عاش أربعين سنة في طلب العلم و أربعين سنة في حصد الإجازات و توثيق المعلومات و أربعين سنة في الفتوي والقضاء و الـتأليف ,مائة وعشرون عاما عاشها صالح بن عبد الوهاب الناصري ( نسبة لأولاد الناصر) ناصر بن مغفر... بن علي الزينبي بن عبدالله بن جعفر الطيار شهيد مؤتة,اشتهر بمؤلفه الفريد المتميز الحسوة البيسانية , يقول معرفا بنفسه :
فان تسألوا عني سؤال تجاهل ========== انا ابن أمير الركب من آل ناصري
قد انتسبوا من جعفر لابن زينب ========== كما صحح الأعلام أهل الدفاتري
وقد علم الأقوام شرقا و مغربا ========== سيادتنا عن كابر بعد كابري
فصالحنا ان دان لله صالح =========== و طالحنا حتف لأهل المناكري
صغار في حلقة حولها رحمها الله , كانت جدتي فاطمة بنت الحسن ولد صالح ,تحدثنا عن جدها صالح ولد عبد الوهاب عن فتوته و علمه و صلاحه و رفعة شأنه حتي كادت تنزله منزلة الانبياء , وكنت أمازحها و أقول لها انها تبالغ , لم يكن جدها صالح نبيا فلا نبي بعد رسول الله صلي الله عليه و سلم و لكنه كان فعلا رجلا عظيما , أقر له أمير اولاد الناصر عثمان ولد لحبيب بتلك المنزلة فسلمه السلطة الدينية , فكان الحاكم العادل الفيصل في الأحكام و التبيان لا بين قومه فحسب انما في ربوع بلاد شنقيط استدعاه الأمير بكار ولد اسويدأحمد لحل معضلات وإنارة الطريق في فقهيات و تعلق به و طلبه البقاء معه فرده ردا جميلا و اختارالعودة لقومه , و استضافه أمير اترارة أعمر ولد المختار ليرسله سفيرا مفاوضا عنه الي بلاد السودان سكان النهر , فرجع مرفوع الرأس بنجاح مهمته و وساطته , كان صالح عالما صالحا مصلحا نسابا متجولا , يجالس هؤلاء و هؤلاء وكل يدلي بتاريخه و بشهادته عن آبائه , ولكن صالح كان المنصت الجيد , الفطن الذكي , وكان يتحرى الصدق ويصول و يجول في الاخبار , ويكثر السفر و الترحال و مجالسة الأخيار , كان قدوة في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر , ساعده صدق نيته , و اخلاصه لله , حتي اضحى قبلة يؤمها علماء بلاد شنقيط في تقرير الاحكام و تصحيح الانساب .
وغير بعيد من العلامة صالح بن عبد الوهاب , فتوة ومنهجا و علما و قضاءا و تأليفا في الانساب , نذكر :
* ألا بلغا سداتي ان كنت غاديا === رسالة قاض بالعيون يدعي بيا * هو قاضي مدينة لعيون المعروف بيا ولد سليمان ولد 1920 في ضواحي لعيون توفي والده وهوصغير فأخذه أخوه ( من الأم ) كريم الخصال الحافظ الشهم محمدو ولد حننه وجال........... به في المحاظر لتلقي العلم , محظرة العلامه أبوه بن عمار الناصري , محظرة سيدي عبد الله بن الدي الناصري , محظرة العلامه حماه الله بن سيدي بوبكرالناصري الذي أخذ عليه الإجازة في حفظ القرآن , والعلامة حماه الله (الشيخ خليل) كما لقبه حبر الأمة الموريتانية العلامة محمد سالم ولد عدود هو الذي بنى قرية أكجرت في ولاية الحوض الغربي والتي لها السبق في فرز أوائل متميزين , فمنها خرج أول سفير من ابناء الولاية , ومنها طلع أول ابروفسير طب عيون , و أول مهندس معماري و أول طيار حربي في الولاية , و أوائل آخرين متميزين , فحماه الله و رحمه و رحم حم ولد احمد ولد أعل كذلك علي ما أصدرا في المنطقة من اجازات حفظ للقرآن الكريم ... ثم توجه إلي ولاته " كعبة العلم في بلاد شنقيط " وفي محظرة اهل محمدي المشهورة درس علوم اللغة والفقه علي شيخه العلامه الشيخ أب بن محمدي سيدي عثمان ثم رجع الي وطنه ليعاود الدرس من جديد علي العلامه محمد أحمد بن عمر الصغير القلاوي والعلامة صالح بن الرشيد الناصري المعروف الذي حذا حذو جده صالح بن عبد الوهاب فكان خليفة له علما و أدبا و نال الرفعة والمنزلة العالية علما وجاها ومالا وقبولا, كان رحمه الله صالح الدارين بشهادة من عرفوه .... توجه بيا بن سليمان بعد ذلك الي الديار المقدسة, كان الحج صعبا ووسائل النقل قليلة والرحلة طويله تارة علي الجمال وراجلا واحيانا بالسيارة , و بأرض الحجاز مكث مدة حتي أخذ الاجازة في علم الحديث علي شيخه حسن المشاط الهندي ثم اتجه الي السودان والي مصر قاصدا الأزهر الشريف وكان ذالك ايام ثورة يوليو 1952, فوجدالحدود المصريه مغلقة فرجع الي السودان ثم عاد الي الوطن و بدأ في تدريس اللغة العربية صدا للتفرنس الفرنسي الآخذ ساعتها في الانتشار, عين استاذا للغة العربية سنة 1958 ثم مفتشا لولايتي الحوضين ولعصابه ليبدأ القضاء سنة 1960 في مدينة لعيون ثم قاضيا في ادرار وشنقيط وتمبدغه وباسكنو وكوبني وانواكشوط، مقاطعة لكصر و من ثم رئيسا للمحكمة الاقليمية وظل بها الي أن تقاعد سنة 1984 .
