يشهد الصومال، غدا الأربعاء، انتخابات رئاسية يتنافس فيها 23 مرشحا للفوز بولاية رئاسية من أربع سنوات، وهي ثاني انتخابات رئاسية تجرى داخل هذا البلد العربي منذ انهيار الحكومة المركزية واندلاع الحرب الأهلية عام 1991.
ويرجح خبراء سياسيون صوماليون، استطلعت الأناضول آراءهم، أنه إذا لم تحدث مفاجأة، فإن كلا من الرئيس المنتهية ولايته، حسن شيخ محمود (64 عاما)، وسلفه شيخ شريف شيخ أحمد (52 عاما)، ورئيس الوزراء الأسبق، محمد عبد الله فرماجو (54 عاما)، هم المرشحون الثلاثة الأوفر حظا؛ لتمتعهم بتأييد داخل البرلمان، الذي سينتخب الرئيس التاسع للصومال منذ إعلان استقاله عام 1960.
وتشرف على عملية انتخاب الرئيس لجنة برلمانية من 16 عضوا، بينهم 7 نساء، وهذه آخر مرة تجرى فيها الانتخابات الرئاسية بنظام "المحاصصة القبلية" في البرلمان، حيث من المنتظر الانتقال إلى نظام الانتخاب المباشر، المعتمد على الأحزاب السياسية، في الانتخابات المقبلة عام 2020.
ولاية ثانية محتملة
وقال الخبير السياسي والصحفي، بشير محمد عبد القادر، "رغم أنه من الصعب ترجيح من سيفوز، لكنني لا أستبعد عودة الرئيس المنتهية ولايته، حسن شيخ محمود، إلى سدة الحكم؛ لما يتمتع به من تأييد عدد كبير من نواب البرلمان، فضلا عن الدعم الإقليمي له، بفضل العلاقات القوية مع دول الجوار في السنوات الأربعة الماضية".
عبد القادر تابع بقوله، في حديث للأناضول، أن "التصادمات السياسية التي انتهجها الرئيس حسن شيخ محمود خلال حكمه أربكت نوعا ما علاقاته مع المجتمع الدولي، لكنها لم تصل إلى حد إقدام المجتمع الدولي ولا الإقليمي على البحث عن بديل أخر أكثر كفاءة منه، وخاصة من بين المرشحين للانتخابات".
ومستندا إلى مصادر له مقربة من حملة حسن شيخ الانتخابية، أضاف أن "الرصيد النيابي للرئيس المنتهية ولايته آخذ في التزايد يوما بعد آخر، بفضل تفاهمات تجري سرا بين منسقي حملته وبعض النواب".
ووفق الخبير الصومالي، فإن "حسن شيخ يخوض الانتخابات وهو يجر جملة من التهم، بينها الفساد والمحسوبية واستغلال السلطة، إضافة إلى فشل حكومته في الحد من هجمات مسلحي حركة الشباب (متمردة تتبنى تفسيرا متشددا للشريعة)، التي استهدفت مناطق حساسة عبر تفجيرات دموية، ترافقها عمليات اغتيال طالت عددا من نواب البرلمان السابق".
شيخ أحمد وفرماجو
بالنسبة لـ"سعيد علي"، وهو خبير سياسي في مركز "سهن" للدراسات والأبحاث بالعاصمة مقديشو (غير حكومي)، فإن "المرشحين شيخ شريف شيخ أحمد (2009-2012)، ومحمد عبد الله فرماجو (2010-2011)، لا يقلان نفودا عن حسن شيخ محمود داخل البرلمان، وبإمكانهما سحب البساط من تحت قدميه؛ نظرا للكتلة البرلمانية التي أبدت معارضتها للرئيس المنتهية ولايته، وأعلنت أنها تريد تغييرا جذريا يقود البلد إلى استقرار سياسي وأمني".
وذهب "علي"، في حديث للأناضول، إلى أن "الشعب الصومالي بطبعه مجتمع بدوي لا يعرف خيطا من الاستقرار السياسي، ويحبذ التغيير من دون جدوى في القادم؛ مما يعزز فرص فوز أحد المرشحين القويين الآخرين، ويكسر آمال الرئيس المنتهية ولايته، الذي يتهمه البعض بنكث وعوده التي قطعها إبان فوزه بالرئاسة عام 2012".
