من سوء حظنا في هذه البلاد أن الله قد جمع لنا في عهد واحد فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومعالي الوزير المختار ولد أجاي. إنهما رجلان يحبان المال حبا جما، ويمتلكان مواهب خارقة في التحصيل، ولا تأخذهما بالمواطن المسكين رأفة عندما يتعلق الأمر بتحصيل المال.
لقد تحولت بلادنا في عهد الرجلين إلى "جمهورية وانطير"، حيث يتم عرض كل شيء للبيع،
ولا تستغربوا إن صادفكم غدا معالي وزير الاقتصاد والمالية وهو يمشي في الأسواق ويحمل على ظهره مكبر صوت، وينادي على طريقة بائعي الرصيد: "لدينا مدارس وسفارات ووزارات للبيع ..لدينا ضيوف للبيع ..لدينا علاقات مع دول شقيقة وصديقة للبيع.. كل شيء لدينا للبيع..عروضنا مغرية، فلا تضيعوا الفرصة!"
لقد بيعت الأملاك العامة للدولة من مدارس ومرافق عامة، وبيع الضيوف (السنوسي مثلا)، وتحولت الحالة المدنية إلى متجر كبير للتحصيل، وجُمعت أموال طائلة من المنقبين عن الذهب من خلال بيع الرخص وفرض الرسوم على استيراد أجهزة التنقيب، هذا بالإضافة إلى الغرامات، وبالمناسبة فإن المنقبين عن الذهب يعيشون اليوم مأساة حقيقية لا أحد يكترث لها أو بها، ولو قدمت إحصائيات بأعداد الموتى من المنقبين في الأشهر الأخيرة لتأكدتم بأن الكارثة لا تكفي لوصف ما يحدث في مناطق التنقيب. لا شيء سلم من البيع في هذا العهد، حتى مقار السفارات في الخارج تم عرضها للبيع، وأخيرا وصل الأمر بأن وُضِعت علاقاتنا مع الدول الشقيقة والصديقة في المزاد العلني لحكومة "وانطير".
الغريب في الأمر أن موجة البيع هذه حدثت بعد سنوات ارتفع فيها سعر الحديد، وانخفض فيها سعر النفط، والذي تجني منه الحكومة أرباحا طائلة على حساب المواطن المسكين، هذا فضلا عن الزيادات الحاصلة في الضرائب وفي الرسوم الجمركية.
الأغرب من ذلك كله هو أن هذه الموارد الضخمة التي جمعتها الدولة في السنوات الأخيرة من خلال التربح من النفط أو من خلال زيادة الضرائب والرسوم الجمركية أو من خلال بيع الأملاك العامة وتحويل الحالة المدنية إلى متجر كبير، إن كل هذه الموارد الضخمة لم تمنع نظام "وانطير" من أن يلجأ إلى القروض والاستدانة من الخارج إلى الحد الذي أوصل نسبة الديون في هذا العهد إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي.
الأغرب أكثر هو أن هذه الموارد الضخمة التي حققتها الدولة في السنوات الأخيرة، والتي لم تجعلها تتعفف عن الاستدانة من الخارج قد صاحبها تقتير وسياسة تقشفية رهيبة لم تعرفها البلاد من قبل، فخفضت ميزانيات التسيير، ووصل الأمر بأن أصدرت الأمانة العامة للحكومة تعميما يطالب القطاعات الحكومية بالكتابة على وجهي الورقة ترشيدا للورق، مع ضرورة اتخاذ الإجراءات المنسبة لتطبيق هذا التعميم.
أليس من حقنا أن نتساءل: أين ذهبت كل هذه الأموال الطائلة؟ ولماذا زاد حجم المديونية إلى أن وصل إلى هذا المستوى المقلق، وذلك في سنوات سجلت فيها موارد الدولة من الحديد ومن التربح بالنفط ومن الضرائب ارتفاعا كبيرا؟ وبأي منطق يمكننا أن نجمع بين هذا التناقض الذي حصل في السنوات الأخيرة: زيادة كبيرة في موارد الدولة تصاحبها زيادة كبيرة في حجم المديونية الخارجية، ويصاحب كل ذلك تقتير وسياسة تقشف غير مسبوقة؟
ولو أن تقتير الحكومة وبخلها وتحصيلها للمال توقف عند هذا الحد لهان الأمر، ولكن أن يصل بخلها إلى الحد الذي تفضحنا فيه أمام الأجانب، فهنا يكون من واجبنا أن نفعل شيئا ما حتى لا نتعرض لمزيد من الفضائح.