وهذه مقتطفات من أشعاره مع حذف بعض الابيات يقول :
دع الوصل في شنقيط واستنشق الشرقا ========= لعلك من نحو العيون تري برقا
يرتاح بالدمع المكفكف عاشق ========== غرام خيال الخود يطرقه طرقا
ويعتاده وجدا بمريم طيفه ========== خيال لها وهنا يضاجعه ومقا
فكتب إليه الأستاذ أحمد بن عبد العزيز بن حامن الغلاوي معاتبا :
مكفكف دمع العين مالك لاترقي ============== دموعك فوق الخد محمرة طرقا
علي أن دمع العين أكبر شاهد ============= علي لوعة هاجت لواعجها حرقا
فلا تقل في شنقيط عتبا فإنه ============== لأحسن ما يرضي وأجمل ما تلقا
***
فؤادي هذا الربع كانت به أتو ============ تصيف به لأيا ولأيا به تشتو
وقفت به قفرا وقد شفني الهوي =========== وظلت به يوما وليلا به بتو
فقلت من الأسي مقالة مريم =========== لما مسها المخاض يا ليتني متو
ويقول في الصلح بين أهل لعيون في خلافات سببتها السياسة :
فالصلح خيروأمن ليس ينقضه ============ إلا السفيه الشقي الفاسق الأثم
لاتفشلوا واجمعوا في الأمررأيكم ============ فالجمع فازت به من قبلكم أمم
لايحسدن بعضكم بعضا ينافره ============= علي المناصب فالأرزاق قد قسم
فالله قسم بين الخلق رزقهم ============== فلاتروا رزق ذا من قبلكم لكم
ثم الصلاة علي من هديه صلحت ============== به المدائن والأرياف والحرم
في أواخر الاربعينات واثناء تواجده بالمدينة المنورة حضر مناسبة زواج كولي أمر لسيدة ( شنقيطية ) فرفض الشيخ عمل عقد الزواج بحجة ان وليها ليست معه إقامة ( يقال لها ساعتها تابعية ) , فأرسل اليه الابيات التالية, ولما قرأها الشيخ قبل تزويج المرأة الشنقيطية , والشناقطة القدماء بمكة والمدينة يذكرون الموقف ويعتزون به , يقول :
يا علماء الملة القدسية ================ و حكماء طيبة المرضية
من أين قال خالق البرية ================ وصاحب الشريعة الزكية
من لا له رقم بالتابعية ================ فلا له من رهطه ولية
ولا له شهادة مرضية ================ افتوننا في هذه القضية
موقف آخر في بداية الثمانينات , شهدت البلاد اضطرابات وكثرت اعتقالات القوميين من الناصريين والبعثيين , وزج بالعديد من ابناء لعيون في السجون , وانتشر المخبرون في كل مكان وكان يومها يشغل منصب رئيس المحكمة الإقليميه فأخبره الكاتب بوجود احدهم يريد الدخول عليه , فسلمه هذين البيتين فلما قرأهما الرجل ضحك و انصرف
لقد كنت قبل اليوم بالبعث موقنا ======= ومن ناصر حسبي فلست بقاصري
ولكن أشك اليوم في البعث قائلا ======= فلا أنا بعثي ولا أنا ناصري
استقر به الحال في آخر عمره في لعيون و برحاب مسجدها العتيق المقابل للسوق القديم ظل يقدم الدروس من تفسيرالقرآن الكريم والسيرة النبويه والفقه بالإضافة الي القضاء والفتيا بين الناس في المسجد وعنده في منزله وظل علي تلك الحال حتي اخر يوم في حياته , وكانت آخر محاضرة له يوم الأحد بعد صلاة العصر 9 رمضان ليتوفاه الله فجر الإثنين الموالي 10رمضان 1998, رحمه الله واسكنه فسيح جناته , له مكتبة في لعيون غنية بالكتب , ألف كتبا هي : موريتانيا الوقائع والوفيات وذكر الحروب والإغارات ( تم نشره , طبع 2001 في الامارات العربية المتحدة ) , الجرعة السليمانية علي الحسوة البيسانية ( لم يطبع بعد ) , ديوان شعر ( لم يكتمل جمعه بعد ) , الحكم المحكم بحرمة التدخين والشم , مجموعة من الانظام المختلفة والخطب والمحاضرات القيمة ألقيت في المساجد او في مناسبات دينية.
في احدى مناجاته يقول رحمه الله :
إلي مالك الملوك وجهت مهجتي ======== لتقضي لي الأوطار في نيل همتي
وما غيبتي إلا إليك وحاجتي ========= فأنت تعلم سيدي ضعف قوتي
رحمه الله , و أهل أرض شنقيط المنارة و رباط المرابطين , لهم في السابق شأن و في اللاحق شأن و لو بعد حين , العرق دساس وعرق اهل بلاد شنقيط عرق أصيل , الشعر و فصاحة اللسان أكبر دليل .
البشير ولد بيا ولد سليمان