إذا كان الشاعر الموريتاني قد لعب قديما دور الناطق الرسمي للقبيلة في كل المحافل و المتحدث بإسمها في اللقاءات فإنه كان يحتل بذلك مكانة معتبرة و يحظى في المقابل بتقدير كبير بين المواطنين حتى لم يكن من المكن و بأي حال من الأحوال تغييبه عن الأحداث صغيرها و كبيرها. و أما قصيدته فيتم تداولها مباشرة بعد أن ينسجها و يلقيها على قومه محملا إياها كل هم القبيلة و مجدها و جانب الإعلام عن كل تطورات الأحوال التي تمر بها و تعيش على وقع أحداثها و مجرياتها مع القبائل المحيطة، و عن مرحلة الاحتلال و المقاومة و الاستقلال إلى أن غشي العالم العصر الحديث بتقنياته العالية و سماواته المفتوحة حاملا و معالجا قضاياه المتشعبة في حكم صرامة الحدود المتقنة التخطيط بين الدول و السياسات المتبعة ضمن فضاءات دولها على خلفية الخصوصيات الداخلية و دقة العلاقات الخارجية.
و إذا كان كذلك الإعلام بوسائله المتطورة يعتبر أقوي أدوات الاتصال العصرية التي تعين المواطن على معايشة العصر والتفاعل معه و تكشف له حقائق الأمور والإلمام بمختلف المظاهر والظواهر، فإن من أهم أدواره شرح القضايا وطرحها على الرأي العام لتهيئته إعلاميا على استيعابها وبصفة خاصة ما تعلق منها بالقضايا الكبرى المعنية بالوحدة و اللحمة الوطنية و الأمن والحوزة الترابية علما بأن الإعلام أضحى ركيزة أساسية في بناء الدولة واحد مقومات ورموز السيادة الوطنية من تنمية الوعي السياسي لدى المواطنين وتبصيرهم بما يحدث في الساحة الداخلية وتناول القضايا الوطنية التي تؤثر في قدرات الدولة السياسية و ذلك من خلال الشرح والتحليل لهذه القضايا وتعريف المواطن بأسبابها و أسلوب التعامل معها بعيدين عن تأثيرات الانتماء و الميولات السياسية والفكرية الضيقة التي تتحكم في كثير من التصرفات و العلاقات بالآخرين من جهة و بالدولة من جهة أخرى .
وفي هذا الصدد فإنه من المؤكد أن الشخصية الإعلامية مطالبة دون غيرها بأن تكون مختلفة تماماً عن بقية أفراد المجتمع علما بأن الصحفي أو كاتب الرأي له تأثيره القوي على جمهور القراء بحيث يستطيع عبر مقال واحد ان يوجه الراي العام حيثما يريد بغض النظر عن صحة ما تناوله وتطرق له في رأيه.
كما يجب على الصحفي أن يفرق بين انتمائه السياسي و الأيدلوجي وانتمائه و ولائه التامين للوطن الذي هو فوق كل شيء و اعتبار. فقد يختلف الصحفي و الإعلامي مع النظام الذي يحكم بلاده و أساليب إدارة نظام دولته و تسيير ومؤسساتها، ولكن لا يعقل بالمقابل أن يوجه الإعلامي قلمه و يسخر أفكاره لتدمير بلاده أو التحامل عليها أو الركون لبلد عدو يضمر له سوء أو يسومه نقدا و قذعا، أو يحمل له معلومات أو يتناول من أجله موضوعات تمس أمنه القومي أو يحمل أخبارا ملفقة و شائعات تمس سيادته أو بعلاقاتها السياسية و الاقتصادية و الدبلوماسية التي تربطه ببلدان أخرى و خاصة أن العصر أصبح يتيح لمثل هذا كل الوسائل بفضل التطور التقني والتكنولوجي.
و في موريتانيا فإن الإعلام المتصدر للمرة الرابعة لائحة الدول العربية في الحريات و الأداء قد عرف في تطوره إلى ذلك منحيين متوازيين أحدهما إيجابي و ثانيهما ارتكاسي. فمن حيث الأداء التطبيقي على أرض الواقع أثبت المتعاطون معه جدارة في الأداء و قدرة في التمرير اللغوي للرسائل الإعلامية عبر الوسائل و المؤسسات الإعلامية التي اكتتبتهم في القنوات التلفزيونية و الإذاعية العربية و العالمية و على المستوى الوطني و في الصحف الورقية و الالكترونية، و الآخر ارتكاسي في ضعف حمل الهم الوطني بشقه الذي يعني توعية
المواطن و مصاحبته في إيصال مطالبته بحقوقه و تحسين ظروفه الاجتماعية و المادية و شحذ وعيه بأهمية وحدته و بناء ذاته و عزة بلده من ناحية، و بشقه المتعلق بالسهر على مكانة البلد و سمعته و أمنه و توازنه و علاقاته البناءة مع أصدقاءه و أشقائه "مغاربيا" و"عربيا" و "قاريا" و "إسلاميا" و "دوليا".
و لا يشجع مطلقا ما تبين عنه الصحافة الوطنية من ضعف اهتمامها و تعاملها مع جملة القضايا التي تطوق البلد و تفتح عليه جبهات متعدد حركت شهية بعض الجهات الخارجية المتربصة أحيانا و الطامعة أحايين أخرى، و ما ينقصها من الحزم و اليقظة الإعلامية التي يتطلبها الأمر و تشعباته. ففي الداخل لا أجندة وطنية للإعلام و لا إستراتيجية لمصاحبة القضايا الحقوقية التي ترتفع حولها الأصوات و تتضارب المواقف، و لا علامات لوجود أساليب مناسبة للتعامل على مستوى الخارج مع ما تحدثه هذه الأصوات و المواقف من انعكاسات سلبية و ردود فعل مضرة على البلد و أمنه و استقراره و لحمة أهله المصابة في الصميم بأمراض داخلية عصية على الدواء. كما أنه تظهر من حين لآخر هنات بعضها لا يغتفر في الأزمات التي تشهدها علاقات البلاد مع بعض الدول المجاورة التي تتقاسم و إياها الحدود و التاريخ و المصالح و هموم الأمن و الاستقرار، فتأتي في عمومها معالجات الإعلام المأخوذ على حين غرة ضعيفة و مواقفه مهزوزة و مختلة لا تلبي الاشتراط الوطني و لا الحزم المهني يدفع البلد ثمن استباق الآخر و جرأة و حضور و وطنية إعلامه الحي و المبادر. فهل يظل الإعلام في زهوه بتربع عرش الإعلام العربي الخائر بفعل غياب الحرية وغياب الاستقرار.