في العام 2014 تم حرمان بلادنا من التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بسبب عدم دفعها لاشتراكاتها المالية لسنتين متتاليتين، وذلك على الرغم من أن مبلغ الاشتراك كان زهيدا. في ذلك العام حرمنا من التصويت مع دول صغيرة لم نسمع بعدد منها من قبل : "الدومنيكا"، و"غرينادا"، و"جزر مارشال"، و"بابوا غينيا الجديدة"، و"سانت فنست وغرينادين"، و"تيمور – ليشتي"، و"تونغا"، و"فانواتو"، و"قيوغزستان".
وفي نفس العام كادت الفضيحة أن تتكرر عند عرض التقرير المالي لاتحاد البرلمان العربي حيث تبين أن بلادنا لم تدفع اشتراكها السنوي لثلاث سنوات متتالية، وهو ما كان سيعرضنا للطرد من هذا الاتحاد.
ولولا نباهة رئيس البرلمان اللبناني "نبيه بري" وتدخله في الوقت المناسب لتم طردنا، لقد وقف نبيه بري خطيبا بين الأشقاء، وقال: "لماذا يا إخوان نخسر عضوية دولة عربية شقيقة بهذه السهولة ، ليدفع الأعضاء المبلغ المطلوب من موريتانيا بحسب النسب التي تسددها كل دولة".
إن جشع نظام "وانطير" الذي وصل إلى المستوى الذي جعله لا يتورع عن فضحنا في الخارج هو الذي دفعني إلى تقديم هذا المقترح الهام الذي سيجنبنا في المستقبل تكرر مثل هذه الفضائح.
إن تأسيس صندوق شعبي للوقاية أو للحد من الفضائح قد أصبح أمرا ضروريا بالنسبة للشعب الموريتاني الذي لا يرضى بالفضيحة أمام الأجانب، وفي اعتقادي بأن الشعب الموريتاني سيتبرع لهذا الصندوق، وذلك على الرغم من ضيق الحال ومن حجم المعاناة التي يتخبط فيها هذا الشعب المغلوب على أمره.
لو كان هذا الصندوق موجودا لكان بإمكاننا أن نشتري بعض المدارس القديمة، وأن نحميها من الهدم حفاظا على التراث المعماري لعاصمة بلا تراث، ولو كان هذا الصندوق موجودا لكنا قد دفعنا منه اشتراكات موريتانيا السنوية في الأمم المتحدة، وذلك حتى لا نمنع من التصويت مع دول من صنف "الدومنيكا"، و"غرينادا"، و"جزر مارشال"، و"بابوا غينيا الجديدة"، و"سانت فنست وغرينادين"، و"تيمور – ليشتي"، و"تونغا"، و"فانواتو"، و"قيوغزستان".
ولو كان هذا الصندوق موجودا لكان بإمكاننا أن ندفع منه للحكومة مبلغا بحجم المبلغ الذي وعد به خصوم قطر، وذلك حتى لا تضطر حكومتنا لقطع علاقاتها مع قطر، ونصنف بالتالي مع دول من صنف "المالديف" و"مورشيوس" و"ليبيا خفتر" و"يمن هادي" مع احترامي للجميع.
وحتى ومن قبل تأسيس هذا الصندوق، فإنه كان بإمكاننا أن نتجنب الفضيحة الأخيرة، لو أن نظام "وانطير" أشعرنا في الوقت المناسب بأنه سيبيع موقفه من الأزمة الخليجية، فلو أنه أبلغنا بذلك لنظمنا حملة عاجلة لجمع التبرعات من أجل تحصيل المبلغ المناسب وتسليمه يدا بيد لوزير الاقتصاد والمالية، وبذلك نكون قد جنبنا بلادنا اتخاذ هذا الموقف المشين من الأزمة الخليجية.
حفظ الله موريتانيا..