طول مدة الزيارة وكثافة اجتماعات قيادة حماس مع القيادة المصرية في واحدة من أطول الزيارات إلى العاصمة المصرية، وسط القليل من الحديث للإعلام، انعكست على تكهنات أطلقها مراقبون وأخرى توقعات لما قد ينتج عن اللقاءات في ظل ظرف سياسي متواتر بما يحويه من قضايا إستراتيجية.
فمما يقارب الـ21 يوماً تواصل قيادة حماس ممثلة برئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، وأعضاء المكتب في الداخل والخارج زيارتهم للقاهرة في ظل اجتماعات متتابعة، قيل إنها تناقش ملفات كثيرة على رأسها ملف المصالحة.
وعلى غير المألوف، انطلقت بنات خيال الكتّاب ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بالتحليل والتوقعات عن زيارة طويلة ومعمّقة لمكتب حماس السياسي وقيادتها التي وصلت القاهرة على ثلاث دفعات في إشارة واضحة لتطور علاقة الطرفين في بحث الملفات المتتابعة.
ما رشح من قيادة حماس في الأيام القليلة الماضية، ما صرح به خليل الحية، عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، مؤكداً أن وفد حركته بحث مع السلطات المصرية إنجاح المصالحة، ومواجهة صفقة (ترمب)، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه لم يجرِ التطرق لإدارة قطاع غزة .
وأوضح : "جرى بحث الإجابة عن "الأسئلة المُغرضة" التي تتحدث عن دولة في قطاع غزة والتوسع على حساب سيناء المصرية"، مؤكدًا أن كل هذا "مرفوض من حماس، واستمعنا رفضًا مصريًا بذلك".
زيارة مهمة
الجمهور الفلسطيني المتعطّش لما يجري خلف أروقة لقاءات القاهرة، ذهب بعيداً وهو يخمّن أحوال وفد حماس الذي طالت إقامته ومدى نجاحه مع الجانب المصري في تضميد شيء من جراح غزة، حتى وصل ببعض الأطراف لإثارة شائعات عن ضغوط تفرض على الوفد.
حسام الدجني، المحلل السياسي، قال لـ"المركز الفلسطيني للإعلام"، إن "ملفات الزيارة باللقاءات الحالية كبيرة تتضمن الأمن، وصفقة القرن، وعلاقة حماس بالتيار الإصلاحي لحركة فتح وسبل الانتقال لخيارات جديدة مثل تشكيل حكومة إنقاذ، وهو ما يعني أن بحثها بحاجة لوقت وجدية أكبر" .
أما حمزة أبو شنب، فيرى أن "طول الزيارة والسماح لرئاسة المكتب السياسي عقد لقاءات داخلية وخارجية يعكس تطور العلاقة بين حماس والقاهرة وأن حماس بات مرحباً بها من قبل النظام السياسي المصري بعد أن شهدت حالة الرفض نتيجة الظروف السياسية الداخلية لمصر".
ويضيف: "تتصدر المصالحة النقاشات بدليل عودة وفد أمني مصري لمتابعة المصالحة في غزة وتفاهمات حول أزمة غزة الإنسانية التي ترجمت لتخفيف جزئي ودخول بضائع من مصر".
وكان خليل الحية عضو مكتب حماس السياسي تحدث قبل أيام من القاهرة قائلاً: "صحيح أن المصالحة تشهد حالة من البطء الشديد؛ لكنها ما زالت الخيار القائم والمفضل الذي تدفع به حماس، والإخوة في الحكومة متباطئون ويتذرعون بأشياء متعددة ".
ومنذ أيام، يجري وفد مصري يزور غزة برئاسة اللواء سامح نبيل، والقنصل خالد سامي، لقاءات متتالية مع عدد من القيادات السياسية وفي الحكومة للتأكيد أن القاهرة مستمرة في ملف المصالحة وللوقوف على الخطوات حركتي حماس وفتح من أجل تمكين حكومة الوفاق.
سرية أم ضغط!
