إنّ السموم التي تنفثها-بين الفينة والأخرى- بعض وسائل الإعلام، في أجواء العلاقة بين بعض الأشقاء في المغرب العربي، بدأت-للأسف الشديد- تضغط بحدّة على أعصاب بعض السياسيين، ممّا جعلهم يخرجون عن صمتهم، من خلال التصريحات والبيانات المتبادلة، وهم بذلك يقعون في فخ مسايرة هذه الوسائل الإعلامية التي تعيش على الإثارة وخلق البلبلة وخلط الأوراق (حتى لا أصفها بأكثر من ذلك).
أنتهز هذه الفرصة للتذكير بمقتطفات من مقال نشرته سابقا، بعنوان: "اتحاد المغرب العربيّ ومسؤولية الحكومات والشعوب"، أرى أن التذكير بها قد يفيد في هذا الموضوع الحيويّ.
ممّا جاء في المقال المذكور:
" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " 103 / آل عمران .
" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ "46/ الأنفال.
في دول " اتحاد المغرب العربيّ"، يُلاحَظ – لله الحمد – أننا معتصمون بحبل الله، كما أننا بعيدون من أن نكون أعداءً، لكن ما يجب أن نَتنبَّهَ له جيّدا هو خطورة التنازع العقيم...
في المعاجم اللغوية، تنازع القومُ : اختلفوا. وتنازع القومُ في الأمر: اختلفوا فيه. وتنازعُوا أمرَهم : تجاذبُوا الرأيَ فيه...
يُفهَم من ذلك، أنّ المنهيَ عنه، هو التنازع المُفضي إلى المزيد من الخلاف وتبعثر الجهود، ممّا يؤدي إلى الضعف ثمّ الفشل والقضاء – لا قدَّرَ الله – على الأمة، المعبَّر عنه في الآية الكريمة "...وتذهب ريحكم ": من معاني "الريح": النَّصْر والدَّوْلَة.
ولا شك أنّ قراءة التاريخ ، تفيد كثيرا في هذا المجال- وفي غيره – لأخذ العِبَر واستخلاص الدروس.
لنأخذ مثالا واحدا من أوروبا، وهو: وضْع فرنسا وألمانيا حاليا، ضِمْنَ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبيّ.
إنّ هذيْنِ البلديْنِ، مع أنهما خاضا - من قبْلُ - حربًا ضَروسًا ، فيما بينهما، فإنهما في الوقت الراهن، عضوان رئيسان وفاعلان في هذا الاتحاد.
علينا نحن كذلك، في اتحاد المغرب العربيّ، أن ننسى أو نتناسى ما حَدَثَ بيننا من خلافات في الماضي، وأن ننظرَ إلى المستقبَل ونجعل المصلحة العامّة لبلداننا وشعوبنا ( بل، شعبنا، لأنّنا شعب واحد ) فوق المصالح الضّيِّقة.
إنّ ما يجمعنا أكثر بكثير ممّا يفرقنا.
من ذلك، وحدة العقيدة واللغة والعادات والتقاليد، والماضي المشترك، ووحدة المصير، والتطلع إلى مستقبَل أفضل.
إنّ مسوؤلية الحكومات والشعوب المغاربية تقتضي، أن يجدوا الحلول المناسِبة ، بالسرعة الممكنة، للقضايا العالقة التي تشكل عقبة في طريق تفعيل اتحاد المغرب العربيّ، هذا الاتحاد الذي تعلق عليه جماهيرنا آمالا عريضة.
يجب أن نشخّصَ هذه القضايا تشخيصا دقيقا وموضوعيا، فالتشخيص نصف العلاج، ثمّ بعد ذلك ، تأتي مرحلة تناوُل العلاج الناجع.
إنّ قوتنا تكمن في وحدتنا. وكما قال الشاعر :
"تَأبَى الرِّمَاحُ إِذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا * وَإِذَا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ آحَادَا".
إنّ ما يعرفه العالم من تطورات ، وما استجدّ من اختلالات على المستوى الاقتصاديّ والأمنيّ وغيرهما، يفرض علينا أن نستيقظ من سباتنا ونتخذ الإجراءات الكفيلة بوضع حدّ لخلافاتنا.
وبذلك –وحده- يمكن أن نحتل المكانة اللائقة بنا في مصافّ الأمم المتقدمة، رابطين ماضينا بحاضرنا ومستشرفين لمستقبل زاهربإذن الله.
ولعل من الإجراءات العملية، المطلوبة في هذا المجال، ما يأتي:
1-الدعوة إلى عقد قمة مغاربية في أسرع وقت ممكن، يسبقها اجتماع تمهيديّ على مستوى وزراء الخارجية.
في حالة تعذر عقد قمة لأسباب موضوعية، يمكن أن ينوب عنها اجتماع على مستوى رؤساء الحكومات، في ضوء أحكام النصوص المنظِّمة لعمل الاتحاد.
2-الاتفاق على جدول أعمال يعالج مجمل القضايا العالقة، بطريقة سلمية توافقية ترضي جميع الأطراف، وعلى قاعدة: "لا غالبَ ولا مغلوبَ".
أملنا وطيد في أن يعمل قادة الدول المغاربية على وضع حد لهذا النوع من التراشق الإعلامي الذي بدأ يسمّم الأجواء السياسية، من خلال نكء الجراح وإذكاء الخلافات بين الأشقاء (الحرب أوّلها كلام).
وحَذَارِ من فوات الأوان ، فالزمن يَمُرّ بسرعة والتاريخ لا يرحم.
حفِظ الله بلداننا وقادتنا وشعوبنا من كل مكروه.