إن الدستور أو القانون الأساسي، هو تجسيد مكتوب ينظم مجتمعا معينا بصفة عامة، فهو يعكس التكيف الضروري للديناميكية والقيود الداخلية والخارجية التي تواجه المجتمع. وثبات الدستور هو وهم، نتيجة للتطورات المجتمعية خصوصا في عصر التسارع في مجال الاتصالات. والعديد من دول المنطقة ودول أخرى أجرت تعديلات لدساتيرها أو هي على وشك تعديلها ...
استعراض تاريخي موجز
في الواقع، لقد تبنى الشعب الموريتاني قبل ألف سنة الشريعة كقاعدة مرجعية عليا؛ وفي 22 مارس 1959، تم تبني أول دستور بالمعنى العصري للفظ. هذا الدستور تم تعديله، قبيل الاستقلال، يوم 26 نوفمبر 1960، ثم في 1961, 1964 و 1970. وفي 9 من فبراير 1985، تم تبني ميثاق دستوري و في 20 يونيو 1991 تم إنشاء دستور جديد و تم تعديله في 12 يوليو 2006 ثم في 2012 إثر اختتام الحوار السياسي الوطني لسنة 2011. إن مشروع التعديلات الدستورية، موضوع الاستفتاء الشعبي في 5 من أغسطس المقبل، يمثل ختاما للحوار الوطني الشامل لسنة 2016، الذي شاركت فيه الأحزاب السياسية للأغلبية الرئاسية و أحزاب المعارضة الديمقراطية، أما المعارضة الراديكالية فقد فضلت مقاطعة الحوار كما كان الحال في حوار 2011.
ماهية التعديلات المقصودة؟
الشعار الوطني (العلم، معنى التضحية الأسمى)
المؤسسات :
إلغاء مجلس الشيوخ وإنشاء مجالس جهوية؛
إلغاء وسط الجمهورية والمجلس الإسلام الأعلى ومجلس الفتوى والمظالم، لصالح مؤسسة موحدة بصلاحيات موسعة.
المنطق الكامن وراء هذه التعديلات:
إمتلاك رموز الجمهوية ومعانيها على المستوى الشعبي؛
معالجة اختلال التنمية الاقتصادية الخطير بين العاصمة (نواكشوط) و المناطق الداخلية و تعزيز مبدأ التبعية.
معالجة التكرار والإسهاب المؤسسي؛
اقتصاد وتوفير الموارد العمومية
الوفاء بالتعهدات التي تم الالتزام بها في الحوار الوطني 2016.
ما بعد الأهداف المباشرة :
اختبار بعض مؤسسات الدستور، وذلك من أجل تفعيلها مع إشراك أكثر للمواطنين في اتخاذ القرار الاستراتيجي.
إن المعسكر السياسي المعارض لهذه التعديلات الدستورية هو أساسا ((الإخوان المسلمون)) و حلفاؤهم، (بقايا) فترة الاستثناء، وقد أضعفتهم المشاكل الدبلوماسية التي تحدث في الشرق الاوسط بسبب شعاراتهم الإيديولوجية و أضعفتهم علي المستوى المالي أيضا .
وهذه السياسة هي التي أدت إلى التصرفات الطائشة ومهدت للفوضى والبلبلة، في أي مكان حلت به؛ ونجاح الاستفتاء ب ((نعم))، في 5 من أغسطس المقبل، سيمثل برهانا إضافيا برفض الشعب للمصابين بهوس الإحراق في عصرنا الحاضر.
موائمة الدستور مع مستوى الإنجازات المشرفة (انجازات رئيس الجمهورية)، التي تحققت في السنوات الثمانية الأخيرة في كل مجالات الحياة العامة.
موريتانيا في مضمار مؤشرات الإنجاز العالمية
في ختام الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي المنعقد بأديس أبابا يومي 3 و 4 يوليو 2017، تقرر أن يكون لموريتانيا شرف احتضان الدورة الثلاثين لقمة منظمتنا القارية، في بحر يونيو –يوليو 2018. وهو إنجاز على مستويي السياسة والدبلوماسية، ينضاف إلى عديد النجاحات التي حققتها موريتانيا خلال الثماني سنوات الماضية، تحت قيادة صاحب الفخامة السيد محمد ولد عبد العزيز، رئيس الجمهورية. ومن ضمن هذه النجاحات ما حققته بلادنا، في سياق خاص، من تألق في تنظيم القمة العربية في يوليو 2016 (المؤتمر السابع العشرون لقادة الدول العربية).
