لا أمن مع الجنرال الأرعن

ثلاثاء, 05/23/2017 - 01:23
حنفى ولد دهاه    نقلا عن تقدمي

كان الأمن مُشاعاً في هذه البلاد.. عفوياً، لا تمنّ به حكومة و لا يُشكَر لنظام، فلم يكن هذا الشعب البدوي قادراً بالفطرة و السجية على إزهاق روح أو إراقة دم.

كان شعباً استعبادياً، فعلاً، تتراتب طبقاته كالسلالم، و تتفاوت شرائحه كأصابع الكف.. و كان منه من يستغل الدين، و يتزوج القاصر و يُزوّجها، و محاربون يمّجدون هيعة الحرب و وغاها، غير أنه من النادر أن ترتكب فيه جرائم القتل و الحرابة، و إن استسهلوا اغتصاب النساء و التحرش بهن، على فداحته و فظاعته.

مع كل ذلك يمكن اعتباره شعبا مسالماً.. فلم يتعود ابناءه أن يستيقظوا فجر كل يوم على جرائم القتل و السطو و الاغتصاب، و كأنها في تهاطلها و جَلَبتها  حباتُ مطر تتساقط على سقوف الزّنك.

.. زمنٌ ولّى، منذ أن وصل الجنرال الإنقلابي إلى السلطة.. فلم تشهد البلاد من الجرائم ما شهدته في ظل حكمه الأرعن.. فالجريمة المنظمة، و عمليات الإرهاب شهدت تطورا نوعياً في فترة حكمه. و اقتُرِقت جنايات بِكرٌ، لم يطمثها في هذه البلاد إنس قبل نظامه الأرعن و لا جان.. كأن الجرائم تتناوب، فتعيش البلاد أسابيع من الاغتصاب لا تسلم فيه حتى الصغيرة في قموط مهدها.. قبل أن تفسح مجالها لأسابيع من السطو و الحرابة، ثم يأتي دور أسابيع القتل و إراقة الدماء.

أعتقد أن الانتشار المفاجئ للجريمة ليس تطورا في طباع الموريتانيين، بأن استحالت طيبتهم رعونةً، و لينهم قسوة، و قُدّت قلوبهم البيضاء من صخر.. و إنما رمتهم الأيام بقوسها، فتولى الحكم أغبى من أظلته غبراءها و أقلته  خضراءها، فكانت أول فكرة تتسلل لعقله الصغير، هي النكاية بابن عمه الذي كان مدير الأمن عشرين عاماً، فهمّش الشرطة و استبدلها بصغار مسغارو الطائشين، ليرتكبوا الجرائم بدل أن يحولوا دون ارتكابها، و ليخلوا الجو للصوص و المجرمين فجالوا في عرصاتها، و جاسوا خلال ديارها، و  باضت قنابرهم و اصفرت. فقد كسرت شوكة الشرطة التي خبرت عالم الجريمة و بَلَته، و ألقت الرعب في قلوب اللصوص.

هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى، منها تفشي البطالة و ارتفاع الأسعار و تردي الأوضاع المعيشية وانتشار الجوع و السغب، و استقالة الدولة من وظائفها، و تخليها عن خدماتها من صحة و تعليم و تشغيل، فلجأ الفقراء المنسيون لسلب الأغنياء و الانتقام لإحَنِهم بقتلهم.. معتقدين أنهم يقتلون فيهم التفاوت الطبقي و الثراء غير المشروع و الامتيازات غير المستحقة، و حتى العنصرية و الحيف الاجتماعي.

فاقد الشيء لا يعطيه.. فمن لم يستطع أن يؤمّن نفسه من رصاصة اطويلة، أو أن يحمي بنتاً غريرة من رصاص بندقية ابنه الغرّ،  لا يمكننا أن نتوخى منه أن يبسط الأمان و الطمأنينة.

لا يُلام الذئب في عدوانه
إن يكُ الراعي عدوَ الغنم

ثوروا على هذا النظام تأمنوا..!
ثوروا عليه تصحوا..!