ثلاثة أسابيع من الزيارة المتواصلة حرّضت نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام لوصف ما يجري بأنه ضغط مصري أو ربما تضييق على قيادة حماس، وهو الوصف الذي رفضه طلال عوكل، المحلل السياسي، بالقول: "الجولة سريّة تؤكد أننا في مرحلة حاسمة وطول المدة بموافقة وأريحية من حماس".
ويتابع في حديثه لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "أعتقد أن الجولة الآن تعكس جديّة مصر وحماس في عدة قضايا أهمها المصالحة وبينهما توافق كبير وزيارة وفد مصر قبل أيام لغزة تشير لوجود صعوبات في المصالحة لكنني شاهدت خليل الحيّة يتحدث بهدوء".
ويكشف طلال أبو ظريفة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، أنه علم أن طول وكثافة الاجتماعات سببها محاولة القاهرة الخروج بموقف نهائي لحماس حول المصالحة وأن وفد من فتح سيلتقي المصريين وحماس خلال أيام، وفقا لما صرح به لـ"المركز الفلسطيني للإعلام".
مرحلة حاسمة
ويرى المحلل أبو شنب أنها ليست المرة الأولى التي تطول فيها زيارة وفد حماس السياسي خارج غزة في ضيافة القاهرة وسابقاً الدوحة مع خصوصية هذه الزيارة وأن ثمّة شيء على وشك النضوج .
أما طلال عوكل المحلل السياسي فيقول إن الفلسطينيين أمام مرحلة تتحرك فيها الأمور للأمام فبدء الحديث عن (موازنة السلطة- تسليم الجباية الداخلية بغزة- وتجميد تقاعد المدنيين وقضايا أخرى) يدلل أن حماس تقدم خطوات عملية لتسهيل المصالحة وزيارة وفد مصر وتقديم ضمانات تعكس تطور إيجابي بين مصر وحماس .
ويرجّح طلال أبو ظريفة أن تكون قضية تبادل جنود الاحتلال حاضرة ويجري الحديث عنها ضمن تبادل صفقات متدرّجة لأن حماس بحاجة لإنجاز سياسي حالياً يقف أمام مخطط (ترمب) ويكبح قرارات (نتنياهو) وهذا نقاش يمتاز بالسريّة .
غزة بوابة مصر
وتلعب مصر دورا مؤثرا في القضية الفلسطينية ناتج عن تماسها الجغرافي والسياسي مع القضية الفلسطينية وخاصّة غزة بالمقابل علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل".
ويؤكد المحلل حسام الدجني إن يجري في سيناء من عمليات "إرهابية" جعل من القيادة المصرية تفكير بشكل أعمق بأن قطاع غزة يشكل مدخلا مهمًا للتنمية عبر تأهيل معبر رفح ليكون معبراً اقتصادياً يخدم الطرفين.
كما أن وثيقة حماس السياسية التي أطلقتها الحركة في 1/5/2017 أعلنت فيها عن هويتها بشكل واضح بعدم ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين وهو ما صنع تحولا ولو طفيفا بالموقف المصري تجاه الحركة.
وبدأت حماس والقاهرة العام الماضي مرحلة جديدة من العمل المشترك على الحدود بإنشاء المنطقة الآمنة بعد ازدياد هجمات (داعش) على الجيش والقرى المصرية في سيناء وهي جرائم أدانتها حماس.
وتطمح القاهرة حسب رؤية الدجني لكسب دور يتغلّب على الدور القطري والتركي في غزة بعد سنوات من القطيعة المصرية التي منحت دولا تعتبرها القاهرة خصماً سياسياً في ملء الفراغ.
ويرى القيادي أبو ظريفة أن مصر باتت تعرف قوة حماس في معادلة المنطقة لذا فهي معنية مع حماس بتصويب المشهد السياسي لمواجهة أي حل سياسي في المنطقة .
وفي الوقت ذاته تأمل حماس المحاصرة بغزة مع اشتداد المخطط الأمريكي- الإسرائيلي فهما جديدا لدكتاتورية الجغرافيا،لأنها الرئة الوحيدة لغزة التي تربطها بالعالم.