وفي حال فوز حسن شيخ محمود بولاية رئاسية ثانية فسيخالف ذلك ما اعتاد عليه الصومال من عدم انتخاب رئيس لولاية ثانية منذ أن بدأت الانتخابات البرلمانية في هذا البلد العربي قبل عقد من الزمن.
وداعما ترجيحاته، قال الخبير الصومالي إن "شريف شيخ أحمد ليس شخصا منبوذا من المجتمع الدولي، بل يتمتع بدعم دول أجنبية؛ نظرا لسياسته الهادئة في التعامل مع المجتمع الدولي، علاوة على حسن علاقته مع دول الجوار، رغم أن بعض السياسيين يرون أنه لا يتمتع بكاريزما".
وجوه برلمانية جديدة
مشدا على أن الصومال "بحاجة إلى تغيير"، اعتبر عبد القادر هاجر، وهو خبير سياسي في مركز القرن للاستشارات والبحوث بمقديشو (غير حكومي) أن "الانتخابات الرئاسية لا تميل إلى كفة مرشح محدد، ومن المرجح أن يواجه الرئيس المنتهية ولايته منافسة شرسة من قبل أبرز المرشحين، وهما: شيخ شريف شيخ أحمد ومحمد عبد الله فرماجو".
وعن فرماجو، قال هاجر للأناضول إنه "يتمتع بقاعدة شعبية واسعة؛ نتيجة إنجازاته الملموسة إبان توليه منصب رئاسة الحكومة عام 2010، إلى جانب قراراته الحاسمة، حيث طالب مثلا المجتمع الدولي بنقل جميع هيئات الأمم المتحدة من مكاتب العاصمتين الكينية نيروبي والإثيوبية أديس أبابا إلى العاصمة مقديشو".
واعتبر أن "الوجوه الجديدة في البرلمان، بغرفتيه مجلس الشعب ومجلس الشيوخ، تحول دون الوصول إلى توقعات صائبة بشأن المرشح الأوفر حظا للفوز بالانتخابات الرئاسية؛ نظرا لاختلاف وجهات نظرهم، إلى جانب قلة خبرتهم في المعترك السياسي".
مخاوف من التزوير
وفي ظل مخاوف بعض المرشحين من أن يخيم الفساد على مجريات الانتخابات، حذر مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالصومال، ميشيل كيتن، من مغبة التلاعب والتزوير، مشددا على أنه لن يتعامل مع من يفرزه التزوير الانتخابي.
وقال الخبير السياسي، سعيد علي، إن "المجتمع الدولي قلق من أن تصبح العملية الانتخابية غير شفافة.. والتحذير الأممي موجه إلى أبرز المرشحين تفاديا لإرباك المشهد الانتخابي الرئاسي، وعملية تدول السلطة بشكل سلس وديمقراطي".
واستجابة لمخاوف بعض المرشحين من احتمال تزوير الانتخابات، غيرت لجنة الانتخابات الرئاسية مكان إجراء الاقتراع الرئاسي من مقر أكاديمية الشرطة، التي شهدت انتخابات 2012، إلى موقع آخر قريب من مطار مقديشو الدولي.
حزمة تحديات
وبعد فشل الحكومة الراهنة في إيصال الصومال إلى انتخابات رئاسية عبر الاقتراع الشعبي المباشر عام 2016، فإن البرلمان بغرفتيه، والمكون من 329 نائبا، سيختار، غدا، رئيسا للبلد عبر اقتراع سري.
ووفق خبراء، فإنه إذا تشتت أصوات النواب بين المرشحين، فسيغزز ذلك من حظوظ الرئيس المنتهية ولايته، أما إذا جرت تحالفات فربما تفرز تلك الانتخابات وجها جديدا يقود هذا البلد، الواقع في شرقي إفريقيا، والبالغ عدد سكانه قرابة 10.8 مليون نسمة.
وأيا كان الفائز بانتخابات الغد، فإنه، ومعه الحكومة المقبلة، سيواجهان حزمة تحديات، في منقدمتها التحدي الأمني، الذي أثقل كاهل المواطن الصومالي، فضلا عن محاولة دفع عجلة الاقتصاد في البلد الفقير، وهو إحدى سبع دول ذات غالبية مسلمة منع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يوم 27 يناير/ كانون ثان الماضي، سكانه من السفر إلى الولايات المتحدة لمدة 90 يوما؛ بدعوى العمل على حماية الأمريكيين من "هجمات إرهابية".
AA