كان لي شرف نيل صفة "عضو مؤسس" ب"نقابة الصحفيين الموريتانيين" ، وشاركت فى "مؤتمرها التأسيسي"، و"مؤتمرها الثاني"، ومارست حقي في التصويت بكل حرية وبقناعة تامة .
والحق أن فترة النقيب المؤسس الدكتور الحسين ولد امدو، كانت فترة ذهبية، كدنا نعيش فيها حلم النقابة واقعا، وطموحنا لإصلاح الصحافة حقيقة ماثلة، فالرجل جمع من حوله كل الصحفيين لأخلاقه ومهنيته وكفاءته وتواضعه، وقدرته على الإقناع ، لكن بدا واضحا ـ ومن الوهلة الأولى ـ أنه لا أحد في "أعلى الهرم" يريد نقابة حقيقية لصحافة حقيقية، ولذلك كان دور النقيب هامشيا، لانشغالاته وسفرياته ورفضه الدخول في صراعات من أي نوع داخل أو خارج النقابة، فخلا الجو لمكتب تنفيذي تعرف منه وتنكر، عطل إرادة الصحفيين ،ومن بين أعضائه من ارتضى "المفعولية" بدل "الفاعلية" ،فارتهنت النقابة للنظام، وتحكمت فيها مؤسسات الإعلام الرسمي، ولوبيات صراعات سياسية أمنية معقدة، أضاعت النقابة فكانت لما سواها من حقوق الصحفيين أضيع.
لم يتغير شيء يذكر بعد رفض النقيب الحسين الترشح لمأمورية ثانية وقد طلب منه الجميع ذلك لما يمثله من قدرة إجماع نادرة في صفوف الصحافة المحلية، بمختلف مسمياتها وتسمياتها، و"فصائلها" النشطة ،وخلاياها "النائمة".
تم انتخاب الأستاذ احمد سالم ولد المختار السالم نقيبا للصحفيين، قادما من وكالة الأنباء الموريتانية، واعتبر اختياره على رأس النقابة من طرف البعض تكريسا لسيطرة الإعلام العمومي، بالتحالف مع بعض مكونات الإعلام "الخصوصي" على النقابة فواصل ومفاصل، والاستمرار في تعطيل أي عمل صحفي جامع مانع جاد وصادق.
ولم تكن انتخابات النقابة بدعا من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية فى البلاد، فقد تم التصويت بنفس الاعتبارات، ولنفس المعايير القبلية الجهوية العرقية الأمنية السياسية، واستمر المكتب التنفيذي في تسيير النقابة بنفس الطريقة القاتلة في عهد النقيب المختار السالم، وإن خرجت وجوه ودخلت أخرى، تحت يافطة "ضخ دماء شبابية جديدة في المكتب"، لكن "الحرس القديم" ظل يشرف ـ من قريب أحيانا ومن بعيد أحيانا أخرى ـ على النقابة، فتوطدت علاقتها ب"المخزن" ورباعيته الإعلامية خلية الرئاسة والإذاعة والتلفزة والوكالة.
وكان بمقدور أي غبي أن يدرك إصرار النظام الحالي على قتل الصحافة خنقا، بداية بتجفيف المنابع، مرورا باختطاف المؤسسات التي تدعى الاستقلالية، وليس انتهاء بخلق ظروف طاردة ضاغطة ولدت يأسا وإحباطا لدى كل ممارسي مهنة الصحافة، سواء بالشهادة أو الكفاءة أو بالانتحال والإضافة ( أنا مثلا صحفي بالإضافة التي تقع لأدنى سبب فلا شهادة لدي ولا كفاءة من أي نوع فى ميدان الصحافة) فهاجرت كفاءات عديدة إلى الخارج، ولم يبق هنا سوى "الغزلان" التي تنتظر أن تموت في "جدبها" أية لحظة .
ولقد كان قرار "تحرير الفضاء السمعي البصري" قراقوشيا، لم يصدر عن دراية ولا دراسة ولا تصور من أي نوع، فبدا شبيها بمحاولة إقامة سقف قبل تأسيس البناية ووضع دعاماتها وأساساتها، ولذلك انهارذلك الفضاء لأنه بلا أرضية مؤهلة لأن تحتضنه، ولأن "تيبه" التي يسمونها أيضا "الهابا" أدت دورها النحس على أكمل وجه، باعتبارها "فزاعة" يهش بها في وجه أية محاولة صحفية جادة مرئية أو مسموعة أو مكتوبة، خاصة إذا ثبت أنها لا تريد دخول عباءة "صاحب الجلالة" العدو الأول ل"صاحبة الجلالة".
لقد أغرقت الصحافة ـ حتى أذنيها ـ في الوحل وجففت منابعها فلا دعم ،ولا إعلان ولا إشهار ولا تكوين، ولا إرادة مؤسسية صارمة.
