سجية تلك منهم غير محدثة / إن الخلائق، فاعلم، شرها البدع- حسان ابن ثابت- رضي الله عنه.
لم تكن الزيارة التي يقوم بها الوزير الأول للمناطق الشرقية بدعا في حياته ولا بكرا في تصرفاته؛ التي لم تألف التحرك الاعتباطي مسلكا ولا الارتجال منهجا.
لقد عرف الرجل بأخذ راحته السنوية بين الأهل والأحباب والداعمين في المناطق الشرقية؛ في فترات لم تكن فيها طبول السياسة تقرع، ولم يكن فيها السياسي إلى حليفه "يفزع" بمعنى الإغاثة وإزالة الخوف، أو من غريمه "يفزع" بمعنى الخوف والارتياع.
الجديد هذه المرة هو أن هذه الزيارة تأتي في فترة يصل فيها الحراك السياسي حول التعديلات الدستورية المحتملة إلى الذروة، وطبعا طبع هذا الحراك بالتأييد و المساندة من جهة وبالرفض والاعتراض من جهة أخرى.
إن هذا التحرك في هذا التوقيت بالذات وذلك التأييد الظاهر من جمهرة تلك الحشود؛ وتلك المعارضة المبينة من تلك البيانات؛ كلها أمور، بعثت برسائل منها؛ ماهو جلي ومقروء للكل ومنها ما يحتاج إلى بحث بين السطور، ومنها ماكان مفاجئا ومفزعا للبعض، ومطمئنا ومريحا للبعض الآخر.. وعلى كل حال سيتغير مشهد التعامل السياسي في قادم الأيام، وبتغيره يتغير التموقع وحركة المسار ووتيرة التسارع.
إن من أظهر هذه الرسائل بقاء النظام في الحكم؛ ذلك التأكيد الذي ورد على لسان الوزير الأول؛ ثقة بالمناصرين وتأكيدا على أن الأغلبية الداعمة للرئيس كيان موحد وجسم منسجم مهما تغير الرأس، فتغير رأس النظام الذي يملك الأغلبية لايعني تغير أو إزاحة النظام، وليعلم بذلك أولئك المتمصلحون؛ الذين بحثوا في الخفاء عن تحالفات، وعقدوا خلف الستار لقاءات، وأجروا تحت الطاولة تعاقدات.
لقد تجلى من خلال هذه الرسائل أن الوزير الأول أصبح رجل النظام القوي؛ الذي يلتف حوله الداعمون؛ خاصة في المناطق الانتخابية الأكثر أهمية(الخزان الانتخابي التقليدي).
وسواء قرأ المعارضون للرجل المشهد من زاوية عكسية وشبعوها بشحنة جهوية أو أخرى قبلية، فإن الرسائل السياسية جلية، وإن كان الرجل في هذه بين أهله ومحبيه وداعميه؛ فإنه عموما استطاع أن يخلق حبا في نفوس من كانوا له أهلا أو أحبة أو جيرانا أو حتى مصافحين في الشارع (والقريب من قربت مودته).
كل ماحدث يتطلب من المعارضة الجادة القيام بخطوات عملية موازية-إن هي استطاعت إلى ذلك سبيلا- وأن لا تكتفي بالبيانات التي قد ينظر إليها على أساس أنها جوفاء، لا تحمل إلا التحامل، والقراءة العكسية للسطور.
وفي انتظار حدوث ذلك تبقى الساحة السياسية خالية للموالاة تخط فيها قياداتها ما تشاء.