على صعيد آخر، اضطلعت موريتانيا بدور رئيس في خدمة السلم والأمن بشبه المنطقة. ونحن نذكر، في هذا السياق، المبادرة الشجاعة لرئيس الجمهورية، في زيارته لكيدال سنة 2014 وهي إذ ذاك فريسة لحرب لا هوادة فيها. فهي المبادرة التي مكنت من تهدئة جبهة القتال ومهدت، في الوقت ذاته، لانطلاق مفاوضات السلام. ومن المنطلق ذاته، كان قرار رئيس الجمهورية أن يبادر مؤخرا لإنقاذ السلم في شبه المنطقة حين أخفقت كل المبادرات الدبلوماسية وحين شكل الاستنفار للحرب وقعقعة السلاح تهديدا حقيقيا بتسميم الوضع الأمني في شبه منطقة تضم العديد من بؤر التوتر.
هذه الإنجازات في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية، التي لا تدخل تحت حصر، والتي تحققت خلال السنوات الماضية، معروفة على نطاق واسع على المستوى الوطني، ولكن ما يبعث مجددا على الاعتزاز المشروع لدى مواطنينا هو أن حصيلة إنجازات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، قد بدأت تنال حظها من الاعتراف والتدوين من لدن كبريات المؤسسات الدولية المختصة، على النحو الذي تعكسه المؤشرات التالية:
تتفوق موريتانيا، وبشكل بارز، في الترتيب على كل دول شبه المنطقة، بحسب الترتيب الذي أقره المؤشر العالمي للإرهاب GTI[1]، في نسخة 2016، الصادر عن "معهد الاقتصاد والسلم" (استراليا)
حصلت موريتانيا، من ضمن 26 دولة، على الرتبة الأولى، في تقرير معد عن التفاوت في الدخل (معامل GINI[2])، يتناول 26 دولة إفريقية، نشره البنك الدولي سنة 2016[3].
تتبوأ موريتانيا، وللمرة الثالثة على التوالي، المرتبة الأولى في شبه المنطقة وفي العالم العربي، بحسب تقرير مراسلون بلا حدود،سنة 2017.
موريتانيا هي البلد الوحيد في شبه المنطقة الذي لم يرد اسمه في قائمة 12 بلدا التي يجب أن تكون موضوع "مراقبة خاصة" بحسب تقرير منشور في شهر مارس الأخير من طرف "مكتب المخدرات" (وزارة الخارجية الأمريكية[4])
وبحسب إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة[5]، فإن عدد المهاجرين السريين (من ركاب قوارب الموت المشهورة) تجاه جزر الكناري قادمين من الشواطئ الموريتانية، قد انتقل من 36000 مهاجرا، سنة 2006 إلى صفر مهاجر،سنة 2014 ، دون إكراه بدني لطالبي الهجرة من جنوب الصحراء.
كسبت موريتانيا في عامين ست عشرة درجة في التصنيف العالمي "لممارسة الأعمال"، "Doing Business". وهكذا صنفت ضمن الدول الخمس الأولى إفريقيا، وضمن العشر الأولى عالميا في تحسين مناخ الأعمال، بحسب تقارير البنك الدولي (2016-2017)[6].
تصنف موريتانيا بين الدول الإفريقية الأكثر ترقية لاستخدام الطاقات المتجددة (السادسة في مجال الطاقة الشمسية والثامنة في مجال الطاقة الهوائية، في إفريقيا) بحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقات المتجددة[7].
يشهد تفوق المرشحين الموريتانيين في مسابقات دولية مشهورة بانتقائيتها (الرتبة الأولى والثانية في مسابقة التبريز في الرياضيات بالمغرب 2017) و الفوز اللافت لعدد من الأطر الموريتانيين في وظائف دولية سامية، على نجاح شعب الامتياز التي افتتحت في السنوات الماضية[8] وعلى المصداقية الدبلوماسية المستعادة.
بمقياس عدد كيلومترات الطرق المعبدة، يكون معدل 50 الأولى من استقلالنا من 1 إلى ،3.4 مقارنة بالمعدل ذاته خلال السنوات الست (6) الأخيرة[9].
عرفت موريتانيا، حسب ترتيب الاتحادية الدولية لكرة القدم، قفزة استثنائية إلى الأمام (23 درجة) وهذه النتيجة -التي لم تحصل أبدا في الماضي- جاءت ثمرة سياسة صادقة الإرادة لصالح الشباب والرياضيين الموريتانيين.
في ضوء هذه المؤشرات المرتبة أعلاه، يجب أن تتجسد الأولوية الوطنية في الحفاظ، تحت سلطة فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد عبد العزيز، على ديمومة الوتيرة الحالية مدعومة بما تحقق في التسيير العمومي، خدمة للسلم والأمن والتنمية المستديمة لموريتانيا.
إعداد: وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدكتور إسلكو ولد أحمد إزيد بيه .
للمركز الموريتاني للإعلام والتنمية