجل (أنا مع بث تصريحات بيجل إذ ينبغي أن نحترم حقه في التعبير فهو نائب برلماني، و بذلك يختلف عن سيدي ولد سالم الذي يتبوأ منصباً سياسياً).
إن على ولد الغزواني أن يجد صيغة قانونية ليمنع ولد عبد العزيز من ممارسة السياسة، أو دخول البلاد في الأجل القريب، فوجوده في موريتانيا قبل أن يقتنع الجميع أنه ليس الحاكم من وراء ستار، سيشكل خطرا على الحكم الذي لم يستتّب له بعد.
و على ولد الغزواني أيضا أن يستميل بعض رجال المعارضة النابهين لدعمه، إلى جانب المخلصين له من الموالاة، و بهذا تدفع خوافي طائر حكمه قوادمَه للتحليق، و يُفتَل حبل نظامه بسحيل و مبرم.
هذا رأيي.. و عند الله عاقبة الأمور.
حنفى ولد دهاه
تقدمي