لا يمكن بحال لموريتانيا، في ظل سياسة "معي أو علي" التي أطلقها الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الإبن بعد أحداث 11 نوفمبر 2001، و معها جميع دول "طوق الفقر العربي" أن لا تتخذ مواقف محددة قاطعة من القضايا الكبرى التي تعصف بالأمة العربية و أيضا من الأزمات التي تحاصر المسلمين في جميع القارات. فإن لم تفعل فإنها ستجد نفسها معزولة تلقائيا عن "سلة المساعدات" و عرضة للمواقف "السلبية" من ملفاتها المزمنة الكثيرة التي تسبب الأرق لذوي الوعي السياسي المحيط فيها؛ ملفات و قضايا في مقدمها بالطبع مسألة الرق و مخلفاته و إشكال الأقليات الزنجية و مطالبها الكثيرة، و مؤخرا حراك الشرائح الدونية الحقوقي الذي بدأت أصوات ذويه ترتفع من فوق عديد المنابر.
و لقد جرب في الماضي الرئيس السابق معاوية و لد سيد أحمد الطايع ضرورة التحالف مع الأقوياء على حساب "غنائية" الكرامة و "سبحة" الاستقلالية و "حكمة" الحياد، فحمته العلاقة مع إسرائيل من المحاكم الدولية التي كانت له بالمرصاد يومها بتهم إعدام ضباط الزنوج الذين دبروا محاولة انقلاب فاشلة ضده و سجن و تعذيب عناصر منهم عسكريين و مدنيين و كذلك مسألة الرق، ليبقي في الحكم أزيد من عشرين عاما استقبله خلالها و في بلدانهم أكبر زعماء و ملوك الدول الغربية استقبال الكبار إلى أن أفل النجم و حانت ساعة التنحي المصيرية.
إن "سياسة معي أو علي" لا تترك لاحتمالات الحياد وقت تفكير أو زاوية ملاذا لأنه لا منطقة وسطى بين الاصطفاف و المعارضة.
و موريتانيا كغيرها من دول "الصف الثاني" غير مؤهلة البتة لاتخاذ موقف يُحتمل أن يُغضب السعودية لحساب "قطر" الأصغر حجما و "أقل بسط يد"؛ "السعودية" التي بدأت ترتبط، منذ ضلوعها و الإمارات في أزمة اليمن الخطيرة، بعلاقات متينة مع محور الدول الفقيرة في دائرة "حزام الفقر العربي" صنعته ثم حولته إلى حلف عسكري أعطتها بلدانه العهد بالانخراط معها عسكريا إن اقتضت الضرورة في حربها ضد "الحوثيين" الذين تؤازرهم و تدعمهم "إيران".
و أما قطر التي استدبرتها موريتانيا في الأزمة الخليجية المبتكرة نتيجة مجيء الرئيس الأمريكي و رجل الأعمال "ترامب"، فإن سياستها لا تخلو هي الأخرى من "التعسف الموقفي" بديماغوجية ولى عهدها و من بذل قصارى الجهود السياسية و تسخير المال و الوسائل الكبرى من أجل ذلك، كما أنها لا تتردد في استخدام الإعلام الذي بحوزتها و تحت وصايتها للدفاع عن مواقفها المؤدلجة و المتسم بعضها بالشطط و الخروج على مألوف السياسة العامة في منطقة خليج تنخره الانقسامات المذهبية العميقة و الإيديولوجيات المتنافرة.