رفض قضاة محكمة الجنايات في ولاية الحوض الشرقي الرد على الأسئلة التي قدمها لهم المفتش محمد سيديا ولد محمد محمود، واصفين أسئلته بأنها "انتهكت كل معايير الشكل"، وواصفين إجراء التفتيش وما سبقه بأنه "إساءة خالدة في سجل ذكريات إهانة القضاة، وسيخلف بالفعل جرحا لا يندمل، وخدشا لهيبة القضاء والقضاة، وجرحا سيبقى أثره، ويمتد نزيفه ما لم يتدارك الموقف، وترجع الأمور إلى نصابها".
وقال القضاة في رسالة غاضبة حصلت عليها الأخبار من مصدر في وزارة العدل بنواكشوط إن المفتشية تقدمت إليهم "مستعقبة أحكام المحكمة بورقة قد انتهكت فيها كل معايير الشكل، حيث لا تحمل رأسية، ولا بسملة، ولا بيانا لمهمة التفتيش، ولا أسبابها، لتبدأ باختصار مخل، بأسئلة يفترض بداهة أن تجيب عليها الأحكام، كما أن الورقة كتبت باليد على عجل، ويتعدد في صلبها المحو والكشط وغير مؤرخة، ولا تحمل طابعا رسميا".
واعتبر القضاة في الرسالة الموقعة من طرفهم أنه "من دواعي الحيرة أن يصل القضاء مرحلة من التقهقر أصبح معها لا يستحق أدنى درجة من احترام الشكليات، ولا لغة الخطاب الراقي ممن يفترض فيه التقدير للقضاء والقضاة"، مستغربين أن "المفتش عند سؤاله شفهيا من طرف أعضاء التشكلة عن أساس مهمة التفتيش للتحقق من جدية القضية أدلى بإذن موقع من الأمين العام لوزارة العدل محرر باللغة الفرنسية بمهمة خاصة إلى النعمة دون تحديد أسبابها وغاياتها".
وأكد القضاة أن صدورهم "رحبة لأي استفهام أو استشكال يتعلق بعملنا القضائي، ولا نرى غضاضة في انتقاد أحكامنا أو نقاشها من أي كان، بل نرى أن ذلك هو الطريق الأسلم نحو الحقيقة المنشودة أو الإفادة المتوخاة للمتهمين".
ووصف القضاة الأسئلة التي قدمها المفتش لهم بأنها "تجسد انتهاكا للدستور والقوانين، وخروجا صارخا عن مهام المفتشية المحددة بالمادة: 05 من المرسوم المنظم لعمل المفتشية، حيث تقتصر المهام على سير المرفق عموما، ومردودية وسلوكيات القاضي، والعاملين في قطاع العدل".
وأضافوا أن "إجراء التفتيش شكل في شكله، وسياقه، قلبا للمعادلة، بمنح الثقة في القبائل والجماعات، وإعادة تحكم وهيمنة مفهوم العدالة الخاصة، واتباع مرضاة الأطراف بازدراء القضاة وخرق القوانين، والقضاء على دولة القانون".
وشدد القضاة على أنهم أصدروا "الأحكام موضوع أسئلة المفتش بقناعة راسخة، استنادا على الأدلة المتساندة، ونتحمل ما يترتب على ذلك، وحسبنا أننا بذلنا جهدنا دون تمييز بين القضيتين، وباقي القضايا التي كانت مبرمجة في الدورة، من سرقات، وجرائم أخرى، من حيث الأدلة وتشكل القناعة".
ونبه القضاة في رسالتهم للمفتش - وهم التاه ولد سيدي محمد، ومحمد محمود ولد أحمد، وأحمد بزيد ولد محمد الناجي - إلى أن التفتيش لا يمكن "أن يطال أصل قراراتهم، ولا أساس قناعتهم، ولا يمكن مناقشتهم في ذلك، وهو عين الاستقلالية المحمية بالدستور والقوانين"، مشيرين إلى أنه "كان على المفتشية قبل أن تتعقب أحكام المحكمة أن تراجع المرسوم المنظم لعملها، حيث تنص المادة: 10 من المرسوم: 034 – 2006 في فقرتها الأخيرة، أنه عندما تكون الاستفسارات مطلوبة، فإن الأسئلة الموجهة إليه لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون حول أصل القرارات أو الأحكام المتخذة".
وأردفوا أنه "يتضح أن المشرع في هذا النص الخاص كان على بصيرة من أمره، حين راعى مبدأ فصل السلطات، واستقلالية القضاء، حيث نص في المادة: 89 من الدستور، على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية، والتنفيذية، والمادة: 90 أنه "لا يخضع القاضي إلا للقانون، وهو محمي في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه"، ولم يترك يد المفتش تجول لتأخذ من اختصاصات المحاكم الأعلى لتشوش على قناعة القضاة وتمعن في تجاوز السلطة".
وكانت وزارة العدل الموريتانية قد أوفدت بعثة تفتيش إلى محكمة النعمة عقب إصدارها حكما في نزاع عقاري بين مجموعتين قبليتين في ولاية الحوض الشرقي.
وكالة الأخبار المستقلة