راودتني فكرة تدوين ملاحظات سريعة بمناسبة ذكرى الاستقلال المجيدة، وسأنثرها على شكل خواطر متناثرة لا تخضع لكبير سبك:
- تحقق لنا كثير من الإنجازات خلال سنوات الاستقلال الماضية فقد دخلنا قائمة دول العالم، وتحسنت بنياتنا المختلفة على جميع الأصعدة، وكانت السنوات العشر الأخيرة متميزة في تاريخنا الوطني من أوجه كثيرة يضيق حصرها في هذا المقام...
- لكن ما يخيف أصحاب "الوعي" أو "العقل" أن ظواهر كثيرة ما تزال حاضرة في حياتنا، بل إن بعضها ينمو بشكل سرطاني تصعب مقاومته؛ من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
* استفحال الولاءات الضيقة (القبلية، الفئوية، الجهوية ...) المناهضة لفكرة الدولة والوطن، والتنظير لها من قبل بعض الساسة والأطر، والاعتماد عليها وحدها في مجال ولوج الوظائف والرتب، والحصول على الامتيازات والمنافع... ومعلوم أن الجهة التي غزانا منها المستعمر هي تفرقنا إمارات وقبائل وقوميات؛ وبالتالي فلا مكان لنا في المستقبل الزاهر إذا لم نحرص على تقوية فكرة الدولة والوطن ومحاربة كل ولاء ينازع ذلك، واعتماد المساواة وتكافئ الفرص على أساس معيار الكفاءة.
* تراجع العقل والعلم ونمو الخرافة: حين كنت تلميذا كان القانون يجرم التداوي بالرقيا، وكانت ممارستها حيية. واليوم تنموعيادات الرقيا والشعوذة بشكل مخيف، وتتم ممارستها عبر الأثير، وينمو الأطفال على وقع ذلك. وكل مجتمع لا يحل العقل والعلم مكانتهما اللائقة في حياته، ومحاربة ما يناقضهما لا ينتظر أن يأخذ مكانة مرموقة في المستقبل.
* قبل سنوات كان الفقر أكثر ولكن التسول كان مجرما لذلك كانت ممارسته محدودة واليوم ينمو الأطفال على رؤية جحافل المتسولين في الأماكن العمومية؛ الأمر الذي يسوغ الكسل وعدم العمل.
* التعليم والتكوين أنفقت فيهما أموال كثيرة لكن ما يزالان بحاجة إلى مزيد من العناية. فلابد من إجبارية التعليم الأساسي ولو بالعنف إذا كنا نريد مجتمعا موريتانيا في المستقبل. لا بد من توحيد المدرسة: توحيد التلاميذ، توحيد المقررات، توحيد لغة التدريس، وإشراف الدولة عليها إشرافا مباشرا. فالتعليم الذي نمارسه الآن لا يخلق لنا جيلا وطنيا واحدا، وإنما أجيالا يمكن أن تنخر الوحدة الوطنية والأمنية، فضلا عن ضعف المستويات العلمية وتعدد اللغات والولاءات.
*الثقافة ركيزة أساسية من ركائز المجتمعات لأنها تحمل قيم المقاومة والخير ورموز البقاء. ومع تثميننا لمظاهر الاعتناء بالثقافة متجلية في مهرجان المدن القديمة، والدعوة إلى إعادة كتابة التاريخ، ودعم اتحاد الكتاب وهيئات ثقافية أخرى فإننا نرى أنه لا بد من وضع إستراتيجية ثقافية وطنية؛ يكون من أهدافها محاربة القيم الثقافية الهدامة، والنهوض بتراثنا الثقافي وإخراجه من الصناديق إلى رفوف المكتبات... فكيف لا يجد القارئ العربي من مئات الدواوين الشعرية والكتب العلمية التي أنتجها الأجداد في الفترات المظلمة من تاريخ الثقافة العربية وفي الفترات الراهنة شيئا يذكر؟ هل يمكن أن نطور الفنون ونخلق حراكا ثقافيا وليس في مدننا لها مرفق ثقافي واحد يمكن أن تعرض فيه مسرحية أو فلم أو حتى تقام فيه ندوة؛ لذلك ألتمس من فخامة الرئيس ومن وزير الثقافة أن لا تنتهي هذه المأمورية إلا وقد وضع الحجر الأساس لقصر للثقافة في نواكشوط يكون مكتمل الجوانب والمرافق.
هذه مجرد ملاحظات سريعة نرى في النظام القائم برئاسة فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز رئيس الجمهورية وحكومته وأغلبيته الأهلية للتصدي لها لمزيد من تأمين مستقبل هذا البلد.
عبد الله السيد مثقف موريتاني كبير وأستاذ جامعي ومدير بيت الشعر في نواكشوط.