واليوم ماتت الفضائيات "الحرة" باستثناء ثلاثة تصارع من اجل البقاء، لأنها مقربة من النظام سياسيا وأمنيا واجتماعيا ،أو لأنها تدار من طرف تيار سياسي يعتبر بقاءها مسألة حياة أو موت بالنسبة له ،أما الإذاعات "الحرة" فأسألكم أين هي ؟ لم يبق منها سوى إذاعتين تجتران تسجيلات، لا تقدم جديدا ولا تفيد مستمعا.
أما الصحافة الورقية فقد ماتت من زمن بعيد، ولم يبق إلا مواقع بائسة وتعيسة وكذابة، لا يمكن الوثوق بها أبدا ،باستثناءات مجهرية هي "الاستثناء وليست القاعدة" لقد هجر العمال مؤسسات الصحافة لأنها لا تحترم كرامتهم فلا عقود ولا رواتب، ولا اعتبار للاكراهات المادية والمعنوية التي يتخبط فيها الصحفيون.
إن هذا النظام لا يريد صحافة حرة أو حتى عمومية تحترم نفسها، ومع ذلك يراهن على يافطة "النقابة"، لإعطاء انطباع لشركائه في الخارج بأن لديه فعلا صحافة، تكفى لتصنفه "مراسلون بلا حدود" كجنة لحرية الصحافة.
إن الخديعة أصبحت واضحة للعيان، ولم يعد بمقدورنا أن نناضل في نقابة فارغة بشكلها الحالي يتصارع عليها ـ غالبا ـ رجال النظام، وخلصاؤه سرا وعلانية.
إننا نريد صحفيين للنقابة، قبل أن نبحث عن نقابة لصحفيين تخطفهم اليأس والجوع والموت غربة وتشردا، وأعطي لقبهم لكل من هب ودب، جاسوسا كان، أو ضابطا سابقا، أو هاربا من خدمة مهنية من أي نوع، والأدهى أن بعض متصدري مشهد الصحافة في البلاد اليوم لا يعرفون عنها شيئا أي شيء، وبالكاد يتعرفون على أسمائهم في لوائح النقابة.
وبناء على ما تقدم فإنني أود توضيح الآتي تحملا للمسؤولية وإراحة للضمير وبراءة ذمة /
ـ لست معنيا بالمؤتمر الحالي لنقابة الصحفيين ولن أسمح لنفسي مرة أخرى بلعب دور صحفي يصوت وقد ماتت صحافته لكي يشرع للنظام واحدة من أكبر كذباته وهي أنه توجد في البلاد صحافة وحرية تعبير
ـ لن أصوت لأي مرشح لا مباشرة ولا توكيلا ولا نيابة فلست مقتنعا بالوضعية الحالية للصحافة ولا أرى ضرورة للسير في جنازتها الملفوفة بألوان نقابة لم تحقق شيئا بعد مؤتمرها التأسيسي الأول.
ـ لا أفاضل بين المرشحين فكلهم أحبة وإخوة ولو كنت صحفيا لقلت إنهم زملاء وأحترمهم جميعا سواء الصامدين أو المنسحبين أو المتحيزين لفئة فأحسبهم يجتهدون لخدمة الصحافة وفق رؤيتهم ويحاولون إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه من وجهة نظري فالصحافة عندنا بلغت نقطة اللاعودة وانتهت كل أزمنتها ذهبية و"فضية" وابرونزية.
ـ احتفظ بعضويتي في النقابة ( مع وقف التنفيذ كما كانت دائما)إذا كان "قانونها" يسمح لمن لم يحضر المؤتمر ولم يشارك في التصويت بذلك مع أنني لم أشعر يوما بأنني عضو في النقابة فقد نسيتها قبل أن ينساني أعضاؤها حيث لا يتذكرونني عادة إلا لماما وقت تأبين أو نشاط عابر حتى أنني لا أعرف شيئا عن مكتبها الحالي وهيئاتها وأنشطتها إذا كانت لديها أنشطة.
ـ موقفي هذا ليس تناغما مع أي رأي أو مبادرة شخصية أو جماعية أو"هاشتاغ" أو حراك داخل النقابة أو خارجها وإنما هو رأي شخصي لا يلزم إلا حبيب الله وحده
ـ أتمنى لمؤتمر النقابة النجاح وللمرشحين لمنصب النقيب القبول المستحق ففقدنا للصحافة ولنقابتهم لا يعنى أن نفقد الأمل بأن نملك صحافة وطنية الوجه واليد واللسان لا سلطة لأحد عليها ولتاجها وموقعها الرابع في السلط كل الاحترام والتقدير المستحق.
نواكشوط 19 مايو 2017