منذ محنة ساركوزي صارت صحبة القادة الأفارقة للساسة الفرنسيين تخضع لرقابة سياسية قوية سببها ضغط المهاجرين المتوقع مع كل أزمة افريقية جديدة،ما جعل الشؤون الإفريقية لم تعد منفصلة عن الشؤون الداخلية الأوريبة،وهو بعد تركز عليه المعارضات الإفريقية أثناء ضغطها على الحكومات.
أبسط أزمة سياسية يمكن أن يركبها طالبوا اللجوء السياسي أو اللجوء الاجتماعي أو اللجوء الثقافي نحو أوروبا ،ما من شأه أن يزيد الضغط النفسي على الأوربين وينهكهم بالضرائب،بجريرة مبادرة زيادة المأموريات التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
تلك المعطيات تجعل ضحايا المجازفة شركاء لابد من التشاور معهم.ومن يريد التشاور مع هؤلاء وإقناعهم عليه أن لا يلجأ إلى كونه قادر على التكفير عن اليمين أو أنه تاب من التصريحات السابقة التي قيد بها نفسه،فعقول هؤلاء القوم تعمل بطريقة شبه آلية لا تتحمل الكثير.
إنهم قوم إذا غضبوا ربما حركوا الملفات النائمة مثل مجازر الزنوج وغيرها من قضا حقوقية في نظرهم،و يصاحب ذلك تشويه سمعة البلاد وتوقيف المساعدات.
وقد تتطور الأمور نحو الأسوأ إلى أن تصل حد تجميد أرصدة شخصيات وحظر دخولها للبلاد التي اعتادت الاستجمام فيها أو العلاج.وربما إلى ما هو أسوأ من ذلك بكثير،لما أثبتت الحالة الغامبية من أن تلك الدول لم تعد تستبعد أي خيار.
ولهذا فإنني على خلاف المعارضة أرى الرحلة الرئاسية الحالية رحلة وداع،خاصة وأن الرئيس لم يقم بمثلها دعما لمرشحين من قبل،ودأب على أن ينتظر ظهور من أثبتوا وجودهم في صناديق الاقتراع سواء كانوا مستقلين أو غيرهم حتى يكون تعامله مع أصحاب نفوذ محقق لا مع أناس يدخل بهم المنافسة ربما تسببوا في خسارته للانتخابات ولحليف متوقع.
لم يكن الرئيس من الناحية العملية مرتبط بحزب جامع مانع للأغلبية يتخذه ماكينة لصناعة قطع غيار جهازه السياسي،كما كان حال حزب الشعب والحزب الجمهوري.
وحتى لو توفرت عنده رغبة جديدة بإتباع نفس الأسلوب فإنه لم يمهد لذلك بهيكلة الحزب التي مرت في ظروف غامضة جعلتني أتصورها إستراتيجية انهيار دبرت بليل للحزب الذي كنت أنتمي إليه.
الرجل جنرال سابق في الجيش،وتصرفاته لا يمكن أن تكون عشوائية بتلك الدرجة،فقد وصفته تسريبات ويكلسك لمراسلات السفارة الأمريكية بنواكشوط بأنه يتقن مكائد الحكم،أي أنه داهية..وهو مسلم مواظب على الدعاء بالقول : اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدا ما أحييتنا .
من خلال المعطيات السابقة تكون قراءتي للرحلة الحالية داخل البلاد والتي يقوم بها رئيس الفقراء محمد ولد عبد العزيز، أنها لا تتعلق بزيادة المأموريات المستحيلة حتى ولو صرح هو بذلك تثبيتا لقلوب من لا يزال لهم دين سياسي عليه.
إنما تتعلق بتفقد أحوال الرعية التي يرسل من خلالها رسالة مفادها أنه : رغم أنه قضى مأموريتين ونيف،فإنه لا زال محبوبا عند شعبه،ما يؤهله أن ينسحب وهو في القمة بعد أن عمل أعمالا صالحة كثيرة آخرها في هذه الموسم تمريضه لحزب محتضر..والله أعلم.